يبدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارة رسمية إلى العراق يوم غد الاثنين (22 نيسان 2024)، وهي الزيارة الثانية له بعد زيارته الأولى في عام 2011، عندما كان رئيساً للحكومة التركية آنذاك.
ومن دون شك أن الزيارة تكتسب أهمية كبيرة نظراً للأوضاع الراهنة المتفجرة في الشرق الأوسط، وللمصالح العديدة المشتركة بين الجارين، فيما هناك ملفات مازالت معلقة تنتظر الوصول إلى تفاهمات مشتركة بشأنها.
إن المواطنين في العراق يتطلعون إلى أن تسهم هذه الزيارة في معالجة الملف الأمني، ووقف الاعتداءات التركية العسكرية على أراضينا، وتصفية قواعدها وسحب قواتها من أراضي وطننا.
ومن الملح جدا التوصل إلى تفاهم واتفاق بشأن حصة العراق في مياه نهري دجلة والفرات، وأن يكون ذلك أمراً ثابتاً مستقراً، بعيداً عن "المكرمات"، وعن المتغيرات السياسية فهذا حق ثابت للعراق وشعبه يتوجب احترامه.
ويبقى مهماً كذلك أن تكف تركيا عن أي تدخل في الشأن الداخلي العراقي، واحترام إرادة العراقيين وخياراتهم، وقدرتهم على حل الإشكالات والصعوبات بعيداً عن الاملاءات والضغوط على اختلاف اشكالها، فيما على تركيا أيضا احترام البناء الفيدرالي للدولة العراقية والتعددية والتنوع فيها.
ومن جانب آخر على الجانب العراقي مراعاة رغبة وتطلع العراقيين وعدم الاكتفاء بالوعود التي سبق وان قدمت كثيراً، والسعي إلى ربط أية اتفاقات اقتصادية وتنموية مع تحقيق تقدم في الملفات العالقة المؤشرة.
ونرى هناك أهمية لمثل هذه الزيارات وانفتاح العراق على محيطه العربي والإسلامي وكذلك دول العالم، وإقامة علاقاته الخارجية انطلاقا من المصالح العليا للعراق وشعبه، واعتماد سياسة خارجية مبنية على التوازن والتكافؤ بعيدا عن المحاور ومستندة إلى مبادئ وقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، سياسة فاعلة تؤكد وحدة وسلامة الأراضي العراقية، وحرمة أجوائه ومياهه وثرواته، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية واحترام قراره الوطني المستقل.
إن إقامة العلاقات على الأسس أعلاه سيكون لصالح الشعبين الجارين العراقي والتركي، وعاملاً مهماً لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
طاب مساؤكم واهلا وسهلا بكم في هذا المهرجان المقام في سياق فعاليات ونشاطات متعددة ستتواصل على مدار العام الحالي، يقيمها الحزب ومنظماته ، في داخل الوطن وخارجه ، لاحياء الذكرى التسعين لولادة حزب العمل والامل ، حزب الثقافة والتنوير والتحديث والتغيير .
تسعون عاما من عمر شجرة الحياة الوارفة دائمة الخضرة ، التي غرسها الرواد والبناة الاوائل وامتدت جذورها عميقا في ارض الوطن ، واثمرت عطاء متجددا للوطن والشعب .
منذ التاسيس رفع الحزب راية الوطن الحر والشعب السعيد ، التي ظلت خفاقة تتناقلها ايادي المناضلات والمناضلين ، قاطعين العهد على انفسهم ووفاء لمآثر وتضحيات مؤسسي الحزب، انها ستظل ترفرف رغم المحن والخطوب .
وعلى ايقاعات أصوات التحدي والإصرار ، سارت جموع المناضلين ولما تزل ، ولهذا عجزت وستعجز كل قوى الظلام والتخلف ، وكل حملاتهم القمعية والهمجية عن ان توقف نمو شجرة العراق الباسقة ، فالحزب والعراق صُنوان .
اننا اليوم ، رغم كل الصعوبات والمنغصات والعراقيل ، واستنادا الى ارثنا النضالي المتجدد، وراهنية وأصالة مسيرتنا ، وعزيمة وإصرار الشيوعيات والشيوعيين ، نغذّ السير الى امام ، ونتطلع الى المستقبل بقين راسخ ، وثقة بالنفس وبجماهير الشعب، ونمد الايادي الى الوطنيين والديمقراطيين وكل المتطلعين الى عراق آخر ، لبناء الاصطفاف السياسي والاجتماعي الواسع الهادف الى تغيير موازين القوى وفرض إرادة الشعب وتطلعات غالبية الجماهير الساحقة للخلاص من منظومة المحاصصة ونهجها الفاشل ، ومن مافيات الفساد والسلاح ، وتدشين بناء دولة المواطنة والقانون والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية .
وفي هذا السياق ندعو من جديد القوى المدنية والديمقراطية وعموم القوى المتطلعة والعاملة من اجل التغيير ، ندعوهم الى المزيد من العمل والارتقاء بالتعاون والتنسيق ، والانفتاح على جماهير واسعة رافضة لهيمنة قوى المحاصصة والفساد والسلاح المنفلت ، ومتطلعة الى العراق الديمقراطي الاتحادي المزدهر ، وتحقيق الأمان والاستقرار والعيش الكريم .
وفي غمرة فعاليات الذكرى التسعين لا بد من توجيه الشكر والتقدير الى :
*رفيقات ورفاق الحزب وهم يعضون على الجمر كي تظل الراية خفاقة ، تشيع الامل بمستقبل وضاء قادم لا محالة ، لعموم الشعب ، لعماله وفلاحيه وكادحيه ، وشبابه وطلابه، لنسائه ومثقفيه ، واطيافه المتعددة والمتآخية .
*والى جماهير شعبنا وأصدقاء الحزب لدعمهم واسنادهم الذين لا حدود له ، وبمختلف الاشكال .
*والى الجهات الرسمية والسياسية ومختلف الفعاليات والمنظمات والشخصيات التي حضرت وشاركتنا فعالياتنا ، وتلك التي أرسلت التحايا والتهاني في ذكرى التاسيس المجيدة .
الحضور الكريم
خالص الشكر والامتنان لكم على هذا الحضور الطيب ، والى كل المساهمين في احياء فعاليات الذكرى التسعين ، ومن يسهمون اليوم معنا في إقامة هذا المهرجان الكبير .
والشكر موصول لبلدية الكرادة على توفيرها هذا المكان الجميل ، وكذلك للأجهزة والقوات الأمنية التي توفر الحماية للمهرجان .
امنيات طيبة لكم جميعا ، واوقات هانئة .
ولنعمل معا من اجل عراق يسوده السلام والحرية ويتمتع شعبه بحياة كريمة وعيش رغيد.
شكرا لكم
والسلام عليكم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كلمة الحزب الشيوعي العراقي التي القتها الرفيقة عضو اللجنة المركزية للحزب، بشرى ابو العيس في مهرجان العيد الـ90 .
تحل اليوم، التاسع من نيسان، الذكرى الحادية والعشرون لانهيار أعتى دكتاتورية عرفها العراق والمنطقة خلال عقود. ويظل هذا اليوم محاطا باللبس والنظرة إليه موضع جدل، لأن التغيير جاء عبر الحرب والاحتلال. وقد انعكست هذه الطبيعة المزدوجة لما حصل في الموقف الشعبي، إذ لم يستقبل شعبنا القوات الغازية التي اجتاحت بلادنا بالورود، فيما عبرت عن فرحتها الغامرة بزوال الحكم الاستبدادي.
إن شعبنا يستذكر هذا اليوم الفارق في تاريخ الدولة العراقية الحديثة وفي النظام السياسي للبلاد، بمشاعر تطغي عليها خيبة الأمل، كما تسلل الإحباط في نفوس الكثيرين، فلم يأت سقوط النظام الدكتاتوري بالبديل الوطني الديمقراطي الحقيقي الذي كان يعول عليه لتحقيق أمل شعبنا وما يتطلع إليه.
