اخر الاخبار

في منتصف اذار الفائت، وفي مدينة فرساي الفرنسية، اعتمد رؤساء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وثيقة أساسية جديدة: ما يسمى بالبوصلة الاستراتيجية. تحدد الوثيقة اتجاهات السياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي. استنادا إلى تحليل أجري لأول مرة للتصدي للتهديدات المتصورة. وتم تقديم مجموعة كاملة من الإجراءات لتوسيع القدرات العسكرية. وفي حين أن الهدف كان بناء اتحاد عسكري قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، فإن الحرب كانت مناسبة لتسريع الجهود لتحقيقه. ويتم استخدام هلع السكان، جراء الحرب الجارية، لتنحية المخاوف المرتبطة بالمشروع جانبا.

تحدد الوثيقة امكانية تحقيق “مصالح” الاتحاد الأوروبي بشكل استراتيجي ومستقل. لقد تم توضيح هذه المصالح في الاستراتيجية العالمية 2016: يجب أن يكون الاتحاد الأوروبي قادرًا على تأمين طرق تجارته وطرقه البحرية المهمة في جميع أنحاء العالم، عسكريا إذا لزم الأمر. تتضمن البوصلة الاستراتيجية الهدف المرجو والأدوات التي تم عمليا توفيرها، وتلك “مطلوبة” بشكل إضافي في إطار استراتيجية شاملة. إن رسالة الاتحاد الأوروبي واضحة باعتباره سلطة مستقلة، فالاتحاد مجهز جيدًا للنزاعات المستقبلية حول مناطق النفوذ. ويتم تجاهل سياسة الحد من التسلح واعتماد الدبلوماسية بشكل كامل تقريبًا. ولطالما تفاخرت الاتحاد الأوربي في السابق بكونه سلطة دبلوماسية.

لا تؤدي عسكرة الاتحاد الأوروبي إلى زيادة احتمال أن تصبح الاشتباكات العسكرية والحروب جزءًا طبيعيًا من السياسة السائدة فقط، بل تؤدي إلى انعدام الشفافية وضعف الرقابة الديمقراطية. وتم تصنيف تحليل التهديد الذي تم إعداده في البداية على أنه سري للغاية بحيث لم يُسمح لنواب البرلمان الأوربي الاطلاع عليه. تتحدث البوصلة الاستراتيجية الآن عن “العديد من التهديدات” التي تواجه الاتحاد الأوروبي: “الإرهاب والتطرف العنيف والجريمة المنظمة وصولا إلى الصراعات الهجينة وانتشار الأسلحة وحتى الهجرة” غير النظامية”.

رئيسة المفوضية الأوربية أورسولا فون دير لاين، حددت في عام 2019 السبب الرئيسي لضرورة وجود اتحاد عسكري: التنافس المتزايد و “عودة” المنافسة بين القوى الكبرى، حيث لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يظل محايدا، لأنه في النهاية جزء من هذا الصراع التنافسي. هذا التصريح صادق. في الصراع على السلطة، لا يعتبر الاتحاد الأوروبي كيانا محايدًا يناضل من أجل قيم تبدو ظاهرة، ولكنه جزء من صراع القوى التنافسي المتصاعد على الأسواق والموارد ومناطق النفوذ. وفي هذا الصراع على السلطة، يريد الاتحاد الأوروبي أن يكون قادرا على القيام بعمل عسكري، عندما لا يعد التدخل الاقتصادي كافياً. وانعكاسا لصورة روسيا العسكرية، التي أعلنت في بداية الحرب العدوانية الحالية أنها تريد ان تتطور صناعيا في المستقبل، يعلن الاتحاد الأوروبي، باعتباره قوة اقتصادية أنه سيعزز سياسته العسكرية بشكل أكبر.

تقدم البوصلة الاستراتيجية قرابة 60 اقتراحًا، معظمها مصحوبة بجداول زمنية محددة. لقد حظيت خطة تشكيل قوة الرد السريع المؤلفة من 5 ألاف جندي بأكبر قدر من الاهتمام. ومن المخطط أيضًا السعي لإلغاء مبدأ الإجماع للقيام بعمليات عسكرية، والتوسع في المزيد من مشاريع التسلح فوق القومية للمشاريع الحربية عالية التقنية والإعفاء من ضريبة القيمة المضافة للمشتريات المشتركة لمنتجات السلاح.

في اجتماع القمة الاخير، أراد قادة دول الاتحاد الأوربي طمأنة بعضهم البعض بأن الجميع متحدون وراء هذه الاستراتيجية الأمنية العسكرية الجديدة. ومع اندلاع حرب أوكرانيا، أثير النقاش حول الدور الذي يجب أن يلعبه الناتو في هذه التشكيلة.  وبينما تدفع فرنسا باتجاه توسيع قدراتها العسكرية وتحديد المصالح الاستراتيجية بشكل مستقل عن الناتو، أي عن الولايات المتحدة الأمريكية، تصر دول أوروبا الشرقية على وجه الخصوص على توثيق العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية.

كل هذه الإجراءات لا تخدم السلام ولا أية قيمة تستحق الاشادة. إنهم يشككون في الديمقراطية الليبرالية ككل. لأن العسكرة تسير دائمًا جنبا إلى جنب مع تفكيك الديمقراطية الليبرالية. في الواقع ان ما يحدث في الاتحاد الأوروبي يعمق الافتقار إلى الشفافية.

ان احتمال نشوب حرب على خلفية ما يعلن وحرب العدوان المستمرة والحروب الاقتصادية التي بدأت يجب أن تكون إشارة تحذير لقوى اليسار. لأن الحروب والصراعات على السلطة تدور في كل مكان على حساب الفقراء والعمال. ولكي لا يضطروا لدفع ثمنها بحياتهم وأطرافهم أو ممتلكاتهم، هناك حاجة إلى حركة سلام قوية. وعلى اليساريين أيضًا أن يختاروا موقفهم في هذا النضال: إلى جانب العسكرة ومن أجل مصالح رأس المال أو إلى جانب العمال والفقراء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 عن مقالة وحوار موسع نشرا في جريدة “نويزدويجلاند” الألمانية، مع أوزليم ديميريل، عضوة البرلمان الأوروبي عن حزب اليسار الألماني، ونائبة رئيس لجنة الأمن والدفاع فيه.

عرض مقالات: