اخر الاخبار

تضامناً مع فلسطين وشعبها بادر الرسام العراقي الشهير فيصل لعيبي صاحي إلى تصميم ملصق (أي بوستر) خلفه قصة مثيرة يجب أن تروى، من قصص حرب الإبادة الجماعية الحالية التي تشنها إسرائيل على غزة.

استخدم اللعيبي صورة الجندي الإسرائيلي وهو يطالع أطلس فلسطين الذي ألفه الدكتور سلمان أبو ستة المقيم حالياً في المنفى في الكويت، إذ أن هذه النسخة من الأطلس بالذات أهداها الدكتور سلمان إلى صديقه في غزة عبدالدايم أبو مدين زوج عايدة أبو ستة إبنة عمّ سلمان. وعبدالدايم وعايدة هما والدا ديما زوجة الدكتور غسان أبو ستة، الطبيب الجراح الفلسطيني، الذي لعب دوراً بارزاً خلال الحرب الحالية على قطاع غزة في تقديم الخدمات الطبية ومساعدة عدد كبير من الجرحى والمصابين في القطاع. فغسان طبيب مختص في جراحة البلاستيكا أو جراحة التجميل، درس وعمل في بريطانيا وعمل مدة طويلة رئيساً لقسم جراحة التجميل في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، قبل أن يعود مع عائلته إلى لندن، حيث افتتح عيادة خاصة به. وكان غسان قد تطوع لمساعدة جرحى الحروب في أكثر من بلد خصوصاً العراق وسورية واليمن، كما تطوع أكثر من مرة في غزة. وأخيراً وصل غسان إلى غزة متطوعاً في اليوم الثاني للحرب الحالية وعمل هناك في أكثر من مستشفى تحت القصف وأخيراً نجا بأعجوبة من القتل.

في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، هاجم الجنود الاسرائيليون منزل عبدالدايم ونهبوه واعتقلوا عبدالدايم واقتادوه إلى معسكر اعتقال في النقب مع عدد كبير من أبناء غزة، ثم نسفوا المنزل الكبير والقديم الذي بناه فريح أبو مدين، والد عبدالدايم وأحد وجوه فلسطين قبل النكبة عام 1948.

قبل اعتقاله أصرّ عبدالدايم بأن يسمح الجنود له للإطمئنان على أخيه عبدالمنعم الذي يقع منزله بمحاذاة منزل عبدالدايم. فقد كان عبدالدايم قلقاً جداً على أخيه، ذلك لأن منزل عبدالمنعم أصيب في ذلك الهجوم الإسرائيلي على الحي بصاروخ من الجو أو قذيفة مدفع ثقيلة. في البداية رفض الجنود وحاولوا أن يسحبوا عبدالدايم، لكنهم غيّروا رأيهم وسمحوا له، فما أن دخل إلى منزل أخيه الذي لحقت به أضرار كبيرة نتيحة للقصف، حتى شاهد جثة عبد المنعم مقطعة إرباً. ويبدو هذا كان سبب سماحهم لعبدالدايم بتفقد منزل أخيه لكي يشاهد بعينيه هذا المشهد الفظيع للنيل من معنوياته.

أما صورة الجندي الإسرائيلي والأطلس فقد التقطها زملاؤه الجنود، تعبيراً عن شعورهم بفخر مما اقترفته أيديهم، ونشروها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووضعت أيضاً على الفايسبوك والواتساب، فشاءت الصدف أن رأتها عايدة زوجة عبدالدايم التي كانت في زيارة لأديم، أبنتها الثانية في كندا، فتعرفت على قطع أثاث منزلها التي كانت في الصورة.

وبأنامل فنان مطلع جيداً على تاريخ القضية الفلسطينية، تصرف اللعيبي خلال تصميم البوستر بالصورة وركز على منظر الجندي والأطلس ذي المغزى العميق، واستغنى عن أثار الرصاص على الجدار خلف الجندي وعن قطع الأثاث والأشياء الأخرى البادية في الصورة الأصلية.

فهذه الصورة حصراً أصبحت الآن دليلاً ثابتاً على نهب الجنود الإسرائيليين لمنازل الفلسطينيين في غزة ولمنزل عبدالدايم أبو مدين بالذات، الذي كان مليئاً بالقطع الفنية ومجموعة كبيرة من المطرزات والأثواب الفولكلورية الفلسطينية التي لا تقدر بثمن جمعتها زوجته، علاوة على مبلغ مالي نقداً وصيغة الشخصية لعايدة وابنتيها ديما وأديم.

بعد أن علم ذوو عبدالدايم باعتقاله اتصلت ابنته ديما المقيمة في لندن بالمحامي جواد بولص في القدس، وكلفته بالبحث عن والدها، الذي يعاني من مرض خطير. فنجح بولص بشق الأنفس في معرفة مكان المعسكر الذي احتُجز فيه، لكن السلطات الإسرائيلية رفضت اعتبار عبدالدايم سجيناً عادياً ولم تسمح لبولص بمقابلة عبدالدايم والاطمئنان عليه. وكانت الحكومة الإسرائيلية أصدرت قراراً يتيح لوزارة الدفاع التحفظ على الأسرى الفلسطينيين من غزة وعدم السماح للمحامين بمقابلتهم.

وعبدالدايم في السادسة والسبعين من عمره، ومعروف كأحد وجوه قطاع غزة وليس له انتماء حزبي أو تنظيمي، وكان معتقلاً مع عدد كبير من المواطنين الآخرين من أبناء القطاع، ومن ضمنهم أعضاء من الطواقم الطبية في غزة. ويبدو أنه خوفاً من الضغط الدولي، خصوصاً بعد افتضاح أمر معسكر الاعتقال الأمر الذي مكن المحامي بولص للاتصال بالمسؤولين الإسرائيليين طالباً مقابلة عبدالدايم، قررت السلطات الإسرائيلية الإفراج عن المعتقلين في المعسكر فأعيدوا إلى قطاع غزة.

وهكذا أصبح عبدالدايم من دون مأوى مشرداً في جنوب غرب القطاع مع مئات الآلاف من الغزيين، الذين تم تهجيرهم من شمال غزة. ونجح عبدالدايم في الوصول إلى عائلة صديقة له غرب القطاع، فاستضافوه عندهم. لكن متاعب عبدالدايم لم تنته عند هذا الحد، ففي الأسبوع الماضي، وبالذات يوم الأربعاء 6 آذار (مارس) الحالي تعرض المنزل الذي يقيم فيه عبدالديم إلى هجوم إسرائيلي بالمدفعية الثقيلة، فنجا هو من الهجوم بأعجوبة، فيما قتل خمسة أفراد من أبناء العائلة المضيفة.

عرض مقالات: