اخر الاخبار

يرى مختصون أن العراق محروم من فرص ثمينة تجعله رائدا في تصدير البتروكيماويات، لكنها تصطدم بمافيات الفساد والعقلية الاقتصادية التي أنتجها نظام المحاصصة وأزماته البنيوية؛ فمنذ عام 2003 وحتى الآن، ما زالت الحكومات تتخبط في كيفية ادارة الثروات النفطية التي تضم ما يقدر بنحو 145 مليار برميل من احتياطات الخام المؤكدة، وتتسبب بهدر هائل لثروة الغاز التي تحترق في السماء، وتلوث أجواء المدن، وبالتالي تصيب الكثير من الناس بأمراض سرطانية عادة ما تكسب الرهان أمام ضحاياتها، في ظل التخلف الصحي وضعف أدوات مواجهة تلك الأمراض، وغيرها من الأزمات، فضلا عن التفريط بفرص تنموية واعدة.

فساد وتأثيرات خارجية

يقول الخبير في الشؤون النفطية الدكتور عبدالكريم الهاشمي، أن التأثيرات الخارجية وأذرعها في العراق هي العامل الأساس في عرقلة وافشال أي مشروع معني بتطوير ميدان الانتاج البتروكيماوي، إذ أن تلك الفواعل الخارجية تمتلك من القوة ما يمكّنها من وأد أية مبادرات أو خطط وطنية في قطاع الانتاج.

ويضيف الهاشمي خلال حديثه مع «طريق الشعب»، أنّ الكثير من المشاريع والخطط كانت قد اصطدمت بالفساد والرشاوى والأساليب البيروقراطية القاتلة، فضلا عن القرارات العليا التي تأتي من دون إبداء الأسباب المنطقية لإيقاف هذا المشروع أو ذاك، مبينا أن «دولا مجاورة ومن خلال أذرعها في الداخل، تقف وراء ذلك، كونها تمتلك مصانع بتروكيماوية كثيرة ذات منتجات سيئة تغذي بها الأسواق العراقية».

ويشير الهاشمي الى انه منذ عام 2011 وحتى الآن، جرى احباط أربعة أو خمسة مشاريع كبيرة.

وعن مشروع مجمع النبراس الذي توقف العمل فيه مؤخرا، يبيّن الخبير أنه «أكبر مصنع بتروكيماويات في الشرق الأوسط. ولهذا الغرض وقّع العراق اتفاقية في عام 2015 بقيمة 11 مليار دولار مع شركة (رويال داتش شل) لإقامة المجمع في البصرة، والذي تبلغ طاقته الإنتاجية من مادة البولي إيثيلين نحو مليونين و800 ألف طن سنويا. وتوقع لهذا المشروع الذي يعتبر من أهم مشروعات قطاع النفط والغاز في المنطقة، أن يدرّ أرباحا صافية تقارب 1.4 مليار دولار سنويا، ما يؤهله لأن يكون رابع أكبر مجمع بتروكيماويات في العالم».

وعن الأسباب الحقيقية وراء تعثر المشروع، يؤكد المتحدث أن «الخلاف كان حول سعر الغاز. فالعراق يطلب 4.6 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية من الغاز، في حين أن سعر المليون في السوق العالمية يتراوح من 2.2 إلى 2.5 دولار، أي أقل من نصف المبلغ الذي يطلبه العراق»، مشيرا الى انه كان يفترض بالعراق أن يقدم الوحدات بأسعار رمزية مثلما فعلت السعودية من أجل التنمية والمنافسة داخل ميدان صعب كالصناعات البتروكيماوية، لكنه قام بعكس ما هو فعلا.

ويقول الخبير الهاشمي إن أنباء كثيرة ترددت بشأن تدخل رئيس الوزراء قبل حوالي شهرين أو ثلاثة في هذا الموضوع ووعد بإعطاء الغاز بأسعار جيدة، لكن الملف أغلق وتفاجأ الجميع لاحقا بانسحاب شركة (شل) من مشروع النبراس، أي أن رئيس الوزراء لم يستطع فرض رأيه في موضوع مهم كهذا.

وبحسب استاذ الاقتصاد في جامعة المعقل بالبصرة نبيل المرسومي، فإن شركة «شل» واجهت مشكلتين كبيرتين أمام مضيها قدمًا في تنفيذ المشروع: الأولى كانت لوجستية، بينما الثانية كانت معنوية متعلقة بمدى إمكانية تطبيق نسبة العمولة في العقود النفطية العراقية؛ إذ إن الكلفة المحددة في العقد هي 11 مليار دولار، غير أن مقدار العمولة الإضافية وفقًا لحسابات الشركة هي ما بين 3 إلى 4 مليارات دولار.

ومقابل ما يجري بحق قطاع البتروكيماويات، ما زال مجلس الوزراء يبحث قضية استكمال مشروع النبراس المتلكئ والتوجه للتركيز أكثر على مشاريع الغاز في العراق، وبالتالي فسح المجال أمام الشركات العالمية الأخرى؛ لتنفيذ هذا المشروع المهم والحيوي. بينما يرى المراقبون أن الأحداث يمكن أن تتكرر بسهولة نتيجة التخبط وعدم وجود قرار سيادي يحسم وجهة المسار لهذا الميدان.

عوائد هائلة مع ازدهار البتروكيماويات

ويكشف مصدر مطلع من داخل وزارة النفط عن أسباب عرقلة مشاريع البتروكيماويات، وبضمنها مشروع النبراس وغيره، واصفا العائدات التي تأتي من هذا القطاع بالـ»هائلة».

ويقول المصدر الذي طلب من «طريق الشعب»، عدم كشف هويته، أن «دول الجوار التي تنتفع من تسويق منتجاتها السيئة تدرك خطورة نمو صناعة البتروكيماويات داخل العراق على مصالحها، وتعمل بكل ما تملك من نفوذ وقوة ومن خلال أذرعها السياسية وغيرها لمنع وعرقلة المشاريع ذات الصلة»، مبينا أن «تطور هذا الميدان وعمله بشكل طبيعي ومزدهر سيضمن عائدات مالية تفوق بثلاثة أو أربعة أضعاف ما يأتي من النفط، كما سيؤدي إلى تشغيل حوالي مليون عامل في حين يعمل حاليا في قطاع النفط حوالي 250 – 300 ألف عامل، فضلا عن منافع أخرى كبيرة جدا للمصلحة الوطنية والمجتمعية».

ويلفت المتحدث إلى أن الاستثمار الحقيقي يواجه مصاعبَ كبيرة، وعند تمكينه من القيام بما يخدم المصلحة الوطنية فسوف «يدخل بقدرته الكاملة، أي بمعنى تقديم التصاميم النهائية للمشاريع والشروع بالعمل والتنفيذ وتشغيل وتدريب الكوادر العراقية التي تنفعه بشكل كبير، لأنها لا تكلفه أموالا طائلة مثل تشغيل الكوادر الأجنبية، حيث أن أكبر جانب من الكلفة التشغيلية مرتبط بالرواتب ومنها للمهندسين والفنيين. ولو كان هناك دعم حكومي لامتلكنا كوادر مؤهلة ومدربة ستفيد البلد لسنوات طويلة».

ويستشهد المصدر على حديثه بتجربة أطلع عليها عام 2013 عندما قدمت شركة Toyo Engineering Corporation اليابانية عرضا للعراق يتضمن إنشاء منظومة متكاملة للغاز، حيث «بدأت في حينها مفاوضات مع وزارات النفط والكهرباء والصناعة، وقدمت لهم رؤية يابانية شاملة للتصميمين الأساس والنهائي وتكفلت الـ (جايكا)، وهي هيئة التعاون الدولي اليابانية تمويل المشروع لقاء أرباح رمزية تبلغ أثنين ونصف بالألف (0.25) تقتطع على مدار 20 عاما، مع اعطاء الجانب العراقي فترة سبع سنوات تشغيل، ومن ثم انطلاق العمل بنظام متكامل تبنيه اليابان وتطور الكوادر العراقية من خلاله، وتوظف مادة الغاز لخمسين سنة قادمة بصورة صحيحة، حيث يدخل الى المنظومة ويُجمع ويعالج ويبعث الى مناطق الاستهلاك»، مضيفا أنه «بعد البدء بالعمل واستقدام المعدات والمهندسين إلى البصرة، أتت أوامر عليا بايقاف المشروع دون تقديم أية أسباب مقنعة، ليخسر العراق مشروعا كبيرا ينال منه مكاسب هائلة. وبعد ذلك امتنع الجانب العراقي عن دفع أموال دراسة التصميم الأساس وأعلنت هيئة التعاون الدولي اليابانية أنها لن تطالب بها واعتبرتها هدية مقدمة إلى الشعب العراقي ونشرتها على موقعها الرسمي».

تأهيل وتطوير الكوادر العراقية

وعن إمكانية تطوير القدرات الفنية والهندسية العراقية ضمن تخصصات صناعة البتروكيماويات، يقول مهندس النفط مهند البياتي، أنه أطلّع على تجربة اماراتية ضمن شركة ادكو وهي شركة نفط عالمية.

ويتحدث البياتي لـ»طريق الشعب» عن معرفته بتاريخ هذه الشركة التي كان عدد كادرها لا يزيد على خمسة أشخاص فقط في بداياتها، أثنان منهم يحملون شهادة جامعية وثلاثة مراقبين (Foremen). وأضحت من أفضل شركات النفط في المنطقة بسبب حملة الأسهم (الكونسورتيوم) الذين يدخلون التكنولوجيا والمعرفة والعاملين وانظمة العمل وغيرها»، مضيفا أنه «بعد نجاح هذه التجربة أصبح الآن حوالي 90 في المائة من شاغلي الوظائف هم من الأيدي العاملة الوطنية».

ويؤكد المهندس أن «الصناعات البتروكيماوية بحاجة الى تكنولوجيا متطورة ومعرفة عالية جدا واموال طائلة، وهذه البدائل لا يمكن أن تأتي بهكذا فهم سياسي واقتصادي. بينما نبقى نتحدث عن معالجة حرق الغاز منذ عام 2011 دون أن نأتي بأية حلول حتى اللحظة».