احتوى التقرير على (89) صفحة تناولت التطورات التي حصلت بعد المؤتمر العاشر داخليا وخارجيا. إن تقريرا بهذا الحجم لن يجد قراء كثر وتحديدا بين الشباب، لأنني افترض انه كتب ليس لعدد محدود من مندوبي المؤتمر وهدفه أبعد من حدود اطلاع المؤتمرين، واقترح اما تقليص التقرير بحيث لا يتعدى صفحات قليلة او الحاقه بخلاصة مكثفة لابرز ما جاء فيه من فقرات.
1- تناول التقرير ثلاث قضايا رئيسية: القضية الأولى ما حدث من تطورات على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بعد المؤتمر العاشر مثل قضايا الصحة والتعليم والخدمات والسياسة المالية والنقدية والنفط والعلاقة مع الإقليم الخ من تلك القضايا، ولم اتناول في مداخلتي هذه أي جانب منها لان تحويل تلك المهمات والتحديات إلى حلول على أرض الواقع تتجاوز إمكانيات الحزب فهي مرتبطة بتوجهات السلطة الاتحادية وسلطة الإقليم وسلطة الحكومات المحلية. أما القضية الثانية فتناول التقرير الموقف من القضايا العربية والعالمية التي هي أيضا خارج نطاق اهتمامات هذه المداخلة. والقضية الثالثة وهي التي ركزت كل مداخلتي عليها تتعلق بالمهمات والتحديات التي تواجه الحزب في هذه المرحلة.
2- ما جلب انتباهي حقا هو خلو التقرير تماما من النقد الذاتي وغلبة الرضا عن النفس طيلة الصفحات التسع والثمانين، وهذا أمر غريب يستوجب التوقف عنده، لأنه من غير المعقول ولا من مستلزمات البحث الماركسي أن تعصف بالعراق أحداث جسام كالتي مر بها خلال السنوات الخمس الماضية ومواقف الحزب كلها تتميز بالرصانة ولايمسها لا من قريب او بعيد أي نقطة ضعف أو حتى خطا في التحليل، ولا يقلل من هيبة الحزب أو دوره حين يعترف بارتكاب هذا الخطا في هذا الموقف أو ذاك بل العكس سيلقى كل الاحترام والتاييد من قطاعات شعبية واسعة وبشكل خاص من قطاع الشباب . وسأتطرق بشيء من التركيز والاختصار لعدد من المواقف عكست تسرع قيادة الحزب في بعض تحليلاتها وتوجيهاتها ما ترك تاثيرا كبيرا على دور وعلاقات الحزب مع “ التشرينيين “ وغيرهم. واعتقد جازما أن أجواء عقد مؤتمر الحزب هي الأنسب في المكاشفة التي ستمد الحزب بقوة دافعة لتجاوز صعوبات وتعقيدات المرحلة الراهنة. ومن هذه المواقف:
- إن اعتماد مبدا “ دعم ومعارضة “ أي” دعم كل اجراء تقدم عليه الدولة ومؤسساتها وسلطاتها الثلاث، ينطوي على ما فيه مصلحة للناس، وخدمة للوطن وتقدمه وازدهاره وتحقيق أمنه واستقراره وسيادته الكاملة وقراره الوطني المستقل. وإنه سيعارض ما يتقاطع مع مشروعه الوطني الديمقراطي، ومع الانحياز إلى المواطنين والكادحين منهم بشكل خاص”، ان تبني هذا المبدأ سبب الكثير من الخسائر للحزب والشعب فالفاسدون لا يمكن ان يكونوا مصلحين، ومن كان طرفا رئيسيا في المحاصصة والفساد لا يمكن ان يكون طرفا في الحل.
- رغم ميل الشارع العراقي لمقاطعة انتخابات عام 1918 وهذا ما حصل فعلا، فان قيادة الحزب أصرت على المشاركة فيها في ظل قانون انتخابي جائر يكرس سيطرة الكتل المتنفذة أصلا ومجلس مفوضية منحاز بوضوح لارادة تلك الكتل، ونتائج تلك الانتخابات المزورة باعترافات قادة تلك الكتل تعكس مقاطعة جماهيرية واسعة لتلك الانتخابات.
- صدور بيان المكتب السياسي وتعليمات لتم عشية انتفاضة تشرين عام 1919 تحذر من الاشتراك فيها لوجود شبهات باستغلال قوى داخلية وخارجية تحمل اجندات معادية الخ من الشكوك. ان الاعتراف بهذا الخطا ولو بوقت متأخر يعطي رسالة إيجابية ارتباطا بسلوك الحزب اللاحق وتقديمه تضحيات غالية خلال مساهمته اليومية الفاعلة في الانتفاضة.
- حول تحالف “ سائرون “ فبالرغم من إقرار التقرير “ وأحد اهم الدروس في تجربة سائرون ان هناك قضايا معينة يمكن التنسيق والتعاون بشأنها، من دون دفع ذلك إلى أطر تحالفية “ وهو اعتراف ضمني بخطا هذا التحالف الذي أكدته مجريات الأمور اللاحقة، فان الحزب لجا إلى تبرير الدخول في التحالف باسباب واهية جدا مثل ضيق الوقت ومساهمة التيار الصدري في الحراك و اجراء استفتاء حزبي الخ والاغرب ان التقرير اعتبر تحالف سائرون هو التحالف الوطني الواسع وهذا التشخيص يجانب الحقيقة تماما اذ أنه عدا التيار الصدري والحزب الشيوعي فلا جماهيرية تذكر لبقية الأحزاب الأربعة المؤتلفة واكبر برهان هو الانتخابات فلم يحصل أي منهم على مقعد في البرلمان .
- لم تطرح انتفاضة تشرين في البداية سوى شعارين: “ نريد وطن “ و “ نازل اخذ حقي “ وبعد الضغوط والتدخلات من خارج صفوف الانتفاضة وداخلها أيضا طرحت شعارات كثيرة تتعلق بحكومة مؤقتة وحل البرلمان وإصدار قانون جديد للانتخابات وتبديل المفوضية الخ في هذه الأجواء الملبدة طرح الحزب خارطة عمل لتلبية مطالب تشرين وهي الخارطة الأغرب لان الحزب استند في خارطته على الدستور فاقترح ان يقوم البرلمان بإصدار قانون يلبي متطلبات الثوار وياتي بمفوضية مستقلة حقيقية إضافة إلى مقترحات وإجراءات كثيرة أخرى. ورفعنا رسائل إلى الحزب مفادها ان هذا البرلمان غير مؤهل لمثل هذه المهمات لانه جهاز فاسد أصلا ومقترح الحزب ينطبق عليه المثل الشعبي “ ودع البزون شحمة “ وهذا ماحصل اذ تم الالتفاف على الانتفاضة من خلال قانون جديد جائر يكرس سيطرة الكتل الفاسدة ومفوضية رغم شكلها القانوني الا أنها جزء من منظومة المحاصصة.
3- ان إعادة صياغة التقرير السياسي المقدم إلى المؤتمر الحادي عشر باعتماد لغة نقدية تتنسجم مع منهجنا في التحليل ستكون عامل دفع قوي لمنظاتنا التي تواجه مهمات كبيرة في المرحلة القادمة وما قدمته من ملاحظات نقدية لبعض الإجراءات الحزبية لا يلغي الجهود الكبيرة التي بذلها الحزب في ظل الظروف المعقدة التي تحيط ببلدنا.