اخر الاخبار

بفخر واعتزاز وسعادة احتفل كل عام بميلاد حزب الكادحين، حزبنا الشيوعي العراقي، فقد شاءت الصدفة الجميلة ان تكون ولادتي في نفس يوم وعام تأسيسه، وها انا احتفل معه هذا العام بميلادنا التسعين.

فقد نشأت وتربيت على المبادئ الانسانية للحزب من خلال والدي الشهيد (الشيخ حسين الساعدي) الذي كان بحق مثالاً يحتذى في التعامل مع القريب والبعيد، العائلة والاقارب والأصدقاء وعموم الناس. لازلت اتذكر ما قاله لي والدي جواباً على رغبتي بالانتساب للحزب وانا بعمر الخامسة عشر عاماً فقط،

  طريقنا انت أدرى           شوك وصخر كثير

والموت على جانبيه         لكننا سنسير

وهو مقطع من قصيدة كان رفاقنا ينشدونها في السجون في زمن النظام الملكي.

لقد اعتمد حزبنا أسس ومبادئ أرقى نظرية إنسانية أنجبها التاريخ، وبنى تنظيماته بعقول وتضحيات أنبل الأبناء الوطنيين، وتأريخه مرصع بقوافل من الشهداء، ابتداءً بقادته الميامين، الرفيق الخالد ومؤسس الحزب (الرفيق فهد) ورفيقيه (حازم وصارم) في واقعة اعدامهم بقرار جائر من النظام الملكي العميل التي أنطلق فيها هتافهم (الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من اعواد المشانق) الذي كان ومازال يرعب كل أعداء الحزب المجرمين.

لقد تعرض حزبنا ومازال لأشد صنوف القسوة والقمع من كل الحكومات المتعاقبة منذ تأسيسه، وقد امتلأت السجون والمعتقلات بالشيوعيين حتى ثورة ١٤ من تموز عام ١٩٥٨ التي دعمها الحزب بكل امكاناته حتى انقض قطعان البعث إثر انقلابهم الأسود في ٨ شباط عام ١٩٦٣، وقد كان للصمود الاسطوري لرفيقنا سلام عادل ورفاقه ابو العيس والحيدري ومحمد الجلبي وعبد الرحيم شريف، ويوحنا الياس وعزيز حميد، ولن يقل نصيب الرفيقات في هذا السفر المخضب بدماء الخالدين، فقد تعرضن للاعتقال والتعذيب الوحشي والموت على أيدي الجلادين ومنهن الرفيقة عايدة ياسين وشذى البراك وأم لينا وفوزية أم سعد وغيرهم الكثير رفيقات ورفاق لا يتسع هذا المقال لذكرهم واستلهام مواقفهم في إعادة بناء الحزب بعد كل هجمة بربرية تعرض بها حزبنا المجيد.

خلال مسيرتي مع الحزب التي تجاوزت ٧٥ عاماً، اعتبر نفسي من المحظوظات حيث التقيت بكثير من الرفيقات والرفاق في مخلف مستويات التنظيم، وتعلمت منهم الكثير، وهنا أذكر أن أول مسؤولة لي في رابطة الدفاع عن حقوق المرأة كانت طيبة الذكر المناضلة وأول وزيرة امرأة في الوطن العربي الدكتورة نزيهة الدليمي، حيث كان انتمائي الأول للرابطة قبل الحزب، وأن أول مسؤولة حزبية كانت طيبة الذكر ثمينة ناجي يوسف (ام ايمان) وأول مسؤولة في اتحاد الطلبة كانت زميلتي مبجل بابان.

لقد تعرضت للاعتقال والتعذيب في زمن الحكم الملكي وبعد انقلاب ٨ شباط الأسود صدر بحقي حكم غيابي بالسجن ١٠ أعوام، الا ان أبواب الطيبين من شعبنا فتحت لنا حينها، فقد بادرت مجموعة من خيرة النساء العراقيات بالمجازفة في إيوائي في بيوتهن غير مباليات بالنتائج الكارثية عليهن لو تمكن المجرمون من اعتقالي داخل بيوتهن، أذكر منهن أم خليل الخبازة، أم خضير، أم حازم، أم نضال، وسعاد في النجف وعائلة في كربلاء.

وبعد الهجمة الشرسة لتصفية الحزب عام ١٩٧٩ تم اعتقالي مع مجموعة كبيرة من رفيقاتنا وتعرضنا للتعذيب الوحشي الهمجي من قبل الجلادين، لكننا صمدنا حتى تم إطلاق سراحنا، مما دفعني للهجرة القسرية من العراق مع عدد كبير من الرفيقات والرفاق، حيث بدأ مشوار نضالنا في صفوف الحزب ونحن في غربتنا، من أجل إبقاء شعلة الانتماء للوطن. في نفوسنا ونفوس أبنائنا وأحفادنا وفاءً للشهداء ولشعبنا الكريم.

كلنا يعرف الظروف الاستثنائية التي يعيشها شعبنا ووطننا منذ الغزو والاحتلال الامريكي للعراق وتنصيبه لنظام المحاصصة على أسس طائفية لم نعرفها سابقًا، إن النضال في ظل هكذا ظروف ليس هيناً ولا تقليديًا كما تعرفون، لكن تمسكنا بشعار التغيير الديمقراطي هو ما يحتاجه شعبنا في هذه المرحلة العصيبة والاستثنائية التي تعيشها المنطقة والعالم بأسره، وهو خيار يتطلب وحدة الصف وإدامة العمل والأمل من أجل غد أفضل يستحقه شعبنا الكريم.

رفاقي الأعزاء

مازلت وسأبقى على عهدي لوالدي الشهيد ولرفيقاتي ورفاقي الشهداء ولكم أيها الوطنيون الأنقياء أن أكون بارةً بشعبي ووطني وحزبي الذي علمني حب الوطن والتضحية من أجله ما حييت، ولن أتكاسل وحتى وانا بعمر التسعين.

أحييكم من القلب وأتمنى لحزبنا المجيد النجاح في تحقيق أهدافه الانسانية الراقية لتحقيق شعار وطن حر وشعب سعيد

عرض مقالات: