اخر الاخبار

منذ ثمانينيات القرن الماضي وقرية جرف الملح التابعة لقضاء شط العرب في محافظة البصرة، تنزف بسبب الألغام والمخلفات الحربية المنتشرة في داخلها وفي محيطها، والعائدة إلى الحرب العراقية - الإيرانية. وباتت تلك القرية تعرف محليا باسم “قرية البتران”، نظرا لكثرة أعداد مبتوري الأطراف من سكانها، جراء حوادث الألغام!

ووفقا لأرقام غير رسمية تتداولها وسائل إعلام، فإن نحو ألف شخص من أهالي القرية أصيبوا بتلك الألغام وفقد كل واحد منهم طرفا أو أكثر.

هذه المشكلة الخطيرة تدفع سكان القرية باستمرار إلى المطالبة بتطهير أراضيهم من الألغام والمخلفات الحربية العائدة إلى حرب الثمانينيات.

وعلى الرغم من حملات إزالة الألغام والمخلفات الحربية التي تشهدها القرية بين وقت وآخر، منذ عام 2003، إلا أن 45 شخصا على الأقل أصيبوا بانفجارات ألغام خلال تلك الفترة، بين من توفي ومن فقد طرفا أو أكثر.

وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق، قد أفادت في تقرير لها إبان أيار العام الماضي، بأن البصرة تعد أكثر مدن العراق تلوثا بالألغام غير المنفلقة. 

“حُرمت من لعب كرة القدم”!

أحمد جاسم، وهو من أهالي جرف الملح، فقد ساقه اليسرى جراء انفجار لغم، الأمر الذي حرمه من ممارسة رياضته المفضلة.

يقول جاسم في حديث صحفي أنه يواجه صعوبة في العمل بسبب الإعاقة الناجمة عن إصابته. وفيما يلفت إلى أنه يعمل حالياً راعيا للمواشي، أشار إلى أن فقدانه ساقه حرمه من مزاولة نشاطات عديدة مفضلة لديه، ومنها لعبة كرة القدم.

أما جبار مهدي، فهو أيضا فقد ساقه اليسرى بعد أن داس على لغم في حزيران 2003.

يقول مهدي في حديث صحفي أنّه بسبب صعوبة ظروف المعيشة في تلك الفترة، اضطر إلى  العمل في جمع المخلفات المعدنية وبيعها، فانفجر عليه لغم.

فيما يرى أن “حملات إزالة الألغام في القرية، لم تنفذ كما ينبغي حتى الآن”.

ويؤكد العديد من أهالي القرية، أن أكثر إصابات حوادث الألغام كانت بين جامعي المعادن ونحاس الذخائر الحربية. ففي تسعينيات القرن الماضي، إبان الحصار الاقتصادي، اضطر الكثيرون من أهالي القرية إلى العمل في هذه التجارة المميتة.

لغم يُفقد فتاة بصرها!

من جهتها، تقول الفتاة زينب جابر البالغة من العمر 14 عاماً، أنها إصيبت في عينيها بينما توفيت والدتها، إثر انفجار لغم عليهما، مبينة في حديث صحفي ان الإصابة أفقدتها البصر، ما اضطرها إلى ترك مدرستها.

أما مالك حميد، أحد سكان القرية، فوضعه يتشابه مع وضعي أحمد جاسم وجبار مهدي. إذ فقد ساقه اليسرى قبل نحو 4 أعوام في انفجار لغم أرضي، حينما كان يجمع مخلفات معدنية من ساحة عند أطراف القرية.

يقول حميد في حديث صحفي، أنه حاليا يعتمد على طرف صناعي، وحتى الآن لم يتقاضَ أي راتب تعويضي من الدولة، الأمر الذي اضطره إلى العودة لعمله السابق في جمع المخلفات المعدنية “إذ ان أحدا لم يوفر لي فرصة عمل”!

ويتفق عمار صكبان، الذي فقد أحد طرفيه السفليين إثر إصابته بانفجار لغم خلال طفولته عام 1998، مع مالك حميد حول مسألة عدم حصول ضحايا الألغام، من أبناء القرية، على حقوق تعويضية، مطالبا في حديث صحفي بدعمهم ومنحهم أطرافا صناعية “على الأقل” كي يتمكنوا من مزاولة نشاطهم اليومي.

ولم تفلح حملات إزالة الألغام المحدودة التي شهدتها القرية طيلة السنوات الماضية، في إيقاف نزيف السكان، الذين يواجهون اليوم صعوبة حتى في الحصول على فرص عمل، في الوقت الذي يعانون فيه ظروفا معيشية صعبة.

ولا يزال التلوث بالألغام يشكل تحديا خطيرا أمام العراق، الذي يصنف حسب إحصاءات وتقارير دولية ومحلية معنية، كأكثر دول العالم تلوثا بالألغام ومخلفات الحروب غير المنفلقة، والتي هي بمثابة قنابل موقوتة يروح ضحيتها أبرياء باستمرار.

وكانت وزارة البيئة قد أفادت في آب الماضي، بأنّ أكثر من 2100 كيلومتر مربّع في البلاد ما زالت ملوّثة بالألغام، وأنّ ثمّة صعوبات كثيرة تعترض طريق التخلّص من تلك المخلّفات الخطرة. وفي هذا الإطار، أطلقت الوزارة “الخطة الاستراتيجية الوطنية للأعمال المتعلقة بالألغام” للأعوام من 2023 إلى 2028، والتي تركّز على محاور مهمة كمحور الإزالة والتطهير، ومحور التوعية من مخاطر الألغام والعبوات الناسفة والمخلفات الحربية، ومحور مساعدة الضحايا وتمكينهم جسدياً ونفسياً ودمجهم في المجتمع.