اخر الاخبار

في ظل تصاعد موجات الحر، وجفاف المسطحات المائية، وتجدد الحرائق في مناطق الأهوار، تثار عدة تساؤلات حول الأسباب الحقيقية لهذه الكوارث البيئية، وما تخلّفه من أضرار، على السكان والتنوع البيولوجي، بينما يستمر "الفشل الحكومي" في ايجاد خطط وقائية فاعلة إزاء تلك الكوارث.

واستعانت السلطات بطائرات مكافحة الحرائق الإيرانية لإخماد النيران في هور الحويزة، بعد ان تواصلت لأربعة أيام.

ويذكر خبراء مناخ، أن هناك عناصر مشجعة على استمرار اشتعال النيران في تلك المنطقة، منها هبوب الرياح والجفاف التام للقصب ودرجة الحرارة العالية.

يشار الى ان حريقا مماثلا حصل في عام 2021 واستمر 16 يوماً.

ويُعد هور الحويزة جزءا من منظومة الأهوار الجنوبية المدرجة على لائحة التراث العالمي منذ عام 2016، والتي تُعد موطناً بيئياً وثقافيا غنيا، وهو مهدد اليوم بمخاطر بيئية جسيمة نتيجة التنقيب والتجفيف والحرق.

التوازن البيئي مهدد

يقول الخبير البيئي أحمد صالح نعمة، إن "الحريق الأخير التهم مساحات شاسعة من الأراضي المائية والنباتية في الهور". وأشار إلى أن بعض هذه الحرائق قد تكون متعمدة، بهدف إعادة نمو القصب والبردي، وهما من الأعلاف الطبيعية الممتازة، بحسب الدراسات النباتية.  ورغم عدم وجود أدلة قاطعة على أسباب اندلاع الحرائق، فإن نعمة لا يستبعد أن يكون بعض الصيادين هم من يشعلون النار لأغراض متعددة، منها الطهي أو التنقل، مردفا أن "الجفاف الشديد، وارتفاع درجات الحرارة، وهبوب الرياح، كلها عوامل ساهمت في تسريع انتشار الحريق".

ويردف كلامه بأن هور الحويزة يعتبر محمية حدودية تخضع لسيطرة أمنية مشددة، مما يُستبعد دخول الصيادين أو السياح، لكنه يحتمل أن الحادث قد حصل نتيجة لعمل الجهد الهندسي التابع للواء العاشر في المنطقة الحدودية، الذي بادر بإكمال إنشاء السد الحدودي الفاصل بين العراق وإيران، بعد توقف دام عامين. ويواصل حديثه، أن هذا السد سيوفر منفذًا جنوبيًا يمكن أن تستخدمه سيارات الإطفاء. كما أنه سيساهم أيضًا في تحسين المراقبة الحدودية، وتقليل الحاجة لتراخيص الدخول السياحي، وتحقيق فوائد أمنية وبيئية متعددة.

ويضيف، أن "النظام البيولوجي للأهوار تأثر بشدة ـ من حشرات وزواحف إلى طيور وحتى البكتيريا الدقيقة ـ مما يهدد التوازن البيئي للمنطقة"، لافتا إلى أن دخان الحريق امتد إلى المدن العراقية والإيرانية المجاورة، ما تسبب في حالات اختناق وانبعاثات كربونية عالية، إلى جانب تطاير رماد القصب في الهواء ووصوله إلى مناطق بعيدة.

وبالعودة إلى الجدل حول المشروع النفطي، يوضح الخبير أن الصيادين رصدوا وجود آليات تابعة لوزارة النفط، وأبلغوا الجهات المختصة. لكن المفارقة أن وزارتي الموارد المائية والبيئة لم يكن لديهما أي علم بهذه الأنشطة، وهو ما دفع ناشطين بيئيين الى رفع شكوى أمام البرلمان.

ورغم نفي وزارة النفط وجود أي مشروع داخل الأهوار، إلا أن صورا ومقاطع فيديو وثّقت الأعمال، ما أدى إلى نقل الآليات جزئيا إلى مناطق أخرى.

وهنا، يؤكد نعمة أن الخبراء البيئيين لا يعارضون تطوير الموارد النفطية، لكنهم يشددون على ضرورة احترام الطبيعة الحساسة للأهوار، التي أُدرجت على لائحة التراث العالمي منذ عام 2016.

حالات اختناق عديدة

من جهته، قال قائمقام قضاء الكحلاء علي شبوط، في حديثه لـ "طريق الشعب"، إن الدخان الكثيف الذي نتج عن الحرائق انتشر في سماء محافظة ميسان، وبشكل خاص في قضاء الكحلاء، ما تسبب بحالات اختناق عديدة، خصوصا بين المرضى الذين يعانون من أمراض تنفسية كالربو.

وأضاف أن تصاعد أعمدة الدخان تزامن مع ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة عن المعدلات الطبيعية، ما زاد من تفاقم الوضع الصحي، مشيرا إلى أن هذا النوع من التلوث يؤدي إلى أمراض سرطانية على المدى البعيد، ما يشكل تهديدًا جديًا لسكان المناطق المحيطة بالأهوار.

وتابع شبوط أن "جفاف مساحات واسعة من الهور، واتساع رقعته، جعلا السيطرة على النيران مهمة صعبة، بخاصة مع ضعف الإمكانيات الفنية لمحافظة ميسان والوحدات الإدارية المعنية.

واختتم المسؤول المحلي تصريحه بدعوة الحكومة المركزية ووزارة الموارد المائية إلى التدخل العاجل، عبر زيادة الإطلاقات المائية إلى مناطق الأهوار، للحد من خطر الحرائق، ومنع تكرار مثل هذه الكوارث. كما طالب وزارة البيئة باتخاذ موقف جاد وحاسم تجاه ما يحدث، حفاظًا على حياة المواطنين والثروات البيئية الفريدة التي تمتلكها الأهوار العراقية.

مطالبات بدعم حكومي حقيقي

أما الناشط البيئي علي جبار فقد أعرب عن قلقه من تكرار حرائق الأهوار دون وجود استراتيجية وقائية فعالة، قائلاً "ما يحدث في هور الحويزة ليس كارثة بيئية فحسب، بل فشل إداري متكرر في التعامل مع بيئة حساسة تُعد من كنوز التراث العالمي. الأضرار لا تقتصر على فقدان التنوع البيولوجي، بل تطال السكان المحليين الذين تعتمد حياتهم على الصيد والرعي، إلى جانب تلوث الهواء وتأثيره على الصحة العامة".

وأضاف جبار لـ "طريق الشعب"، أن "الغريب في هذه الحرائق هو تكرارها الدائم، ومع ذلك لا توجد إجراءات استباقية حقيقية، ولا خطط طوارئ مفعلة، ولا حتى فرق مختصة مدربة للتعامل مع هذا النوع من الكوارث".

واكد أن هناك حاجة إلى "توحيد الجهود بين الجهات البيئية والهندسية والأمنية، وتوفير دعم حكومي حقيقي لمنع تكرار هذه الكوارث، وليس الاكتفاء بردود الفعل بعد اشتعال النيران".

عرض مقالات: