( 1 )
“ عُقدت في بغداد ضمن احتفالات اسبوع الفولكلور العراقي ندوة بغداد للتراث الشعبي عام 1986 ، وكان محورها الرئيس كيفيّة الحفاظ على حامل الموروث الشعبي والوسائل الكفيلة بتحقيق ذلك “ .
وقد أُلقيت في تلك الندوة أوراق عدّة لباحثين عراقيين وعرب ممن يهتمون ويكتبون في التراث الشعبي ، ولهم تأسيساتهم وتأصيلاتهم المعروفة في هذا الجانب من الثقافة الشعبية .
جُمعت تلك الأوراق في كتاب حمل عنوان ( ابحاث في التراث الشعبي – كتاب التراث الشعبي 2 ) صدر عن دار الشؤون الثقافية – وزارة الثقافة والاعلام / العراق .
وتأتي أهمية استعادة هذا الكتاب من عمق المضامين التي أولّت التراث الشعبي دوره في تشكيل الهوية الثقافية بشقّها القادم من فاعلية التراث الشعبي في تكوين البُعد الاجتماعي والنفسي والروحي للمجتمع ( أي مجتمع ) ومدى تعالق الحاضر مع الماضي تاريخياً وفنياً ، وبكل ما يحمله مثل هذا التعالق من دلالات تُشير إلى دور الانسان في الخَلق والابتكار ، وتطويع كل اشتغالاته المادية والروحية لتكون دالّة على وعيه ، وممكناته الابداعية ، سواء كانت بفعل الشعور أو اللاشعور، بقصد أو من دون قصد ، إذ أنها تبدأ وتنمو وتتطور وتتراكم زمنياً وتنعكس في السلوك الحياتي الجمعي .
من هنا يحمل التراث الشعبي صفته الأخرى ، إلا وهي : إنه هامش حضاري أيضاً .
إن أهمية استعادة كتاب ( ابحاث في التراث الشعبي ) تكمن في كونها مراجعة ومشاهدة لصوّر واقعية سابقة لوجودنا ، بعد أن تراجعت البحوث والدراسات الفولكلورية في العقود الأخيرة بفعل التطوّر المعلوماتي والثورة التكنولوجية في مجالات التواصل الاجتماعي التي أوجدت مايشغل المجتمع بموضوعات جديدة وغريبة قد لا ترتبط بموروثه وتراثه .
من هنا ، والاحتمال وارد جداً ، أن تغفل الأجيال الجديدة تراثها الشعبي ، وتتكلس الذاكرة بلحظتها الآنية .
إذن لابد من المراجعة المستمرة لتراثنا الشعبي كي لا نفقد بعضا من هويتنا الثقافية .
( 2 )
ولبيان المزيد من الأهمية لهذا الكتاب ، وما جاء به من بحوث ودراسات في التراث الشعبي بأقلام كتّاب مثقفين موسوعيين يُحتّم علينا موضوع تأصيل الإصول أن نُشيرإلى البحوث وكتّابها كي نرى المساحة التي يشغلها التراث الشعبي في حياتنا الاجتماعية :
رواة الأدب الشعبي - د. أحمد علي موسى ، افكار حول الحفاظ على الموروث الشعبي – باسم عبد الحميد حمودي ، الحرف والصناعات الشعبية – جميل الجبوري ، في وحدات الجمع الميداني في التراث الشعبي – د. داود سلوم ، تربية الأطفال موسيقياً كوساطة للحفاظ على التراث الشعبي – د. حسام يعقوب ، أثر التطوّر الاقتصادي والاجتماعي في استمرارية الصناعات الشعبية – د. حفصه الرفاعي ، الصنّاع والبيّاع والمحترفون في التراث – د .حسين علي محفوظ ، المسرح العراقي باعتباره حاملاً للموروث الشعبي – ياسين النصير ، تحديد أجناس الأدب الشعبي – كاظم سعد الدين ، رسوم الوشم – ليث الخفاف ،علم الرواية الحديث وإصول الجمع الميداني للمأثورات الشعبية – د. محمد رجب النجار ، المثل البغدادي سماته وبيئته وحياته – د. مزهر الدوري ، صناعات الطين في الريف العراقي – محمد عجاج جرجيس ، التوظيف ومستقبل التراث الشعبي – د. صبري مسلم ، حيويّة المأثورات الشعبية – د. صفوت كمال ، ويلي علوه ..
غناء الشيخ الشامي في العصر الأموي – د. عبد الحميد حمام ، الرقص الشعبي في العراق – عبد اللطيف المعاضيدي ، المسرح في بلاد وادي الرافدين – د . فوزي رشيد ، المصنوعات الفضيّة في شمال العراق – خلف راوي الجميلي ، جمالية الشناشيل – سلمان البصري .
( 3 )
كتاب ( ابحاث في التراث الشعبي ) وثيقة تاريخية تعكس اهتمام المثقفين بأهمية التراث الشعبي ودوره في ايجاد علاقات ثقافية شعبية مجتمعية تواصلية بين الحاضر والماضي ، ومن دون هذه العلاقات سيُفقد كل ما يربط الانسان بنشأته وتكوينه ، وفعله الحضاري في شقّه الشعبي .
وإذا كان اسبوع الفولكلور العراقي– ومن ضمنه ندوة بغداد للتراث الشعبي - قد عُقد قبل أربعة عقود وترك مثل هذا الأثرليكون الدليل إليه ، فما أحوجنا الآن إلى الشبيه كي نؤصّل الأثر مرّة أخرى