اخر الاخبار

خلال العقدين الأخيرين لم يتقدم موضوع آخر في استقطابه لاهتمام العراقيين مثل موضوعة الفساد، والذي يعرّف دوليا بأنه الاستثمار غير الشرعي للمنصب العام للحصول على منافع شخصية. وهو بتعبير آخر مجموعة التصرفات المخالفة للقانون والشرع، وهو عمل مستنكر وفقا للأديان وحتى نزولا عند الاعراف.

وقد عرف العراق الفساد بشكله الوبائي بعد الاحتلال وصدور قرارات بريمر رئيس سلطة الائتلاف، وقد أصاب الفساد القدوة منذ قيام مجلس الحكم أو عند تشكيل الوزارة العلاوية،  وانحدر تدريجيا وبسرعة النار في الهشيم نحو الوسط الوظيفي او القاعدة ليشكل ظاهرة جعلت من العراق بلدا في مقدمة بلاد العالم من حيث الفساد وخراب الذمة، والغريب أن الفساد لم يعد مخزيا مما يشير إلى تدني قيمنا الاجتماعية وصار ما كان عيبا عملا مقبولا، وعلى مدى عقدين انخرط فيه مئات الآلاف من الموظفين في كافة دوائر الدولة من صاحب المكناسة حتى ديوان الرئاسة وانخرط المواطنون تلقائيا في هذا العمل الوضيع أما بالسكوت أو بالأداء عن طريق المساعدة للغير أو تقديم الرشا، حتى صار أحدنا موضعا للشك من قبل الذات، وانطلقت الدعوات وعلى كل الصعد مطالبة بمكافحة الفساد، وقد شجع نمو هذا الفساد هو تراجع القضاء عن دوره في تقديم الفاسدين للمحاكم من جهة وعدم اهتمامه بتراجع القانون وأحكامه أمام شدة الفساد ودرجاته، وصار قانون العقوبات النافذ متخلفا عن تقدم الفساد ومتساهلا في حجم العقوبة إزاء نهب المال العام أو توسع تهديد الأمن العام أو حتى استباحة الشعور العام.

إن رد فعل القدوة ومن بيده السلطة في حقيقة الأمر لا يملك إرادة مكافحة الفساد، فإما أن يكون هو مسلوب الإرادة وضعيفا أمام مغريات المال الحرام، أو أن إرادته لا تملك هي الأخرى القدرة على تنفيذ القوانين بسبب تقدم إرادة الاتباع على إرادته في مكافحة هذا الوباء، بتعبير آخر ليست هناك إرادة حقيقية لمكافحة هذا الفساد. لأن النتائج ستكون غير متوائمة مع بقاء البعض الفاسد في القمة سواء أكان ذلك في السلطة أو في الابراج المتعالية، وصار الفساد ومكافحته لحد هذه اللحظة في الرفوف العالية، وكل المحاولات الجارية ماهي الا إجراءات بالية، ومن هنا تبدأ مرحلة التوطين، وأصاب هذا الوباء الموظف الحكومي من صاحب الماسحة (منظف الأرضية ) في أبسط مستشفى حكومي أو اهلي أو صاحب النفايات في سيارة البلدية أو صاحب الاستعلامات والكاتب مرورا بمدير الشعبة والقسم والمعاون والمدير العام والوكيل والوزير الهمام وصولا إلى النائب المنتخب بالانتخابات العامة ، أو دواوين الأمناء العامين أو حتى الرئاسات، وهذه التهم تفصل وفقا للمواقف والمقاسات، وصار الفساد مرضا معديا يصيب الجديد بتبعة القديم واستمكن كالنار في الهشيم. وهذا الحال سيستمر بفعل غياب الإرادة وتواري النوايا الحقيقية في مكافحة هذا الفساد وشيوع نوايا التواطؤ والتوطين، الحل في تغيير القوانين، وتشديد العقوبات على المخالفين، والحد الادنى للمدان فيه خمسة وعشرون عاما، وإعادة أموال العراقيين والحد الأعلى مؤبد لمن سرق المال العام أو تاجر بالمخدرات أو من يهدد الأمن العام، والعمل قدر الإمكان على تغيير مفهوم الموظف العام والعودة إلى سالف الايام عندما كان الموظف فيها، لا يملك غير السمعة وحسن السيرة والهندام، والحليم تكفيه إشارة الإبهام.