اخر الاخبار

جولة انتخابات الرئاسة الثانية التي ستجري في كولومبيا في 19 حزيران، ستشهد معركة انتخابية غير مسبوقة في تاريخ البلاد بين مرشح اليسار كوستافو بيترو، الذي حسم الجولة الأولى لصالحه، ومرشح اليمين، رجل الأعمال رودولفو هيرنانديز، والذي ستدعمه قوى اليمين التقليدي والليبرالي والمتطرف، لقطع الطريق على وصول اول شخصية يسارية الى رئاسة البلاد في تاريخ البلاد الحديث.

أحدث استطلاعات الراي التي جرت في البلاد بعد انتهاء جولة الانتخابات الأولى، وفي ضوء اعلان المواقف الاصطفافات الجديدة المعلن منها والمخفي تشير الى تقدم مرشح اليمين، والذي يعرف بـ „ترامب كولومبيا” والبالغ من العمر 77 عاما، والذي سيحصل على 41 مقابل 39 في المائة لصالح مرشح اليسار. وفي استطلاع آخر سيحصل مرشح اليمين على 52,5، مقابل 44,8 في المائة لصالح كوستافو بيترو.

لقد ميز هيرنانديز نفسه بأسلوب يميني شعبوي، عن مؤسسات اليمين الحاكمة، وكان شعار حملته المركزي محاربة الفساد، وغضبه على „المحتالين” في الحكومات، الذين هم سبب كل مشاكل البلاء، مستخدما لغة يومية والفاظ بذيئة، يبدو أنه يخاطب جزءًا من السكان، الذي يرفض السياسيين التقليديين وتجربتهم الطويلة في الحكم، لكنه لا يثق في المشاريع اليسارية التي لم تدخل حيز الممارسة، وعلى الرغم من انه معروف بتصريحاته المعادية للمرأة والعنصرية، وإعجابه بأدولف هتلر أو عدم وجود برنامج انتخابي ملموس، يبدو ان كل ذلك  لم يمنعه من تحقيق  شعبيته.

ويصف النقاد مقترحاته بقليلة الفائدة، مثل، بيع سيارات أعضاء الكونجرس لأنها تكلف الدولة الكثير من المال، أو توفير فرصة لجميع الكولومبيين للوصول الى البحر، أو تبرع الرئيس براتبه. بالإضافة الى استنساخ بعض مطالب اليسار مثل رفض استخراج المواد الخام على حساب الوضع البيئي وامور أخرى. وأعلن كذلك انه في حال فوزه سيعلن حالة الطوارئ في البلاد، لمدة 90 يوما ليحكم البلاد بالمراسيم. وفي حين يعلن رفضه الرسمي للتحالف مع مؤسسات اليمين التقليدية، الا انه لا يرفض أي دعم منها.

وبشأن المحاكمة الجارية ضده بتهمة الفساد بصفته عمدة سابق لمدينة بوكارامانغا، قال هيرنانديز إنه لا يوجد دليل ضده. “كان الإجراء مبني على دوافع سياسية، واضطهاد يمارسه عدد قليل من الأوغاد”.

التحالف الأوسع

المتابعون للصراع الانتخابي الجاري يؤكدون ان مهمة المرشح اليسار أصبحت أكثر صعوبة، نتيجة لتوحد اليمين، ودعم رجال الاعمال والجيش والولايات المتحدة الأمريكية لمرشح اليمين.و بالمقابل هناك من يرى ان إمكانية انتصار اليسار قائمة ومن الضروري  كسب  الأوساط التي لم تشارك في التصويت في جولة الانتخابات الأولى داخل البلاد وخارجها.

في الأسابيع المتبقية، حتى جولة الانتخابات الثانية، يتعين على غوستافو بترو، ونائبته وماركيز تشكيل تحالف واسع ضد المرشح الملقب بـ “ترامب الكولومبي”. مع غييرمو ريفيرا، وزير الداخلية في حكومة الرئيس الأسبق المعتدل خوان مانويل سانتوس ، وغريسيلدا ريستريبو ، وزيرة العمل السابقة ، اللذان  انضما بالفعل مع شخصيات مهمة من التيار  الليبرالي إلى الحملة الانتخابية لتحالف اليسار.

أهمية انتصار اليسار في كولومبيا

 أهمية فوز غوستافو  بيترو، تكمن بكونها المرة الأولى في تاريخ كولومبيا التي يصل فيها يساريّ إلى منصب الرئاسة، ملتحقا بسلسة انتصارات  اليسار التي غيرت وجه أمريكا اللاتينية ، التي اعتبرت طويلا  الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأمريكية.

 إلا أن كولومبيا تتمتع بأهمية استثنائية، حيث ترتبط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وكانت تشكل قاعدة أمريكية متقدمة ضد فنزويلا ودول الجوار، وانتصار اليسار فيها، يعني الحاق هزيمة أخرى بالولايات المتحدة، في لحظة تاريخية يشهد العالم فيها صراعا شديدا لكسر أحادية الهيمنة الامريكية.

 وسيعني فوز اليسار أيضاً أن أكثرية الشعب الكولومبي اختارت التغيير والخروج من قبضة الهيمنة الامريكية، على أمل تحرير البلاد من الميليشيات اليمينة المسلحة ومافيات المخدرات التي تنتشر امام انظار الحكومات اليمنية لتواطئها أحيانا وعجزها أحيانا أخرى. ووفق التقارير الإعلامية فان كولومبيا هي أكبر مصدر للكوكايين في العالم من خلال عصابات الجريمة والمخدرات التي لديها جماعات مسلحة بالآلاف وتمارس عمليات قتل والتصفية فيما بينها. إضافة إلى مخلفات الصراع المسلح بين منظمات الكفاح المسلح اليسارية والقوات الكولومبية، الذي يمتد الى أكثر من 50 عاما، وخصوصا بعد انهيار اتفاقية السلام في 2016 وعودة حركة (فارك) الى الدفاع عن النفس والمكتسبات، نتيجة لانقلاب حكومة اليمين على تعهداتها. وقد أدى ذلك، وفق تقديرات الأمم المتحدة الى فرار أكثر من 13 ألف مدني من مناطق الاشتباكات.

يبدو ان كولومبيا تقف على مفترق طرق، اما ان يستمر الفساد والعنف والجوع، او التغيير على أساس قيم السلام والتقدم والديمقراطية والشفافية، التي اكد تحالف اليسار الالتزام بها والعمل على أساسها، بالإضافة الى التعهد بإصلاح نظام التقاعد، وتسهيل التحاق الطلبة بالجامعات مجانا، ومكافحة التفاوت الطبقي العميق.

عرض مقالات: