اخر الاخبار

تتصاعد في بلادنا في الآونة الأخيرة الدعوات إلى ما سمي بالحوار الوطني. تأتي هذه الدعوات من أطراف عدة تلتقي مع بعضها وتتناقض أيضا. ولكل من هذه الأطراف غاياته وفهمه الخاص لمعاني الحوار الوطني. منهم من يبحث فعلا عن مخارج مما نحن عليه من خراب لم تشهده البلاد من قبل. ومنهم من يجد في الحوار الوطني قارباً للنجاة مما بدأت ملامحه ترتسم في أفق مستقبلنا القريب من تغييرات قد تنسف وجوده تماماً.                        

ولنا في موضوعة “الحوار الوطني” الرأي التالي: من يدعو إلى الحوار الوطني عليه ان يضع أمامه الحقائق التالية: أولاً:

 إن الأطراف المعنية بالحوار الوطنية يجب ان تكون وطنية فعلا. وهذا الكلام لا يحتاج تأويلاً ولا تفسيراً. الوطني هو من تشده اليها مصالح الوطن ومستقبل الوطن والشعب ويرتبط بهما حصراً ولا يعلو عليهما في فكره وسياساته العامة وممارساته اليومية أي جهة او بلد او أهداف ذاتية ومصالح ضيقة كأن تكون حزبية او مذهبية او عنصرية او طائفية. مصلحة الوطن هي العليا وقد تنحدر منها مصالح الانتماءات الاخرى شرط ان لا تتقاطع مع المصلحة العليا للوطن او الشعب. ونحن هنا لا نضع حداً فاصلا ولو بسمك الشعرة بين الوطن والشعب فهما متطابقان غير منفصلين وينبغي ان يستوعب الوعي القدرة على وضع الاهداف والسياسات التي تقوم على هذا الأساس. سينبري هنا بعض السفاسطة للبحث عن نقاط ولو غير مرئية للتفرقة بين الوطن والشعب. لكننا نهملها تماماً.

ثانياً. ان تكون مدخلات الحوار وطنيةً كي يأخذ هذا الحوار صفة الوطني. ما الذي يجمع هذه الاطراف لكي تتحاور؟ مصالحها الذاتية أم الصالح العام متمثلا بمصلحة الوطن ذاته؟ المدخلات يقصد منها جدول اعمال الحوار والنوايا والاهداف الموضوعة للحوار او التي من أجلها يجري الحوار. كل هذه يجب ويجب ان تكون مرتبطة مباشرة وبدون وسائط بالهم الوطني ومصالح البلاد وسكان البلاد بلا تمييز. جدول الاعمال ينبغي في الحالة الوطنية التي تسود النوايا والغايات ان يحتوي وضع برنامج عمل ونشاط للقوى المتحاورة - بعد الاتفاق عليها - يكون بوصلة عملها المشترك اللاحق.

 ثالثاً: هذا البرنامج سيكون هو المخرجات الوطنية التي ترسم سبل نضال هذه القوى وتحدد مساراتها. ان تجميع الطاقات لأجل تنفيذ مواد البرنامج المتفق عليه سيكون مصدر قوة للبرنامج وللتحالف ولكلٍ من هذه القوى مجتمعة ومنفردة. ستغدو مصلحة الوطن والشعب فوق كل الغايات الأخرى التي لا نستبعد وجودها مخفيةً حيناً ومتسربةً حيناً اخر. لكن الضمان لنا هو الاتفاق على المخرجات الوطنية والالتزام ببرنامج عمل تنفيذها.

 رابعاً. من شروط نجاح الحوار الوطني انبثاق مؤسسات تنظيمية شعبية وطنية مهمتها متابعة تنفيذ برنامج العمل الناتج عن الحوار الوطني وليست هناك مجموعة أفضل من لجنة تجمع قادة القوى الوطنية التي اتفقت على البرنامج ضمن مسلسل جلسات الحوار الوطني. والسبب في ذلك هو ما تملكه من صلاحيات اتخاذ القرار أو الإجراء المناسب إزاء أية حالة تقتضي التدخل الفوري لإصلاحها في حالة الخلل او لاستثمارها فورا وتطويرها في حالة النجاح مهما كان حجمه.

 خامساً. ان يكون البرنامج وكل التحالف مرناً بقدر ما هو حاسم. المرونة تتمثل في القدرة على التغيير والحذف والاضافة استجابة لضرورات تتولد في مجرى العمل. والحسم تتمثل في عدم السماح ابدا لانحراف خط النضال والعمل عن المسار الوطني الذي رسم له. وان احدى اخطر هذه الانحرافات هو ميل بعض القوى لإقامة علاقات جانبية من باب الاحتياط. ولقد شهد تاريخ التحالفات مثل هذه الممارسات مما أضر بالتحالف نفسه وبمفهوم التحالفات بشكل عام واستعيض عن الثقة بين القوى المتحالفة والاطمئنان لبعضها البعض بالشكوك والريبة وتوجس التغير المفاجئ في المواقف.

 سادساً: ان تماسك القوى المتحاورة مع بعضها البعض والإصرار على موقف ثابت في اعتبار مخرجات الحوار الوطني نصوصاً ومواقف ملزمة وطنياً وأدبياً وسياسياً سيضيف قوةً إلى التحالف تؤدي إلى ان يكون رقماً مشهوداً لوجوده في الساحة السياسية ومؤثراً فيها وهنا “مربط الفرس”. إذ اننا لا نتطلع إلى الحوار من أجل الحوار والجلوس حول موائد الحوار والانتقال من ثم إلى وليمة الحوار! والتقاط الصور السخيفة ونشرها في مواقع التواصل الاجتماعي للتفاخر والتباهي الفارغين. بل نريد حواراً يخلق للشعب أداةً نضاليةً صلبةً تأخذ على عاتقها قيادة نضاله من أجل مصالحه وأهدافه الملموسة وغاياته البعيدة. نحن اذن بصدد خلق كيان سياسي يتكون من عدة كيانات اخرى وشخصيات وطنية تلتزم بما يمليه عليها الواجب الوطني واجب الوجود أصلاً على هذه الأرض الطاهرة. هكذا نحن نفهم مقولة “الحوار الوطني” الذي تتحدد واجباته بالصالح العام وليس الغاية منه مواصلة تحاصص السلطات والموارد والامعان في خراب البلاد.

عرض مقالات: