صادق مجلس الوزراء، أخيرا، على مشروع تعديل قانون رعاية القاصرين، بهدف معالجة أموال هذه الفئة، وتوسيع نطاق الرعاية الاجتماعية والثقافية والمعنوية لهم، في إطار السعي لتعزيز حقوق هذه الفئة، وتوفير بيئة آمنة تضمن نموهم النفسي والاجتماعي.
لكن ناشطين، يؤكدون أن التعديلات القانونية وحدها لا تكفي، إذ يواجه القاصرون في العراق تحديات اجتماعية ونفسية متعددة، بدءاً من فقدان الأسرة أو المعيل، مروراً بالحرمان من التعليم والرعاية الصحية، وصولاً إلى مخاطر الانخراط المبكر في سوق العمل أو التعرض للاستغلال.
وتتضمن التعديلات معالجة الأموال المودعة قبل عام 1990 والتي فقدت قيمتها بسبب الظروف السياسية آنذاك، وتعديل مادة تتعلق باستثمار أموال القاصرين في مشاريع مضمونة الربح بدلاً من المشاريع المحدودة الفائدة، إضافة إلى إدراج مواد تهتم بالجانب الإنساني من خلال الرعاية الاجتماعية والثقافية والمعنوية للقاصرين. وشدد الوزير على حرص الوزارة على المضي قدمًا في إصلاح هذا الملف، بما يسهم في تنفيذ خطط جديدة لخدمة القاصرين ماديًا ومعنويًا.
وزير العدل: خطوة اصلاحية
من جهته، أكد وزير العدل خالد شواني، خلال مشاركته في حفل تكريم القاصرين المتميزين بمبنى الوزارة، أن مجلس الوزراء صادق على مشروع تعديل قانون رعاية القاصرين لحل مشكلة أموالهم.
وقال الوزير أن هذه "الخطوة الإصلاحية تهدف إلى منح ملف القاصرين اهتماما كبيرا، وتبني ممارسات عملية تصب في خدمة حقوق هذه الفئة"، مبينا أن الوزارة أنجزت مشروع تعديل قانون رعاية القاصرين، وصوّت عليه مجلس الوزراء بعد تدقيقه من قبل مجلس الدولة، وهو الآن معروض أمام مجلس النواب بانتظار التصويت عليه، لدخوله حيز التنفيذ بما يتوافق مع متطلبات المرحلة الحالية.
عنف واستغلال مجتمعي
من جهتها، قالت الباحثة الاجتماعية بلقيس الزاملي، إن "القاصر في العراق لا يواجه مشكلة مادية فحسب، بل يعيش تحديات اجتماعية ونفسية معقدة، نتيجة فقدان المعيل أو العائلة، وما يترتب على ذلك من حرمان عاطفي وحرمان من التعليم والرعاية الصحية".
وأضافت الزاملي في حديث مع "طريق الشعب"، أن "الكثير من القاصرين يتعرضون للتسرب من المدارس والانخراط المبكر في سوق العمل بسبب الفقر، فيما يعاني آخرون من مخاطر العنف أو الاستغلال، نتيجة غياب بيئة أسرية داعمة".
وبيّنت الزاملي، أن "دائرة رعاية القاصرين بذلت جهوداً مهمة في إدارة أموال هذه الفئة، لكن الجانب الاجتماعي لا يقل أهمية عن الجانب المادي، إذ يحتاج القاصر إلى برامج نفسية وثقافية تدمجه في المجتمع، وتبني شخصيته بشكل سليم".
وأكدت أن "التعديل الجديد لقانون رعاية القاصرين يمثل خطوة إصلاحية، لكنه سيكون أكثر فاعلية إذا ترافق مع خطط عملية للرعاية الاجتماعية، تشمل شراكات مع منظمات المجتمع المدني لتأهيل القاصرين وتنمية مهاراتهم وضمان دمجهم في الحياة العامة".
وختمت الزاملي بالقول: "الاهتمام بالقاصرين ليس مجرد التزام قانوني، بل هو استثمار في مستقبل العراق، لأن هذه الشريحة إذا حصلت على الرعاية المناسبة ستتحول إلى قوة منتجة وفاعلة قادرة على المساهمة في بناء المجتمع".
غياب البرامج الاجتماعية
كذلك أكدت الناشطة الاجتماعية مرح إياد، أن الكثير من القاصرين يواجهون تحديات متعددة ومعقدة على المستوى اليومي، بدءاً من فقدان الأسرة أو أحد الوالدين، مروراً بالحرمان من التعليم والرعاية الصحية، وصولاً إلى التعرض لمخاطر الاستغلال أو العمل المبكر. هؤلاء الأطفال يعيشون في بيئات غير مستقرة، سواء بسبب النزاعات أو الهجرة الداخلية، ما يزيد من شعورهم بالضياع والعزلة".
وقالت إياد لـ"طريق الشعب"، أن "الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وارتفاع تكاليف الحياة، جعلت القاصرين يفتقدون أبسط الحقوق، مثل الغذاء الكافي والمياه النظيفة والكهرباء المستمرة، بينما يجد بعضهم نفسه مضطراً للعمل في سن صغيرة لتغطية احتياجاته الأساسية".
وأضافت أن "غياب البرامج الاجتماعية المتكاملة والرعاية النفسية للأطفال يزيد من مخاطر الانحراف الاجتماعي، ويحد من قدراتهم على تطوير مهاراتهم وإمكانياتهم، ما ينعكس سلباً على مستقبلهم واستقرار المجتمع. لذا من الضروري أن تترافق أية جهود قانونية أو مالية، مثل تعديل قانون رعاية القاصرين، مع سياسات عملية تشمل التعليم، الرعاية الصحية، الدعم النفسي، والأنشطة الثقافية والاجتماعية، لتوفير بيئة آمنة ومستقرة، تضمن لهم حقوقهم الأساسية وتحميهم من الانحراف والاستغلال"
عجز واضح عن الرقابة والدعم
فيما قال الباحث القانوني مصطفى البياتي إن "الأطفال في العراق يواجهون أوضاعاً صعبة على المستوى الاجتماعي والقانوني، إذ يعاني الكثير منهم من فقدان الأسرة أو الحرمان من الحقوق الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والحماية من الاستغلال".
وأضاف الجبوري لـ"طريق الشعب"، أن "قانون الطفل في العراق لم يُشرع بالشكل الكافي حتى الآن، وهو ما يترك ثغرات كبيرة في حماية الأطفال من العنف، الاستغلال، أو العمل المبكر. غياب إطار قانوني واضح يجعل تطبيق حقوق الطفل ضعيفاً، ويجعل الجهات المعنية عاجزة عن فرض الرقابة أو تقديم الدعم الفعلي".
وأكد أن "التحدي الأكبر يكمن في عدم وجود سياسات متكاملة تربط بين الجانب القانوني والاجتماعي، بحيث لا يقتصر الاهتمام على حماية الطفل من الناحية المادية فقط، بل يشمل توفير بيئة آمنة ومستقرة تضمن نموه النفسي والاجتماعي بشكل صحي".
واختتم الجبوري بالقول إن "تشريع قانون شامل للطفل وتفعيله بجدية يمثل خطوة أساسية لحماية الأطفال في العراق، لأنه سيضع مسؤوليات واضحة للجهات الرسمية ويخلق آليات فعالة لمتابعة حقوق الأطفال وتحقيق العدالة لهم".