اخر الاخبار

سلاما حماة النضال العنيد /أمن جلمد أنتم / ام حديد

أغير الجلود لكم من جلود / تصارع هول العذاب الشديد (الجواهري)

إن معجزة الصمود الاسطوري التي اجترحها وما حدث في الاقبية الظلماء لجديرة ان تنقش في لوح الخلود.. (سلام عادل ) صورة صادقة يرسمها الشهداء ويدونها التاريخ في سجلاته  بأحرف من نور لتكون شاهد عيان على أتباع الشيطان، ونور يستضيء به الآخرون ليكونوا حقبة من الزمن تحتوي على مجموعة من العبر لتكون مثالا ونبراسا للآخرين، ولا تأتي هذه العبر من واقع الخيال او محض صدفة وانما جاءت عن طريق تضحيات شاقة  تحمل في طياتها لوعة الحرمان والقهر والجور, وليعلم كل من يقرأ من كل حدب وصوب مدى بعد الاضطهاد والدمار الذي قادته أيادي الطغاة الآثمة  لشعب كامل ولعقود من تاريخ العراق وما يزال هذا الشعب يعاني ما سببه أولئك العبثيون الطغاة.. ولكن عندما تنبثق فرقة كان هدفها اشباع رغبات الجلادين كان لابد وان تقف أمامهم فرقة معاكسة لصد جبروتهم المتغطرس..  وهنا نجد ان السائرين على درب الشهادة والتضحية كثيرون ورغم انه محفوف بالمخاطر لكنه درب الحرية والسلام، درب القيم والمباديء الانسانية السامية.. ان تاريخ الحزب الشيوعي العراقي هو جزء لا يتجزأ من تاريخ العراق المعاصر وشهداء مجازر الثامن شباط وما اعقبها متميزون وثابتون في المكان الصحيح المشرق من صفحات تاريخ الحزب..  (فالشهيد سلام عادل) كان يتحلى بالروح الشيوعية العالية والإيمان الثابت بقضية الشعب والطبقة العاملة والفكر الماركسي اللينيني وكيفية تطبيقه على الظرف العراقي الملموس والتصدي للتيارات الانتهازية اليمينية ومكافحة الأفكار الغريبة في صفوف الحزب، فقد كان متأثرا بأفكار مؤسس الحزب (الرفيق الخالد فهد). بعد الانقلاب الدموي عام 1963 واغتصاب ثورة الرابع عشر من تموز واغتيال قادتها شن فاشست الحرس اللاقومي حملات دموية شرسة شعواء ضد الشيوعيين والقوى الديمقراطية اضافة إلى استخدام أشد انواع التنكيل والتعذيب الجسدي والنفسي ضدهم. وتدور رحى الزمن وتسير بنا عجلة الأيام نذرف دموع الفرح تارة ودموع الحزن تارة اخرى وهي كبيرة وكثيرة تدق نواقيس الزمن الغابر في ذاكرتنا ونحن نستذكر ليالي الظلم والمعاناة والقهر ونستذكر قصص أولئك العظام من شهدائنا الابطال ونسبر أغوار بطولاتهم وتضحياتهم الجسام وتنتشي الروح حينما نستذكر ملاحمهم البطولية النادرة وكان بيان رقم (13) الدموي سيء الصيت وتضمينه بعبارة القضاء على الشيوعيين وابادتهم ليبيح لأولئك الطغاة الهمج بشكل رسمي ممارسة القتل الجماعي بين المواطنين في كل مكان من ارض الرافدين.. البيان الذي بلغ فيه عدد الشهداء أكثر من (10000) شهيد والذي صاغه المجرمون طالب شبيب وحازم جواد وشركاؤهم من ازلام البعث الفاشي.. (فهو رجل شجاع صبور في اقدامه وتضحيته النادرة وبسالته وشجاعته وكتب بدمه الطاهر سطورا ناصعة في التضحية والايثار تستحق الاشادة والتبجيل وعنده رؤية وخيال واسع يتمنى الخير للإنسانية.

كان الشهيد مزيجا من الأيقونات الملحمية لأبطال كربلاء وصور الملائكة والعمالقة ونسور الحكايات الشعبية وان تكون كل قصص البطولة والتضحية من اجتراح هذا الشاب الوسيم النحيل ذي الملامح الدقيقة المألوفة التي يتزين بها الآخرون وكأن مأساته أقسى من ان يتنعم بترف الفنتازيا.

اعتقل الشهيد في (19) شباط (1963) وقد تعرض إلى ما لا يتصوره العقل وأبدى بطولة نادرة فريدة للتصدي لزمرة جلاديه المجرمين الاوباش حتى لحظاته الاخيرة دون ان يتململ او ينال منه القتلة رافعا راية الصمود والتحدي محافظا على أسرار حزبه وأمينا مخلصا لمبادئه السامية، لم يعلن استسلامه حتى خر صريعا بسياط البغي والنذالة، لم يخون قضيته العظمى التي آمن بها ونذر نفسه لصيانتها حتى الرمق الأخير.   وعلى الرغم من تعدد الوسائل الهمجية التي استعملت في تعذيبه ليتكلم فإنه صمد بكل شجاعة ولم يترك لجلاديه فرصة النيل منه ولم يخضع لهم واستشهد تحت التعذيب المتوحش في قصر النهاية لتعلن حكومة الفاشست في التاسع من أذار أعدامه مع رفاقه بالشنق حتى الموت وقد حول المجرمون النوادي الرياضية والملاعب الاولمبية والمدارس ودور السينما إلى معسكرات اعتقال وتعذيب واعدام.

قال له الجلاد (علي صالح السعدي) ها انت وصحبك أسرى بين ايدينا عازمون على ان نبيد آخر شيوعي يعيش على هذه البلاد خير لك ان تستسلم، صن حياتك وهات ما عندك من أسرار الحزب التي تعرفها أكثر من غيرك لآنك سكرتير الحزب الاول ...اجاب بهدوء وشجاعة أنا سكرتير الحزب وما أزال ولكن لتعلم أنك تسعى نحو المحال وأن إبادة الشيوعيين امر مستحيل، ولست املك ردا على تهديداتك أفضل من الكلمات التي هتف بها قائد حزبنا فهد وهو يرتقي أرجوحة الابطال (الشيوعية اقوى من الموت واعلى من اعواد المشانق)

فعلوا به كل ما بوسعهم طرحوه مقيدا في أقبية قصر الرحاب المظلمة تركوه عاريا في المياه الآسنة الباردة حرموه من كل شيء لم يتركوا مكانا في جسده النحيل الا وعبثوا به ما يحلو لهم وما يشفي غليلهم المتعطش للدماء ثم امتدت اصابعهم القذرة إلى عينيه حتى نزفت دما (خمسة عشر يوما من صنوف التعذيب هي عمر امتحان الارادة القاسي وجلجلة الشاب النحيل الصلب) مارسوا معه انواع التعذيب التي لا تخطر ببال أحد)

أجل لقد تعبت ايادي الجلادين بعد ان نزعوا البصر من عينيه ولكنه صمد متمسكا بصيرته الأسطورية وفقئت إحدى عينيه وقال لجلاديه.. بكل جرأت وشجاعة بالغة افقأوا عيني الثانية حتى لا أرى وجوهكم القبيحة القذرة

ينقل الكاتب الفلسطيني (محمد ابو عزة) في صحوة ضمير متأخرة يروي فيها اللحظات الاخيرة من حياة الشهيد الاسطورة بعد أن لم تفلح معه كل اساليب التعذيب والترهيب بإشراف القيادي علي صالح السعدي حينما طلب منه الاعتراف كونه منته بصق في وجه المجرم المتعطش للدماء بصقة ممزوجة بالدم والألم وعلى إثر ذلك الموقف أشار السعدي وبعصبية حاقدة إلى الجلاوزة المرافقون له ومنهم ابو عزة الاجهاز على الرجل النحيل ويختم ابو عزة قوله (ولا اريد ان أسهب في كيفية اجهازنا عليه).

بعد ان طرحوا جسده النحيف المهشم أرضا على يد ذئاب أشرس دكتاتورية عرفتها البشرية وفعلوا ما فعلوا كلما يحلو لهم على ان يسكتوا قلبه الذي أرعبهم ثم سحقوه بحادلة باتجاه الحائط هذا ما ذكره أحد الوزراء الذي كان حاضرا لحفلة التعذيب المجرم (...) ففاضت روحه الطاهرة الزكية ذلك الانسان الذي بقي يتربع قلوب الآلاف ويلهمهم الصبر والصمود والعزيمة لرفاقه ولعامة الناس جميعا.. لكن قلب الاسطورة الذي عاش حياة نضالية مشرقة مشرفة.. مات شهيدا شامخا مدافعا حتى النفس الاخير من حياته واعطى مثالا ملهما لكل الشيوعيين المناضلين في نضالهم من أجل التغيير وبناء الدولة المدنية الديمقراطية والمبادئ العليا للحزب والشعب.. انها لنهاية مجيدة وصمود اسطوري كبير عصي على النسيان تخطى زمانه إلى عصره حتى استشهاده البطولي الفذ. 

ان فترة نضال الاسطورة التي امتدت إلى عشر سنوات توجها بانتصار بطولي على جلاديه ليبقى شهيدا أسطوريا في معركته الاخيرة في آذار عام 1963.

(ان حزبنا الشيوعي العراقي الذي خرج من قلب هذا الشعب والوطن وترعرع على هذه الارض الكريمة سيظل أمينا للشعب الذي أنجبه والارض التي تربى عليها، ولتسقط كل الحكومات التسلطية الغاشمة المتغطرسة عدوة الانسانية والحرية التي دفعت بالعراق إلى المهاوي المظلمة وسلمته في النهاية إلى الاحتلال الاجنبي بطبق من ذهب.. (الشهيد سلام عادل)

واليوم يناضل حزبنا الحزب الشيوعي برفاقه الابطال وكل العراقيين الشرفاء لتبديد الماضي التعيس بكل ملابساته مثلما يناضلون من أجل تحقيق استقلالهم الوطني دافعين أثمانا باهظة من دماء شهدائهم السخية على مذبح الحرية لآنهم خرجوا من رحم النضال المستميت لحزب الامل والعمل حزب الكادحين والمثقفين وستبقى دماء شهداء الحزب الشيوعي العراقي والحركة الوطنية تدق النوافذ والابواب تبشر الناس بالوطن الحر والشعب السعيد.

المجد والخلود لشهداء الحزب الشيوعي العراقي والخزي والعار الابدي إلى الجلادين الاوباش من زمرة البعث الهدام الخونة.

 (للعلم.. أحد الوزراء (وزير العمل والشؤون الاجتماعية في زمن شباط الدامي اسمه (حميد خلخال) اعرفه حق المعرفة الذي كان حاضرا لتعذيب الرفيق سلام عادل هو من اهالي طويريج قرية شطملا).

عرض مقالات: