اخر الاخبار

« لا يوجد ما هو اكثر قوة وأمنا لمواجهة طوارئ الحياة من الحقيقة المجردة »

تشارلز ديكنز

ما من شيء في حياة الانسان اعظم من بلوغ حقيقة الواقع الذي يعيش فيه، فبحث الانسان عن الحقيقة هو اجمل شيء يفعله الانسان.

كنت غير معبأ بالوعي الكافي عندما فكرت في الانتماء الى صفوف الحزب الشيوعي العراقي، ولا أدعي انني وبعد عشر اعوام  صرت امتلك الحقيقة او الوعي المطلق، لكنني لازلت باحثا عنها في مدرسة الحياة والحزب . عشت وسط اسرة كادحة تتمالك قواها بشق الانفس، ولكنها تتمتع بجو من الانفتاح السياسي والمدني، الامر الذي اتاح لي سهولة الانضمام الى صفوف الحزب. وطوال العشر سنوات عملت على محاولة اصطياد الحقيقة بالجهود الأيديولوجية والعلمية .

  • لحظة الإعتقال

 تصاعد نشاط الحركة الاحتجاجية في مدينة البصرة كـبقية المدن في العراق نتيجة لسوء الخدمات والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة في البلد كله. وأخذ النشاط الاحتجاجي يتوسع وينشط. ويوم 16 من شهر  كانون الأول  2016 ألقت القوات الأمنية القبض عليَّ وتم تحويلي إلى مركز شرطة العشار لغرض توجيه التهم ضدي. وكما هو معلوم فإن التظاهر السلمي حق كفله الدستور،  ولا يجوز للقوات الأمنية القاء القبض على اي مواطن يتظاهر للمطالبة بحقوقه المشروعة مما اضطرهم إلى اتهامي بتصوير القوات الأمنية والغرض منه هو التوقيع على تعهد شخصي بعدم الخروج مرة أخرى للمظاهرات، وفي حالة الرفض يتم التحويل  والتوقيف في  السجن لغرض المحاكمة بعد ثلاث أيام.  قدمت الورقة الذي كتبها ضابط في المركز  لغرض التوقيع، وتسجيل رقم بطاقة الأحوال المدنية عليها. في هذه الاثناء تذكرت مقطع كتبه مكسيم كوركي يصف  السجن للمناضلين حيث قال: « السجن محطة راحة اضطرارية للمناضلين الذين يجب عليهم المحافظة على مزاجهم الثوري « . رفضت التوقيع على التعهد، ولحق بي  الرفيق مسؤول الحزب في البصرة آنذاك والذي كان عضوا في مجلس المحافظة واخبرني بنبرة هادئة « لا تقلق انا معك والمتظاهرون لن يبرحوا ساحة التظاهرة حتى تعود إليهم سالما «.  وما هي الا ساعات قليلة حتى اصدر ضابط المركز أمر بإطلاق سراحي واخراجي من السجن .

  • سنـة الإنتماء

 عام 2014 كنت طالباً  للصف الخامس في المدرسة الإعدادية وكنت اجدُ لذة كبيرة في مطالعة الكتب الخارجية، وارتاد المكتبات بشكل متكرر واجمع مصروفي اليومي لغرض شراء الكتب لقراءتها. في احدى هذه القراءات تعرفت لأول مرة على مصطلح الشيوعية، وأخذت أسبوعاً كاملاً للبحث عن ماذا تعنيه الشيوعية ومن هم أبرز منظّريها ؟ ولماذا كانت محرمة في العراق أيام الملكية والبعث ؟ واوصلتني معلوماتي الشحيحة في وقتها  إلى أن الشيوعية هي التي تدافع عن العمال والفلاحين  والطبقات الفقيرة في المجتمعات . ولم اتردد بعدها بالبحث عن الحزب الشيوعي العراقي ومقراته في العراق. وسألت عن أحد هذه المقرات والذي كان في محافظة البصرة - قضاء الزبير – صعدت الى المقر لألتقي بمسؤول المنظمة الحزبية  وطلبت  الإنتماء إلى صفوف الحزب . تفاجئ الرفيق من طلبي أولاً لصغر سني والذي بلغ السابعة عشر عاماً  في وقتها والأمر الثاني عندما قدمت له استمارة الإنتماء بعد ان ملائتها قرأ تاريخ ميلادي وهو 31 / اذار / 1997   المطابق لميلاد الحزب باليوم والشهر، ابتسم لي وقال « انت ولدت لتكون عضوا في الحزب الشيوعي العراقي وأهلا بك يا رفيق « . خرجت من هذا اللقاء فخوراً بالحزب الذي انتمي اليه وعقدت العزم على بذل قصارى جهدي لكي أكون مفيداً للحزب . وخلال أربعة أشهر من عملي داخل صفوف الحزب سُلمت لي في إحدى الاجتماعات الحزبية بطاقة العضوية وعدت من هذا الاجتماع مسروراً بالعزم والحماسة . بعدها في عام واحد انتخبت عضواً في مكتب المنظمة القيادية  ومسؤول لإحدى الخلايا وانيطت بي مسؤولية أخرى وهي تمثيل المنظمة القيادية في لجنة العمل الفكري  ( لعف ) لمحافظة البصرة . وهذه المهمة جعلتني أبذل المزيد من الجهد لتثقيف نفسي سياسياً وفكرياً فانكببت على قراءة أدبيات الحزب ووثائقه والادبيات الماركسية الكلاسيكية لأنّني شعرت بحاجة إلى زيادة معرفتي بهذا الجانب كوني أصغر عضو في لجنة العمل الفكري للبصرة  . وفي مؤتمر المحلية الذي عقد عام 2017  تم ترشيحي لنيل عضوية اللجنة القيادية للحزب في البصرة ومسؤول  لمنظمة الحزب في  الزبير ومسؤول لجنة العمل الفكري في البصرة  وعضواً في المنطقة الجنوبية للعمل الفكري . اما على المستوى الديمقراطي فقد انتخبت لأكون مسؤول اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي في البصرة وعضوا في اللجنة التنفيذية للاتحاد، وعملت على اصدار صحيفة تحت اسم « شبيبة البصرة «  التي كانت تعنى بالجانب الشبابي، وما تعانيه شبيبتنا في العراقي من واقع مأساوي .

  • المسؤولية الكبرى

في عام 2019 تفجرت انتفاضة تشرين التي هزت أركان نهج المحاصصة   الطائفية  وتضافرت قطاعات واسعة من المجتمع بالمشاركة فيها، والذي لم يشارك قدم الدعم المعنوي لها ، طالبت الانتفاضة بشعارها المركزي ( نريد وطن ) وهي صرخة اطلقها المنتفضون احتجاجا على الأوضاع المأساوية التي يعيشها غالبية ابناء شعبنا . بدأت الاضرابات عن الدوام ، كنت في وقتها طالب مرحلة ثالثة في كلية الإدارة والاقتصاد واخذت بإقناع الطلبة على عدم الالتزام بالدوام والخروج بالتظاهر نصرة لـساحة الاحتجاج، مما اضطر عميد الجامعة إلى منعي من دخول الجامعة كوني احد المحرضين البارزين على كسر الدوام والخروج بالتظاهرات. في  العام نفسه والذي كان يشهد مرحلة من النهوض الثوري للشعب العراقي عقدت اللجنة المحلية مؤتمرها وانتخبتُ عضواً في مكتب المحلية، دون ان افكر بالترشيح لهذا الموقع او ان امتلك عمرا حزبيا طويلا او تجربة سياسية تؤهلني لمثل هذا الموقع وانا ابن الثانية والعشرين من عمري. تنامت الاحداث سريعاً بالأخص بعد ان اتخذ المنتفضون قرار الاعتصامات المفتوحة ونصب الخيم في مراكز المحافظات، مما جعلني انكب على قراءة ماركس و انجلز و لينين وما كتبه قادة الاحزاب الشيوعية، بالإضافة الى مؤلفات الرفيق الخالد فهد،  خصوصا  نضالنا الوطني الديمقراطي، وعن الوضع الثوري، وبدا تفكري اكبر في القضية المهمة والتي يجب على كل شوعي فهمها بشكل دقيق وهي « النظرية والممارسة «، إضافة إلى ما كانت تنشره جريدة الحزب المركزية «طريق الشعب» عن أوضاع المحتجين وحكومة عادل عبد المهدي التي تصدت الى الانتفاضة بالعنف المفرط و الرصاص الحي. وحينها قدمت مجموعة من المحاضرات داخل ساحات الاحتجاج مثل» دور الطلبة في الحركة الاحتجاجية،  و محاضرة عن وثبة كانون «. بعد أشهر دامية ومريرة اجبر عبد المهدي على تقديم استقالته، وهذا يعتبر بالنسبة لي اول نصر اخوضه مع أبناء وبنات شعبنا، رغم ان قوى الفساد والمحاصصة ألتفت على مطالب الانتفاضة وسعت الى وأدها . وفي ظل هذه الظروف المعقدة عقد الحزب مؤتمره الحادي عشر عام 2021 ، واثناء انعقاده تكلم معي أحد الرفاق القياديين بشأن ترشيحي إلى اللجنة المركزية، قبلت هذه المسؤولية الكبرى بحماس ثوري وجهادية عالية وعرفت أنّه يجب عليَّ أن  أمتلك الإخلاص لقضية الشعب والشيوعية . وبهذا أكون  أصغر عضو في اللجنة المركزية ، التي انتخبها المؤتمر، وانيطت بي عضوية لجنة العمل الفكري المركزية (لعف) كذلك مسؤولية المنطقة الجنوبية للعمل الفكري. وتعلمت  أهم درس خلال هذه المدة التي أصبحت عضوا في اللجنة المركزية أن الطريق الوحيد لكسب أوسع الجماهير هو النضال في سبيل مصالحها الحيوية المباشرة، كما وصفها الرفيق الشهيد سلام عادل بدقة .

في الختام أؤكد ان الحزب هو المدرسة التي تربيت وسطها، فلم يكن للعائلة الوقت الكافي لتربية مراهق خرج من رحم الاسرة وانتقل الى رحم مجتمع متفكك منهار خصوصا بعد سقوط النظام الدكتاتوري، واستلام السلطة من قبل احزاب طائفية اثنية همها الوحيد سرقة المال العام، حتى وان كلفها هذا الامر تحطيم المجتمع بأسره. فقد ساعدني الحزب على اكتشاف ومواجهة الحقائق الاجتماعية التي سيمر بها اي انسان عاجلا ام اجلا.

ــــــــــــــــــــــــــ

 * «الثقافة الجديدة»

    العدد 443-444  آذار 2024

عرض مقالات: