اخر الاخبار

يعد الجيش العراقي منذ تأسيسه عام 1921 واحدا من أكثر جيوش العالم ضبطا لصفوفه وأكثر انضباطا بين مراتبه مهما كانت الظروف التي تمر بها الوحدة العسكرية، في الانضباط العسكري.

يقول الفريق جعفر العسكري أول وزير للدفاع في مذكراته بأنه جلس على صفيحة دهن في مبنى وزارة الداخلية لغرض وضع النظام الداخلي لوزارة الدفاع، وكنا نرى ونحن نسكن بالقرب من معسكر الوشاش مدى الضبط العسكري خارج الوحدة عندما يمر الجندي أمام ضابط يؤدي له التحية بكل معانيها، وكنت أشاهد الملازم الأول رحيم وهو جار لنا يؤدي التحية للمقدم فاضل سلمان العساف رغم أن الجيرة تجمع بينهما، وهما من سكنة محلة الدوريين في الخمسينيات، وكان العسكريون توحدهم القيافة عند حدوث طارئ لأحدهم ويساعد بعضهم بعضا أيا كانت الظروف، وهذا يؤدي بدوره إلى تكريس وحدة المصير زمن الحروب. ومن قواعد الضبط العسكري أن الضابط الذي يسبقك يوما في القدم هو من يتلقى التحية منك وان يتقدم هو قبلك في المناسبات، وكان الضبط العسكري ينسحب على السلوك في الحياة العامة، فكان الضابط بمجرد أن يحمل الرتبة العسكرية يكون محط أنظار المجتمع من حيث الاحترام، وكان هو بدوره يحترم نفسه ويقدمها بأعلى اشكال الضبط والانقياد للأعراف الاجتماعية، فتراه بقيافة نظيفة أنيقة حليق الذقن منضبط في سيره لا يأتي بما لا يليق، ويحترم حتى مراتب الانضباط العسكري المنتشرة في الشوارع.

في العقيدة الوطنية.

كانت الكلية العسكرية تخرج المئات من الضباط سنويا وتزج بهم في صفوف الجيش، وكذا كلية القوة الجوية، وقبلها أكاديمية الأركان، وكانت هذه المؤسسات تلقن الضباط العلوم العسكرية ممزوجة بدروس الوطنية، وكانت خارطة العراق العسكرية مجمع الحديث عن حب الأرض والجو والمياه الإقليمية ، وكانت الخارطة الأرضية تستعرض السهول والجبال والهضاب، وتستعرض أهداف العدو واتجاهات تحركاته ، وكان المعلم يضع الخطط المضادة لحماية الوطن والحفاظ على شعبه وممتلكاته، وكانت العقيدة العسكرية توحي للجندي الوقوف خلف الحدود والدفاع عنها، وان الحد، هو الحد بين حرمتها على الأجنبي وشرف الوطنية أن يبقى العراق مستقلا ، وكان العراق طيلة قرن ملتزما بقضايا أشقائه العرب انطلاقا من عقيدته في حرمة الوطن ونظافة ترابه، وهكذا دخل حروبه المعروفة في دير ياسين في فلسطين وكفر قاسم، ولمع نجوم العديد من ضباطه أمثال عمر علي وعبد الكريم قاسم، وقد أبلت القوات العراقية بلاء حسنا في تلك المعارك، ومعارك أخرى الى جانب الجيش السوري في حرب  5 حزيران عام 1967، أو حرب اكتوبر إلى جانب مصر وسوريا عام 1973، وقد كان له دور عظيم في دعم إخوته العرب انطلاقا من عقيدته الوطنية التي تؤمن بوحدة التراب العربي .

إن التذكير بعقيدة جيشنا الوطنية وقوة انضباطه يراد من ورائه تذكير الأجيال أن الجيش الذي أبلى كل ذاك البلاء في المعارك قادر اليوم على إعادة قوة تماسكه وشدة انضباطه، وأنه رغم كل الظروف قادر على التمسك بتقاليده العسكرية والعودة إلى مؤسساته الرصينة صانعة الرجال ومكتشفة للأبطال، والقادرة حقا على الحفاظ على تلك العقيدة التي ما زالت هي صمام الأمان للعراق الأبي، ألف تحية للأبطال بعيد ميلاد مؤسستهم العريقة وهم عند السواتر أو في الإدارات، كل عام وجيشنا بخير....