اخر الاخبار

عهد مجلس الحلفاء الأعلى (مجلس الدول التي انتصرت في الحرب العالمية الأولى) الى بريطانيا بالانتداب على العراق في ٢٥ نيسان ١٩٢٠، وبعد ثورة العشرين (حزيران ١٩٢٠) كيّفت بريطانيا سياستها في العراق واقامت نظام حكم موالٍ لها. وفي ١٣ تشرين الأول ١٩٢٢ أحكمت بريطانيا ربط العراق بها بواسطة معاهدة تتضمن الهيمنة الكاملة عليه، وفقا لمبادئ الانتداب التي وضعتها الدول المنتصرة في الحرب.

وفي سنة 1930 استبدلت بريطانيا معاهدة 1922 بمعاهدة جديدة، فرضتها لاجل مزيد من الهيمنة على العراق، رغم الرفض الجماهيري الواسع لها وتنديد القوى الوطنية والشعبية بها، والتي طالبت بمقاطعة بريطانيا وعدم التعامل معها، وبالغاء المعاهدة بسبب ما تفرض من التزامات تُعوّم استقلال العراق وسيادته وتنتقص منهما.

وفي ٣ تشرين الأول ١٩٣٢، وبعد ربطه بتلك المعاهدة، أدخل العراق عضوا في عصبة الأمم، التي التزم امامها بكافة الاتفاقات التي وضعها الانتداب البريطاني، بما فيها معاهدة ١٩٣٠ المرفوضة شعبيا.

وهكذا فان يوم ٣ تشرين الأول ١٩٣٢ الذي اقرته الحكومة عام ٢٠٢٢ يوما وطنيا، بعد سنوات من الاختلاف والجدل، انما بُني واقعا على أساس تلك المعاهدة الجائرة والمدانة. صحيح ان العراق اُعلن آنذاك دولة مستقلة، لكن استقلاله كان شكليا ولا قيمة اعتبارية له، مع استمرار تحكم بريطانيا بشؤون البلاد جملة وتفصيلا: السياسية منها والاقتصادية والعسكرية والأمنية، ومع بنائها قواعد عسكرية وتسهيلات أخرى لقواتها المسلحة على الأراضي العراقية.

ولم يكن ما حصل في مايس ١٩٤١، الا دليلا ساطعا على شكلية ذلك الاستقلال، حيث تدخلت بريطانيا وإعادت بالقوة المسلحة فرض من تريدهم في الحكم.

واليوم أيضا إذ تدور سجالات بشأن ما يمكن عدّه بحق يوما وطنيا، يتوافق عليه العراقيون بدرجة كبيرة، فان هذا والى حدود غير قليلة لا ينطبق على ٣ تشرين الأول، اليوم الذي لم ينل فيه العراق لا سيادة كاملة ولا استقلالا فعليا. 

ومن المعروف ان الأيام الوطنية التي تحتفل بها الدول والشعوب، لها دلالات واضحة لا لبس فيها، وقيمة وطنية وحتى اجتماعية معينة، راسخة في ضمير ووجدان المواطنين كلهم او جلهم. وفي واقع الحال لم يتذكر العراقيون الثالث من تشرين الأول لسنوات طويلة، وكان عندما يأتي ذكره ففي سياق استذكار معاهدة استرقاق ضمنت لبريطانيا هيمنتها الاستعمارية والحكم المرتبط بها.

وفي مقابل ذلك وبغض النظر عن المآلات السياسية لثورة 14 تموز 1958، فانها عند تقييمها موضوعيا بعيدا عن المواقف السياسية المسبقة، كانت تحولا عظيما في تاريخ العراق المعاصر. وكانت المساهمة الفعالة لملايين المواطنين فيها فور إعلانها، بمثابة استفتاء وطني على أهمية الحدث الكبير ودلالاته، كونه نقطة تحول ونيل للاستقلال والسيادة الحقيقيين.

وبناء على هذه المعايير يبقى يوم ثورة 14 تموز الأجدر بان يحتفى به عيدا وطنيا لجميع العراقيين، على اختلاف اطيافهم.