اخر الاخبار

في كتاب الدكتور عبد الكريم كامل ابو هات (أبحاث في الفكر الاقتصادي) أطلعنا على مختلف الافكار الاقتصادية في عالمنا، كتاب جامع لتاريخ الفكر الاقتصادي، وحيث أن الكتاب واسع ومتعدد المصادر التي تتحدث عن الفكر الاقتصادي والنظريات الاقتصادية المختلفة والتي توقف عندها الباحث، وتلك المحطات الفكرية القديمة والمعاصرة، فقد اتجه رأينا إلى ما تناوله الباحث في هذا المؤلف الواسع والمصدر التاريخي للفكر الاقتصادي في العالم، حول الفكر الاقتصادي عند ماركس، وماهي الدراسات التي تناولت مذهب هذا الفيلسوف العملاق والذي كرس فكره لخدمة الطبقة العاملة، حيث تمكن من صياغة النظرية الاقتصادية والتي تؤكد أن (العمل هو المصدر واساس القيمة، وهو الذي يخلق الثروة).  والنظرية الماركسية فضلا عن كونها تستند إلى رؤية مادية للتاريخ، فهي“فلسفة الطبقة العاملة“في أبسط وأعمق تعريفات لينين لها، وكرسها ماركس وانجلز منهجا لنقد الرأسمالية، ونفيا لها في الحقلين النظري والتطبيقي) 2 /... وأن وحدة النظرية والتطبيق هي معيار اصالة الماركسية.

يقول الباحث الدكتور عبد الكريم كامل ابو هات: أن الماركسية كفلسفة، هي نظام فكري واحد يتألف من:

1 - المادية الديالكتيكية: وتعتبر المادية الديالكتيكية او (الجدلية) هي الدعامة الاولى للنظام الفكري الماركسي. ومن خلال هذه الفلسفة العلمية استطاع ماركس مع رفيقه إنجلز، أن يكتشف التناقضات من خلال جدل الشئ في نفسه، او النفي الداخلي الذي هو مصدر التطور. (وقد طبق ماركس وانجلز ذلك على تطور المجتمعات البشرية، التي تبدأ بالمجتمعات البدائية ثم العبودية ثم الاقطاع ثم الرأسمالية وإلى الاشتراكية).

2 -المادية التاريخية: وهي رؤية اقتصادية للتاريخ. حيث أن اسلوب انتاج الحاجات المادية لحياة البشر، هو القوة الحاسمة والسبب الرئيسي للتطور الاجتماعي. ولذلك فان الماركسية (خلصت إلى ان التطور في قوى الانتاج هو في نهاية المطاف العام المحدد والمفسر لمختلف التطورات في المجتمع.) وهذا يفسر لنا ما أطلق عليه المؤلف (عزل الطبقة المسيطرة)، وهو ما يدعو إلى بروز ظاهرة الصراع الطبقي وما ينتج عنها من تحولات في بنية المجتمعات المادية والفكرية.

3 - نظرية فائض القيمة: ان قانون فائض القيمة هو القانون الاساسي لنمط الانتاج الرأسمالي، وحيث ان الانتاج السلعي السابق على اسلوب الانتاج الرأسمالي، يأخذ شكل (سلعة ـ نقود ـ سلعة)، وهذه صيغة تعبر عن النمط في العلاقة المباشرة بين المنتج والمستهلك.... وهناك صيغة اخرى توضح طبيعة العلاقة غير المباشرة لنمط الانتاج السلعي في النظام الرأسمالي، حيث تكون العلاقة (نقود ـ سلعة ـ نقود) أكثر.

وهذا بطبيعة الحال يؤكد أن النقود تنتج نقودا، ومن خلال هذه العملية الانتاجية يستطيع الرأسمالي أن يستولي على فائض القيمة والذي يحصل عليه عن طريق انتاج سلع أكثر لغرض البيع، (اذ يحصل مقابل ذلك على دخل يمثل الفرق بين قيمة الأجر الذي يشتري به قوة العمل في ظل مستوى حضاري معين، وبين السعر الذي يبيع به ناتج العمل“السلع النهائية“، وهذا الفارق يطلق عليه ماركس“فائض القيمة”.)، والخلاصة أن فائض القيمة هو: الفرق بين قيمة السلعة المنتجة وقيمة الاجر المدفوع لإنتاجها هو ما يعتبره ماركس فائض القيمة.

وان الاموال التي تتكدس لدى الرأسمالي أو رب المصنع...هي متراكم فائض القيمة، وهو جهد العاملين المستلب...والذي لا تدفع مقابله اجور. كما يؤكد الباحث ايضا (أن فائض القيمة عموما يعود إلى خاصية رئيسية ينفرد بها عنصر العمل تتمثل في أن العامل بإمكانه ان ينتج ما هو أكثر من قيمة ما يستهلك، لذا فان فائض القيمة عندما يستولي عليه الرأسمالي ويحرم العامل منه، هو استغلال ليس له مسوغ)، ويضيف الباحث كذلك (أن فائض القيمة...يعود إلى قوة العمل المشتراة برأس المال المتغير، ومن هنا يوضح ماركس: أن الربح ليس له الا مصدر واحد وهو“فائض القيمة“).  

وفائض القيمة أما أن يكون مطلقا او نسبيا، والمطلق (يتولد مباشرة عن زيادة وقت العمل الذي يشتغل فيه العامل لحسابه.) أما فائض القيمة النسبي (فيتولد عن خفض وقت العمل الضروري، اي الوقت اللازم لإنتاج الضروريات المطلوبة لحفظ حياة العامل واستمرارها، وذلك مع بقاء وقت العمل الذي يعمل فيه ثابتا).

4 -  القانون العام للتراكم الرأسمالي: وقد أطلق عليه الاستاذ ابو هات ب (نظرية تركز رأس المال)، وهي تعارض بشكل واضح ما اعتقده المفكرون الاقتصاديون الذين سبقوا ماركس حيث يؤكدون أن مصدر الربح الرأسمالي يعود لنظرية انتاجية رأس المال. (ان التراكم المتزايد لرأس المال لا يؤدي فقط إلى تركز وتمركز متزايدين من جانب الطبقة الرأسمالية، بل أيضا إلى تزايد مقابل له في البؤس والفقر في جانب الطبقة العاملة )1

5 -مصطلح“فناء الرأسمالية لذاتها”: وهذا المصطلح أطلقه ماركس لتأكيد اطروحته الخاصة بمصير الرأسمالية، وان نظامها ذاهب إلى الزوال نتيجة عوامل خارجة عن وقائع تطورها، تحت تأثير مستويين من مستويات التطور:

المستوى الأول: بفعل التركيز المتزايد لرأس المال وتزايد مركزته، وهوما اشار اليه كارل ماركس في مؤلفه المشهور“رأس المال“الجزء الاول، والذي عنونه ب (القانون العام للتراكم الرأسمالي).

المستوى الثاني: وهو الافقار المطلق الذي يكون ضحيته ابناء الطبقة العاملة في ظل الانتاج الرأسمالي. وهو سبب مباشر للتراكم الرأسمالي وتمركز رأس المال بشكل كبير جدا.

إن مركزة رأس المال حسب منظور ماركس، يعني انتشار الوحدات الانتاجية الكبيرة على حساب المشروعات الصغيرة، وهو ما يتسبب بانسحاب المنتجين الصغار حيث يضطرون للانسحاب من دورة الانتاج، فيتحولون إلى بروليتاريين، حيث يتركز رأس المال بيد الاقلية.

6 -نظرية الاجور عند ماركس: ينظر الاقتصاد الماركسي للأجورـ كونها ثمنا لقوة العمل..، وليس ثمنا للعمل نفسه... ولذلك يؤكد ماركس (ان ما يواجه الرأسمالي في السوق، ليس العمل بل العامل.. وليس لدى العامل ما يبيعه الا قوة عمله).

ان قيمة العمل تتكون من عنصريين (أحدهما جسماني بحت، والآخر تاريخي واجتماعي. والحد النهائي يقرره العنصر الجسماني.)  

ومن خلال هذا الاستطراد، نخرج بنتيجة واضحة وهي (أن نظرية ماركس في الاجور المرتبطة بنظريته في القيمة وفائض القيمة، انما هي نظرية تجسد الصراع القائم بين الحصص النسبية في الناتج الصافي لطرفي العملية الانتاجية الاساسيين وهما: (الرأسماليون والعمال). وهو في حقيقته صراع بين الارباح والاجور، صراع تاريخي ذو طبيعة ديناميكية يتوقف عليها مستقبل النظام الرأسمالي.. وهو الصراع الطبقي الذي سيؤدي حتما إلى فناء الرأسمالية كما يؤكد ذلك كارل ماركس في رأس المال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*ملاحظة: جميع العبارات بين مزدوجين عن المؤلف في أبحاث في تاريخ الفكر الاقتصادي: الاستاذ الدكتور عبد الكريم كامل ابو هات / دار الرياحين للنشر والتوزيع /العراق – بابل.

1) لم الماركسية: فرحان قاسم!!

2) نفس المصدر