فحصيلة العملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية والأثنية التي انطلقت بعد التغيير في ظل الاحتلال، والتي هدفها انجاز عملية الانتقال من دولة يحكمها نظام دكتاتوري شمولي إلى دولة دستورية ديمقراطية اتحادية، قيام نظام سياسي يعاني من أزمة بنيوية تتجلى في الطبيعة الزبائنية المتضخمة للدولة بفعل التعامل معها كغنيمة تتقاسمها قوى المحاصصة واستشراء الفساد في مفاصلها والفشل في تقديم الخدمات الأساسية وحماية استقلالية القرار الوطني وسيادة العراق من التدخلات الخارجية، والابتعاد عن مبدأ المواطنة والهوية العراقية، إلى جانب تكريس الطابع الريعي الاستهلاكي للاقتصاد العراقي وتعميق التفاوت في الدخل والثروة في المجتمع وظهور القلة من أصحاب الثروات الطائلة بجوار الفقر الذي اتسع ليشمل ما بين ربع وثلث سكان العراق.
فهل كان هذا المسار لتطور الأوضاع خلال العقدين الأخيرين محتمًا نتيجة طريقة التغيير وآثار وتداعيات الاحتلال، أم أنه جاء كنتيجة لخيارات ومواقف ونهج قوى الطائفية السياسية التي تصدرت قيادة العملية السياسية؟
وفي سياق التعامل مع هذه التساؤلات واستخلاص الاستنتاجات لتحديد مسارات المستقبل لانتشال العراق من أزماته ووضعه على سكة الحلول الجذرية المفضية إلى بناء دولة مواطنة، مدنية ديمقراطية تحقق العدالة الاجتماعية، نذكر بمواقف حزبنا وتحذيراته من التعويل على التدخل الخارجي والحرب في عملية التغيير، ومواقفه اللاحقة بعد التغيير.
إن حزبنا كان يعي جيدا مخاطر التعويل على الحرب والعامل الخارجي في التغيير، فقد رفض الحرب وساهم في حركات الاحتجاج العالمية ضد الحرب تحت شعار الحركة العالمية ضد الحرب» لا للحرب.. لا للدكتاتورية».
وحذر بوضوح قبل الحرب كما جاء في التقرير الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية في شباط 2002، بأن للحرب تداعيات ونتائج وخيمة على أوضاع البلد وحياة الشعب، ولا تأتي بالديمقراطية الحقيقية، ودعونا إلى وحدة عمل القوى المعارضة للدكتاتورية والتأكيد على العامل الداخلي مع حشد الدعم والتضامن العالميين لنضالنا. ونرى في التطورات الني شهدها بلدنا خلال العقدين الأخيرين ما يؤكد إلى حد كبير صحة هذه التقديرات والمواقف.
لقد وضعت الحرب ونتائجها، والحقائق الجديدة بعد ٩ نيسان ٢٠٠٣، شعبنا وقواه وأحزابه الوطنية ومنها حزبنا الشيوعي العراقي أمام مهام يتلازم فيها الوطني مع الديمقراطي، والسياسي مع الاجتماعي، أي إنهاء الاحتلال واستعادة السيادة، وإعادة بناء الدولة العراقية على أسس دستورية ديمقراطية اتحادية، وتحقيق تنمية اقتصادية – اجتماعية، وضمان تحقيق الحياة الحرة الكريمة الآمنة للمواطنين العراقيين.
فبعد سقوط النظام الدكتاتوري وانهيار مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية وظهور فراغ سياسي، بادر حزبنا إلى دعوة أحزاب وقوى المعارضة إلى اللقاء وعقد مؤتمر وطني تنبثق عنه حكومة مؤقتة لإدارة أوضاع البلاد التي تعيش حالة فوضى عارمة، ولكن الحسابات الضيقة للقوى الأساسية حالت دون ذلك ما يَسّر على الولايات المتحدة وحلفائها إعلان حالة الاحتلال. وكان غياب المشروع الوطني لدى معظم قوى المعارضة وتبنيها للطائفية السياسية عاملا مهما في إطلاق المحتل، بالتوافق مع قوى سياسية عراقية، عملية سياسية تقوم على التقاسم المحاصصي الطائفي والإثني للدولة، عملنا على خوض الصراع من أجل إنهاء الاحتلال، وحول المستقبل وشكل الدولة والنظام السياسي- الاقتصادي والاجتماعي، من داخلها، ومن خلال الضغط الشعبي.
ومع إصرار قوى الطائفية السياسية على نهج المحاصصة الطائفية – الأثنية في الإدارة، وفي بناء مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية وتشبثها بامتيازات ومنافع السلطة والاستحواذ على مواردها، وتفشي الفساد في الدولة والمجتمع، الذي صار منظومة متكاملة، متعشقة مع المتنفذين في مؤسسات الدولة وأصحاب القرار، توالت أزمات البلاد وتعمقت وبات واضحا بأن منظومة الحكم عصية على الإصلاح بسبب المصالح الفئوية الضيقة للقوى المتحكمة بالعملية السياسية، أصبح التغيير نحو دولة المواطنة الديمقراطية ضروريا لإخراج البلاد من أزماتها ووضعها على طريق الأمن والسلام والاستقرار والتنمية المستدامة.
إن أوضاع بلدنا ما تزال تعاني من الأسباب التي أدت إلى اندلاع انتفاضة تشرين الباسلة، من فقر وسوء خدمات وفساد يضاف إليها انخفاض في القدرة الشرائية لشرائح متزايدة من المجتمع وتضييق على حرية التعبير والحريات العامة ما يتطلب المزيد من التنسيق والتعاون بين قوى التغيير، والتوجه الجاد نحو توسيع قاعدة القوى المعارضة لنهج المحاصصة ومنظومته السياسية وتنظيم صفوفها بما يتيح تعديل موازين القوى لصالح عملية التغيير والتداول السلمي للسلطة، والسير على طريق الإعمار والبناء وإقامة دول المواطنة والقانون، الدولة المدنية والديمقراطية كاملة السيادة، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
في مناسبة الذكرى الـ ٤٨ ليوم الأرض الفلسطيني، نظم حشد من المواطنين، بينهم عدد كبير من الشيوعيين وقياداتهم، تظاهرة في ساحة التحرير وسط بغداد مساء أمس، نصرةً للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ضد الاحتلال الصهيوني.
وفي هذه المناسبة أصدر المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، بيانا أعرب فيه عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني، مؤكدا أن الثلاثين من آذار يمثل «يوم غضبٍ ومواجهة شعبية مع الاحتلال الصهيوني، وتصديا شجاعا لقراراته العنصرية في مصادرة الأرض وتهويدها».
وقال البيان، ان «يوم الأرض الفلسطيني غدا ومنذ سنة ١٩٧٦، رمزا للصمود والتحدي والتشبث بالأرض، وعنوانا لانتزاع حقوق الشعب الفلسطيني العادلة»، مشيرا الى ان «ذكرى يوم الأرض هذا العام تأتي فيما يتواصل العدوان الصهيوني الهمجي منذ ١٧٥ يوما على قطاع غزة الصامد، وسائر بنات وأبناء الشعب الفلسطيني».
وأضاف، ان «آلة التدمير لدولة الاحتلال ما انفكت تواصل حرب الإبادة الشاملة، والتي راح ضحيتها حتى الآن ما يقرب من ١٣٣ ألف فلسطيني، والتدمير الكامل للبنى التحتية بما فيها الصحية. ويتعرض الفلسطينيون إلى حصار ظالم وتجويع، وتنهج حكومة نتنياهو الفاشية سياسة التهجير القسري وإفراغ الأراضي الفلسطينية من سكانها الأصليين».
وجدد المكتب السياسي للحزب في هذه المناسبة موقفه الثابت والداعم والمنحاز إلى الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية والديمقراطية، مشددا على انه «آن الأوان لوقف الظلم وانهاء الاحتلال الإسرائيلي والانتصار للعدل والقيم الإنسانية والاستجابة العاجلة لحقوق شعب فلسطين في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته الوطنية المستقلة على أرضه وعاصمتها القدس».
وفيما دان البيان «بشدة جرائم الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، وحربه المتواصلة منذ ٧ تشرين الأول (أكتوبر) ضد قطاع غزة المحاصر وسائر مدن الضفة الغربية»، طالب بـ»وقف هذه الحرب الهمجية وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وكبح جماع قطعان المستوطنين وجيش الاحتلال في استهدافهم المواطنين الفلسطينيين وتعريض حياتهم للخطر ومصادرة بيوتهم وأراضيهم وتوسيع الاستيطان الإسرائيلي على حساب الأراضي الفلسطينية وحقوق أبنائها».
وطالب البيان أيضا بوقف دعم ماكنة القتل الصهيوني من أمريكا وغيرها من الدول المنحازة للعدوان.
وشدد المكتب السياسي للحزب في بيانه على أن «جماهير الشعب الفلسطيني، الصامدة والمقاومة، بأمس الحاجة اليوم إلى الدعم والتضامن من جانب أبناء شعبنا العراقي، كما من سائر شعوب العالم وقواها الحرة، ومن مناصري العدالة وحقوق الإنسان»، داعيا «الجهات الرسمية في البلدان العربية والإسلامية، وفي العالم، الى اتخاذ إجراءات عملية ضد دولة العدوان وإرغامها على إيقافه فورا وإنقاذ الشعب الفلسطيني من طاحونة الموت».
ونوّه البيان بضرورة «رفع أصواتنا المطالبة بوقف حرب الإبادة والتهجير القسري ومصادرة الأرض»، فيما دعا «جماهير شعبنا العراقي وقواه الوطنية والديمقراطية إلى التضامن مع الشعب الفلسطيني عبر مختلف الوسائل في سائر محافظات الوطن».
وخلص البيان الى توجيه خطاب الحزب الشيوعي العراقي للشعب الفلسطيني بالقول: «نحن معكم، ونخاطب العالم ونقول لهم أوقفوا المجزرة الصهيونية».
نحتفل اليوم، نحن الشيوعيين، ومعنا كل العراقيين الطيبين، بعيد ميلاد حزبنا. فقبل 90 عاماً وفي الحادي والثلاثين من آذار، تجمعت الحلقات الماركسية الأولى لتؤسس حزب الطبقة العاملة والفلاحين وكل شغيلة اليد والفكر في بلادنا، فحلّ ربيع الحركة الوطنية زاهياً وعصّياً على الذبول، وبزغ فجر ليبدد عتمة الجهل والتخلف، وارتفعت راية الكفاح الوطني والطبقي لتمنح مقاومة الشعب ضد المستعمرين والمستغلين والمستبدين، ما كان يعوزها من جذوة الفعل التي لا تخبو والروح الثورية التي لا تموت.
وعلى مدى تسعة عقود، سرت قيم الحزب بين فقراء العراق المتعبين، كالنور والهواء. وبقي الحزب وفياً للأفكار التي ولد من اجلها، حرية الوطن وسعادة الشعب، فقاوم كل المعاهدات التي أراد الإمبرياليون تكبيل العراق بها، من معاهدتي ١٩٣٠ وبورتسموث، وحلف بغداد وكل العقود والإتفاقيات اللصوصية التي نهبت بها الشركات الإحتكارية ثروات بلادنا. وألهمت شعاراته وتضحياته العراقيين وعبأتهم في نضال متواصل لنيل الإستقلال وحمايته، والذود عن سيادة وكرامة البلاد، في الوقت ذاته الذي قاد فيه الحزب مئات المعارك الطبقية ضد الجور والظلم الاقطاعيين في الريف، ومن أجل حقوق الفلاحين في الأرض والعيش الكريم، ونظّم عشرات الإضرابات والإعتصامات العمالية ضد الإستغلال، ودفاعاً عن حقوق الشغيلة وفي مقدمتها التوزيع العادل للثروة.
كذلك نشطت منظمات الحزب في صفوف الطلبة والشبيبة من أجل ضمان تعليمهم المجاني، وتطوير المؤسسات والمراكز التعليمية والتربوية التي تنمي قدراتهم ومواهبهم وتوظف طاقاتهم لخدمة البلد، ومعالجة مشاكل البطالة والفقر وتحسين مستوى معيشة العاطلين والفقراء. وساعدتهم على تنظيم صفوفهم في اتحادات مهنية تدافع عن حقوقهم، وتنمي الوعي الوطني والديمقراطي فيهم.
وأولى الحزب قضية المرأة إهتماماً خاصاً، فناضل من أجل تحقيق مساواتها مع الرجل وتمكينها من القيام بدورها في ميادين السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، وفي مراكز صنع القرار، ومعالجة آثار التخلف الاجتماعي والعنف المسلط عليها، وإلغاء أية تشريعات تنتهك حقوقها وكرامتها. كما ساعد النسوة على تنظيم صفوفهن في رابطة للدفاع عن حقوقهن، وفي العديد من المحافل والمؤسسات الاجتماعية والثقافية.
واقامت منظمات الحزب اقوى الصلات مع مبدعي شعبنا، حتى بات نادراً أن لا تكون لأحد منهم صلة ما بالحزب، وذلك على ضوء ما وفره مشروعه النهضوي التنويري من أدوات للدفاع عن حرية الفكر والتعبير والابداع، ومن تعزيز لدور المثقفين وإطلاق قدراتهم الإبداعية، ومن قدرة على التصدي لمساعي تخريب الثقافة الوطنية وحماية التعددية فيها. وكان للحزب دور مهم في تبني مصالح بقية فئات الشعب، والمساهمة في بناء منظماتها النقابية والمهنية، وفي دعم وتوجيه نضالاتها المطلبية العادلة.
ولهذا سجل تاريخ العراق المعاصر أروع صور التمازج بين حزبنا وجماهير غفيرة من الشعب، شكلت له دوماً سياجاً واقياً ورفدته بدماء زكية ومناضلين أشداء، وفاءً لتضحياته ودفاعه عن قضاياها ومصالحها.
واليوم ونحن نحتفل بالعيد التسعين، يواصل الحزب ومنظماته ورفيقاته ورفاقه المسار العذب ذاته رغم صعوباته، وصولا الى التغيير الشامل. فبعد أن بات جلياً فشل المتنفذين في حل الأزمة البنيوية التي تعيشها البلاد، جراء هيمنة منظومة المحاصصة والفساد، واعتماد نهج الليبرالية الجديدة في الاقتصاد وما يسبب من فقر وبطالة وتداعيات سلبية وخيمة على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والحياتية والخدمية للمواطنين، وتفاقم التفاوت الطبقي والاجتماعي، تبنى الحزب في مؤتمره الوطني الحادي عشر مشروع التغيير الشامل، سبيلاً للخلاص من منظومة الأقلية الحاكمة وسياساتها ونهجها الفاشلين وشخوصها، ومن التدخلات الخارجية في شؤون بلادنا.
وإذ تنهمك منظماته اليوم في تنفيذ هذه السياسة، يدعو الحزب الى إقامة تحالف واسع، سياسي وشعبي، من التيار الديمقراطي والقوى المدنية الديمقراطية ومن الوطنيين ومختلف الفاعليات السياسية والاجتماعية، لفرض إرادة الشعب في التغيير، والسير على طريق بناء الدولة المدنية والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية، دولة المواطنة والمؤسسات.
ويرى الحزب أن لا تنميةَ حقيقية ولا استقرارَ او أمانَ للمواطنين، من دون استعادة هيبة الدولة وقدرة مؤسساتها على انفاذ القانون على الجميع، ومن دون حصر السلاح بيد الدولة ومؤسساتها الدستورية، واتخاذ إجراءات فعلية للحد من الفساد المستشري، والعملَ الجاد على مكافحة البيروقراطية والخلاص من الفساد والفاسدين والفاشلين، واسنادِ الوظيفة العامة الى ذوي القدرة والكفاءة والنزاهة، بعيدا عن التخادم المحاصصاتي والتوظيف الزبائني.
في العيد التسعين نقف إجلالا لذكرى شهدائنا، أولئك الذين قهروا بصدقهم الموت فصاروا رموزاً مقيمة في الأرض أبدا.
وفي العيد التسعين نحيي ذكرى رفيقاتنا ورفاقنا الذين زج بهم الطغاة في الزنازين وعرضوهم لأبشع أنواع التعذيب والملاحقة والفصل واسقاط الجنسية والابعاد خارج الوطن، دون أن ينتزعوا من قلوبهم الوفاء للحزب وللشعب.
وفي العيد التسعين نحيّي الأنصار البواسل الذين دافعوا عن راية الحزب ورفعوها خفاقة، ونحيي جميع أبطال العمل الحزبي، السري منه والعلني، داخل الوطن وفي المنافي، ونقول لهم: لم ولن تذهب تضحياتكم سدى، بل أثمرت بقاء الحزب حقيقة من حقائق العراق، ونبعاً دافقا يروي ظمأ الشعب التوّاق للحرية والعدالة الاجتماعية والأمان والسلام.
في العيد التسعين نحيّي آخر صبيّة وفتىً انضما لصفوف الحزب، ونهنئهما على صواب الاختيار، حيث يمتزج مذاق الوطن بشيم الصدق والتضحية والإيثار.