اخر الاخبار

اعلن الجنرالان المتنازعان على حكم السودان عزمهما، كل بطريقته، على تشكيل حكومة في المناطق التي يزعم انه يسيطر عليها .

ففي الوقت الذي تقدمت فيه مجموعة محسوبة على الجيش السوداني، بما اطلقت عليه “ميثاق اسمرا”، اعلنت جهات محسوبة على قيادة الدعم السريع عن رغبتها في تشكيل حكومة مقرها الخرطوم.

المجموعة التي اجتمعت في اسمرا وخرجت باقتراح تشكيل حكومة تنهي الحرب وتكمل فترة الانتقال، ظلت مساندة لقيادة الجيش منذ انقلابها في ٢٥ تشرين ٢٠٢١. وقد طلبت في مقترحها ألا تخضع الحكومة الجديدة للمحاصصات الحزبية، وان تشمل الحركات الموقعة على ما يسمى “اتفاق جوبا” سنة ٢٠٢٠ دون الاشارة لقوات الدعم السريع.

وحتى الآن لم تعلن اية جهة فراغ البلاد من السلطة، ولكنها سلطة عاجزة وتدير عملها المنحصر في دعم الحرب فقط من مدينة بورتسودان الساحلية. والحكومة المزمع تكوينها لن تكون افضل حالا منها، كما لن يتجاوز سلطانها سواحل البحر الاحمر.

فالقوى المقترحة لتشكيل الحكومة لا تمثل تهديدا فعليا لسلطة الجيش، ووجودها خارج الحكومة كوجودها داخلها لا يقدم ولا يوخر، كما هو حال قوات الدعم التي تقطع طريق الصادرات وتمنع التواصل بين مدن السودان وتهدد عمق البلاد وما يعرف بمثلث الثروات فيها. 

ومن الغريب ان يتم ذكر القوى الموقعة على اتفاق جوبا دون الاشارة الى الجهة التي وقعت الاتفاق من الجانب الحكومي  مع تلك الحركات،  وهو قائد قوات الدعم السريع حينما كان نائبا لرئيس مجلس السيادة . فالخطوة تاتي في اطار تحركات الجيش  لخلق واقع سياسي يفضي الى منبر آخر يمكن دمجه مستقبلا ضمن منبر جدة، وبما يضمن للجيش حضورا سياسيا في المشهد المستقبلي، وهذا ما يرفضه الوسطاء والجهات الداعمة لهم .

ويجيء رد فعل الدعم السريع بتكوين حكومة مقرها الخرطوم كخطوة قد تجد مساندة اقليمية ودولية علي سبيل الضغط على الجيش، ورسالة مبطنة له بانه لن يستطيع ان يعود بالاوضاع السياسية الى ما كانت عليه قبل اعلان الحرب، لانه لم يعد الجهة الوحيدة التي تحتكر القوة وتستطيع من خلال هذه الوضعية اعادة رسم الخارطة السياسية في كل منعطف تاريخي تحدث فيه ثورة شعبية، يستغل الضباط الثغرات التي تظهر فيها ويوظفوها لاعادة سيطرتهم على السلطة من جديد.  

الدعم السريع والجهات التي تقف خلفه محليا واقليميا وعالميا  تقول للجيش انه لم يعد عمليا المتحكم في كامل الوضع كما كان، وان تلك القوى لن تستلم اية رسائل يبعث بها مثل اقتراح تشكيل حكومة، تقدمه حركات وقوى سياسية محسوبة عليه وبعضها ترعرعت في كنفه . لذلك لم يُحدث اقتراح حلفاء الجيش ردة الفعل السياسية التي كان يتوقعها أصحابه، كما انه لن يضع اسمرا في مواجهة جدة. وهي على كل حال مواجهة ما كانت ستكون في صالح العاصمة الافريقية  التي تحتاج المعونات وعلاقات حسن الجوار اكثر من حاجتها لان تلعب دورا سياسيا، وهي فيها مشاكل وتعقيدات لن تجد طريقها للحل بغير تعاون دولي واقليمي، تعاون لا يمكن ان تستبعد منه امريكا والسعودية ويكتب له النجاح .

وبصرف النظر عن مدى جدية خطوات اعلان حكومتين  في السودان، فان مجرد الحديث عنها اثار مخاوف العديد من الجهات السياسية.  وقد حذرت قوى الحرية والتغيير - المجلس المركزي من خطورتها  على مستقبل السودان ووحدته، واحتمال ان تؤدي الى تحوّل الحرب الحالية الي حرب أهلية، قد تتسع رقعتها اكثر لتشمل اقاليم اخرى ظلت حتى اللحظة في مأمن منها، مما جعلها قبلة للنازحين والهاربين من جحيم الاقتتال في الخرطوم.

وما يزيد هذه المخاوف استهداف قوات الدعم السريع قرى جنوبي الخرطوم، وعدم تحرك الجيش لمواجهتها او منع تقدمها نحو قلب الجزيرة الذي انسحب اليه معظم النشاط التجاري واستقرت فيه الشركات ومخازن السلع والأدوية. وقد تزامن اعلان هذه الخطوات التصعيدية من قبل القوتين المتصارعتين مع بروز انتقادات ظل يتعرض لها الجيش من قبل جهات مناصرة له، لانه في نظرها اكتفى بحراسة معسكراته ولم يهب لنجدة المواطنين  الذين تعرضوا لانتهاكات جسيمة من قبل قوات الدعم السريع .

وتتهم تلك الجهات وجلها من التيار الاسلامي او المتعاطفين معه الجيش بانه لا يريد حسم المعركة عسكريا مع ان ذلك في مقدوره. ويرى هذا التيار ان قيادة الجيش عينها على التسوية وانهاء الحرب عبر التفاوض، وهو اتجاه ترفضه هذه المجموعات ويبدو ان رفضها هذا يجد صدى له داخل الجيش ووسط الضباط من الرتب الصغيرة والمتوسطة. لكن الراجح ان قيادة الجيش تريد المحافظة عليه، وهي تعلم ان حسم المعركة عسكريا حتى وان انتصر فيها الجيش، الا انه سيخرج منها مضعضعا وبطريقة لن تمكنه من اعادة رسم الخارطة السياسية بحيث يكون هو المسيطر على المدنيين. 

 وكل ذلك يجعلنا نقول ان الجيش يفكر في السياسة كجيش حتى وان غلب لون سياسي معين على قيادته.

عرض مقالات: