هل يمثل الانسحاب الأمريكي تغييراً استراتيجياً؟
كتب محمد الدوح مقالًا لموقع Geopolitical Monitor الكندي، ذكر فيه أن قرار الولايات المتحدة المفاجئ بسحب قواتها من قاعدتَي عين الأسد وفيكتوريا في العراق، وإعادة نشرها في أربيل، وربما في دولة عربية مجاورة، يُمثل تغييرًا جوهريًا في الموقف العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط.
إعادة تموضع
وأشار الكاتب إلى أن هذه الخطوة تُعدّ في الواقع إعادة توجيه دقيقة، تهدف إلى تحقيق توازن جديد بين المتطلبات الأمنية للحفاظ على النفوذ الاستراتيجي، والمخاطر العملياتية المتعلقة بالسياسة الداخلية والتوترات الإقليمية. وأضاف أن فهم الأهداف والدوافع الكامنة والنتائج المتوقعة لهذه الخطوة يمكن أن يُسهم في تسليط الضوء على الإطار الأوسع لاستراتيجية الدفاع الأمريكية في المنطقة مستقبلًا، والتي يُعَدّ هدفها الرئيس الحفاظ على نفوذها في العراق، وتجنُّب أية مؤثرات سلبية على العلاقات مع حكومته، وحماية قواتها من المخاطر الجيوسياسية المتصاعدة، وحرمان طهران من الميزة التكتيكية والرمزية المتمثلة في مهاجمة أهداف عسكرية أمريكية في وسط وغرب العراق.
ضغوط قوية
وادّعى الكاتب أن رئيس الحكومة العراقية يتعرّض لضغوط متزايدة من البرلمان وبعض شرائح الشعب لإنهاء "الوجود العسكري الأجنبي"، وبالتالي فإن الانسحاب من عين الأسد وفيكتوريا سيُخفف من هذه الضغوط، ويسمح لواشنطن بالحفاظ على وجودٍ سريّ وفعّال في أربيل ومواقع أخرى، مما يُساعد الحكومة على التمتّع بقدرٍ من الاستقلالية من جهة، ويساعد من جهة أخرى، البنتاغون على إدامة قدراته العملياتية في مجالات السيطرة على النيران، والاستخبارات، والمراقبة، خاصة حين تتوفر له بيئة آمنة سياسيًا في كردستان، التي تُعَدّ فيها القوات الأمريكية حليفة وثيقة وليست محتلة.
العوامل المؤثرة في القرار
ولخّص الكاتب أهم العوامل التي عجّلت باتخاذ قرار إعادة التموضع بتزايد مخاطر الفصائل العسكرية الحليفة لطهران، وتراجع الشرعية المحلية للوجود الأمريكي، الذي تحوّل إلى هدف سياسي سهل المنال، وربما أداة تعبئة وتأجيج للمشاعر القومية. كما تبرز من بين تلك العوامل المزايا الاستراتيجية لأربيل، والمتمثلة في الغطاء السياسي، والأمن العسكري، والفائدة الجغرافية، وتوافق المصالح، والموقع الاستراتيجي الذي يُؤمّن سهولة مراقبة مثلث إيران وسوريا وتركيا. ولا يُؤمّن هذا الموقع اللوجستيات وقنوات الاتصال الأمريكية مع الحلفاء الإقليميين فحسب، بل يُمكّن القوات الأمريكية أيضًا من الردّ بسرعة في مسارح عمليات متعددة. وأخيرًا، العمق الإقليمي في الدول العربية المجاورة، كالكويت أو الأردن، حيث تتوفّر قواعد آمنة وسهولة الوصول منها إلى سوريا والعراق والخليج.
العواقب الاستراتيجية
وتوقّع المقال أن تُصوّر طهران وحلفاؤها الخطوة الأمريكية على أنها تراجع وانتصار رمزي لهم، مستدركًا بالقول إن هذا التفسير غير ذي جدوى، لأن واشنطن لا تُغادر العراق؛ بل تُعيد تركيز جهودها على مناطق أكثر جدوى سياسيًا، وذات مواقع يسهل الدفاع عنها. كما أن الانسحاب سيُقلل الضغط الشعبي والبرلماني، ويُقدّم للحكومة العراقية تنازلًا سياسيًا رمزيًا دون أن يفرض انسحابًا أمريكيًا كاملًا، خاصة وأنه يضمن لواشنطن استمرار وصولها، عند الضرورة، إلى المجال الجوي العراقي، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، ومهام استشارية أخرى. ورأى الكاتب أن من المزايا غير المباشرة الأخرى للوجود الأمريكي في أربيل، تعقيد الحسابات التركية تجاه إقليم كردستان، حيث تُشير واشنطن، سرًا، إلى أن الأراضي الكردية تقع ضمن نطاق مصلحتها الأمنية.
التأثير الإقليمي
وعلى الصعيد الإقليمي، توقّع المقال أن تكون للخطوة الأمريكية تأثيرات واسعة على دول المنطقة، إذ ستُرسي إطارًا مرنًا، يُمكن لواشنطن الاستفادة منه في حال نشوب أزمة إقليمية، وتقديم الدعم الاستخباراتي واللوجستي، وربما حتى البري لحلفائها، وسيضمن احتفاظ واشنطن بالقدرة على أن تكون لاعبًا رئيسيًا في أي تصعيد مستقبلي يشمل سوريا أو إيران أو الخليج.
وأخيرًا، ومن منظورَي الفعالية والتكلفة والاستدامة على المدى الطويل، وجد الكاتب أن الانسحاب يتماشى مع الهدف الاستراتيجي الشامل لواشنطن، والمتمثل في الحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط، مع تقليل تكاليف الانتشار المُوسّع، وذلك بالوصول إلى وجود أخفّ، وأكثر قدرة على الحركة، موزّع في أنحاء أربيل والدول المجاورة، وذو نقاط ضعف أقل ومرونة أكبر، ولا يسبب أي توتر سياسي.