اخر الاخبار

 ( 1 )

النحت على صخرة الموت ، قراءة انثروبولجية في شعر النعي لنساء جنوب العراق ، هما العنوانان ، الأساس والثانوي لكتاب الأستاذ سعدون محسن ضمد الصادر عن دار سطور 2017. في هذا الكتاب ،تكون البراعة ، براعة البحث في شعر النعي (وهو لون من الوان الشعر الشعبي العراقي مجهول المؤلف في الغالب)..،كامنة في الجهد الاستقرائي / التأويلي / التحليلي ، إضافة إلى مجسّات الشفاهية المدببة التي أُعتمدت في التوافر على عيّنات النصوص حيث قلّة المصادرالتي توثّق لهذا اللون الشعري الشعبي ، وحتى المصادر القليلة هذه ، لم تذهب مثلما ذهب المؤلف إليه في التقصي والكشف والتصنيف والتحليل والاستنتاج . في الجهد الاستقرائي ، التأويلي، التحليلي، قلّما نجد شطرات شعرية يطلُّ عليها باحث ما وهو في مرحلة الدراسة الاكاديمية العليا ، وتستدرجه لأن يستخرج منها بحثاً تطبيقياً شاملاً غير مثقل بتوصيفات واصطلاحات نقدية مستعارة كما فعل الباحث ،وهذا ما أطلقت ُعليه تسمية البراعة من دون تردد .

 ( 2 )

جمع الباحث أكثر من(300) عيّنة شعرية من شعر النعي لدى نساء جنوب العراق المثكولات باستمرار ، وصنّفها تصنيفاً مدروساً دالّاً على مقدماته التنظيرية الاستقرائية حيث استخلاص (الاقناع، الهدف،المخاطب) .ورغم عدم وضوح طبيعة التخصص الدراسي للباحث ، إلا أنَّ البحث بمجمله يشير إلى ماهو اجتماعي وتاريخي ونفسي وتراث شعبي ، في تواشج (عميق الاصول ،نادر الفروع ) وتلك هي البراعة المضافة أيضاً.

 ( 3 )

جذور توليد شعر النعي تعود إلى الثلث الأول من القرن التاسع عشرللميلاد ، ويُكتب بوزن شائع مستقل بتفعيلاته العروضية (مستفعلن مستفعلاتن )  ليس بمجزوء الرجزكما ذُكر،حيث لاتوجد مستفعلاتن في هذا المجزوء.  شعر تجترحه النساء الأميّات  على الأعم -  بفطرة وبساطة -  في حالات الفقد والموت والخسارات المتنوعة ، إلا أنَّ شاعرتين مهمّتين قد برعتا به ، هما فدعة الخزاعية ( من شاعرات القرن الثاني عشر هجري) ، وهي أول من اشتهر بهذا اللون كشاعرة ، وكذلك الشاعرة شمسة البغدادية (1857_1917)..، وقد أشار الباحث الى الاولى إشارةعرضية ،وكان من المفيد لو تمَّ تخصيص فصل عن هاتين الشاعرتين الناعيتين ، إلا أَّن مصادر البحث قد تكون هي السبب ، وإن تكن متوفرة عن الاولى ، إلا أنها نادرة جداً عن الثانية .

 ( 4 )

شعر النعي ، وإن كان الشائع منه ثلاثي التركيب ويليه الرباعي كما أشار الباحث ، إلا أنّه يجيء أيضاً بتراكيب تصل إلى العشرية ، وقد كُتبت فيه ( كوزن) قصائد لشعراء معدودين وبمواضيع متنوعة . إنَّ استنتاج الباحث : (صورة النمط لم يتم نقلها من الموروث الديني إلى الثقافة الشعبية ،بل العكس هو الصحيح ) يحتاج الكثير من الإستغراق ، ويمكن الاستدراك ، إنَّ الثقافة الشعبية الجنوبية العاميّة في شقّها الديني / الحسيني ومنذ قرون حينما ابتدأت مراسيم العزاء الحسيني ،قد تمَّ تشكيلها بفعل مرويّات سردها شفاهياً قرّاء المنبر الأوائل بحدود معرفية بسيطة في مجالس العزاء في القرى والقصبات ومراكز المدن ، وعلقت في الذاكرة الجمعية بثبات لا يزحزحه التحول المعرفي بسهولة ، والنساء الناعيات جزء مهم من هذه الذاكرة ،وقد اسقطن َ ما سمعن َ عن الصورة النمطية في شعرهن. كتاب ( النحت على صخرة الموت )..لا تفيه هذه الإشارة الراكضة..، وتبقى الإشادة هي الأهم....

عرض مقالات: