اخر الاخبار

هناك مثل عالمي يقول ان ما لا يتمكن الفرد من القيام به تستطيع المجموعة القيام به.

لذلك فالتعاونية الزراعية هي ما يجمع فيه الفلاحون والمزارعون مواردهم في مجالات معينة من الانشطة، وتميز إلى تعاونيات خدمات وتعاونيات انتاج وهي تتضمن الأرض والمكائن والمناحل وهذه تتضمن المزارع الجماعية.

اما التعاونيات الخدمية هي تعاونيات توريد وتعاونيات تسويق أو الجمع بينهما.

والجمعيات التعاونية الفلاحية واحدة من أهم حلقات العملية الانتاجية الزراعية في جميع دول العالم أذ تعمل كأداة ووسيلة لتسهيل الكثير من المشكلات التي تعترض طريق العملية الانتاجية الخاصة بالقطاع الزراعي، ومن خلالها يمكن أيضا تنظيم وترتيب المجتمع الريفي ودعم الفلاح وتحسين وضعه الاقتصادي والاجتماعي الاجتماعي.

وهنا عندما نشير إلى جميع بلدان العالم لابد من الإشارة إلى قرار الأمم المتحدة ٩٠/٤٧ في ١٦ كانون الاول للعام ١٩٩٢ باعتبار كل أول سبت من شهر تموز في كل عام هو يوم عالمي للتعاون، وهنا لابد من القول إن النظام التعاوني غير مرتبط بنظام اقتصادي معين اقطاعي، رأسمالي ، اشتراكي، فنرى أن أول تعاونية انتاجية في العصر الحديث هي كومونة باريس تلتها البلدان الاشتراكية والاتحاد السوفيتي السابق والصين التي تعمل فيها ٢٨ مليون عائلة في التعاونيات الزراعية، وكندا التي يعمل فيها واحد من كل ثلاثة مواطنين، وفرنسا التي يؤمن فيها العمل التعاوني ٧٠٠ ألف فرصة عمل واليابان حيث يعمل ٩١ بالمائة  من المزارعين في التعاونيات الزراعية.

ما أتى في هذه المقدمة عن التعاون الزراعي هو ما نشر قبل أيام على وسائل التواصل الاجتماعي ونبهني لها الرفاق في قيادة الحزب الشيوعي العراقي وبعض الأصدقاء، وحيث أهتم حزبنا الشيوعي العراقي مسألة التعاون الزراعي في كافة مؤتمراته الحزبية الوطنية مسترشداً بذلك إلى النظرية الماركسية.

 وما نشر تحت عنوان تحالف الطماطة وهو تحالف لبعض مزارعي الزبير في البصرة والمتخصصة في زراعة الطماطة وهم يعانون كثيرا من الخسائر الاقتصادية نتيجة زيادة كلف الانتاج والتخلف في التسويق لمنتوجاتهم وعدم حماية المنتج نتيجة فتح الأسواق العراقية على مصراعيها أمام المنتج الاجنبي ان كان أصولياً أو غير أصولي الاقل كلفة في ظل ظروف التخلف الاقتصادي في العراق، قام مجموعة من الفلاحين والمزارعين يقدر عددهم ب ٥٠ شخصا بعمل مشترك من تنقية للبذور وجلب صناديق كارتون لغرض تعليب الطماطة ثم نقلها إلى الأسواق وكانت تجربة ناجحة في هذا العمل التعاوني مما يسند وجهات نظرنا والمناشدات  لغرض تطوير هذه الفعالية، وحيث كل فلاح منهم يمتلك  بحدود ١٠ دونمات تكفيه بالعمل التعاوني مبلغ ٢٠ مليون دينار لزراعتها وتسويق المنتج بشكل مشترك .

إن العمل التعاوني الزراعي في العراق ليس بجديد على بلاد ما بين النهرين فقد مورس العمل التعاوني في العهد السومري والبابلي وورد عنه الكثير في شريعة حمورابي، وكان يتضح جلياً في مكافحة الفيضانات وكري الأنهر وجني المحاصيل والثمار. في العصر الحديث فقد صدر أول قانون للتعاون الزراعي بالرقم ٢٢ لسنة ١٩٢٢ وأسست في حينها ثلاث تعاونيات ومنها في الزعفرانية والدورة، حتى العام ١٩٤٤ حيث صدر قانون التعاون رقم ٢٧ وبقي العمل به، ولحين ثورة ١٤ تموز المجيدة كان هناك ١٦ تعاونية، ثم بعد صدور قانون الاصلاح الزراعي رقم ٣٠ لسنة ١٩٥٨ وحيث ربط العمل التعاوني بتنفيذ القانون أصبح عدد التعاونيات الزراعية ٤٣٦. وكذلك بعد صدور قانون الاصلاح الزراعي رقم ١١٧ لسنة ١٩٧٠، وارتباطاً للتعاون بتنفيذ القانون زادت التعاونيات الزراعية إلى ٨٣١ تعاونية زراعية، اما المزارع الجماعية فقد بلغت ١٧٩ مزرعة جماعية.

لكن بعد إدخال الطاغية العراق بعد العام ١٩٨٠ في دوامة  وأتون الحروب بدأت عسكرة المجتمع وبدأت الخصخصة وحل التعاونيات الزراعية وبيع منشأتها إلى زبانيته وأعوانه فقد انخفضت المزارع الجماعية من ١٧٩ إلى ٥٥ حتى بقيت  مزرعة واحدة يعمل فيها ٥٠ فلاحا في العام ٢٠٠٢،  وهذا ينطبق على الجمعيات التعاونية أيضاً حتى بعد سقوط نظام الطاغية فقد صدر قرار رقم ٣ لسنة ٢٠٠٤ بتجميد العمل التعاوني ضمن السياسة الاقتصادية العامة المتجه إلى اقتصاد السوق جاهلين أن التعاون الزراعي يعمل أيضاً في ظل اقتصاد السوق ويعتمد على النظام التبادل السلعي وهدفه هو توحيد موارد الفلاحين والعمل المشترك على أسس العدالة الاجتماعية ويحقق نسبة عالية من الانتاج الزراعي في مختلف المجالات مما يرفع من مستوى دخل الفلاح والمزارع وكذلك يزيد من المنتوج الوطني والدخل القومي،  وقد أعطينا سابقاً أمثلة على العمل التعاوني في ظل نظم اقتصادية مختلفة .

لقد واجه العمل التعاوني العديد من المصاعب من أهمها:

- العادات والتقاليد الاجتماعية القديمة وضعف الوعي الاجتماعي.

- استيلاء أغنياء الفلاحين والملاكين على إدارة التعاونيات.

- ضعف الإرشاد الزراعي في تبيان أهمية التعاون الزراعي.

- قلة الكادر الوظيفي المتخصص.

- محاربة التجار والمضاربين في السوق للتعاونيات الزراعية.

- ضعف التمويل المالي للتعاونيات والعراقيل والروتين والبيروقراطية في ادارة المصرف الزراعي والمصارف الحكومية الاخرى.

- فك الارتباط بين تنفيذ القانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٨٣ والعمل التعاوني الزراعي خلافا لما كان حاصل مع القانونين رقم ٣٠ لسنة ٩٥٨ و١١٧ لسنة ١٩٧٠.

الآن وبعد هذا التخلف الكبير في الانتاج الزراعي في كافة قطاعاته من انتاج للحبوب والفواكه والخضر والنحل وتربية الحيوان بمختلف صنوفه من دواجن لحوم وبيض وكذلك تربية ماشية الحليب واللحم مع التدهور الكبير للوضع الاقتصادي للفلاحين وقيامهم بترك أراضيهم والهجرة إلى المدن مما له من آثار اقتصادية وبيئية ضارة، أصبح لزاماً العودة للعمل التعاوني ونقترح لذلك:

أولاً -إصدار قانون جديد ينظم العمل التعاوني الزراعي ووفق الظروف الحالية.

ثانياً - إعادة الهيئة العامة للتعاون الزراعي او إنشاء قسم للتعاون الزراعي يرتبط في وزارة الزراعة.

ثالثاً - تنظيم حملات إرشادية توعوية للفلاحين والمزارعين.

رابعاً - فتح دورات تدريبة للفلاحين والمزارعين لإدارة التعاونيات الزراعية.

خامساً - تهيئة الكادر الوظيفي الزراعي للإشراف على التعاونيات الزراعية.

سادساً - توفير الموارد المالية اللازمة لهذا العمل الجبار.

ـــــــــــــــــــــــ

* مهندس زراعي استشاري