طرح الحزب الشيوعي العراقي مسودة التقرير السياسي المقدمة الى المؤتمر الوطني الحادي عشر للحزب للمناقشة العامة، وبودي تسجيل ملاحظات محددة، مرتبطة بالتغيير المنشود الذي افردت له الوثيقة مساحة ضافية.
في البدء لا بد من الإشارة الى سعة وغنى الوثيقة في جانبي التوثيق لاهم الاحداث والمنعطفات التي شهدتها البلاد، مع عرض تفصيلي للازمة الاقتصادية – الاجتماعية المتعمقة في البلاد. لقد أدى ذلك الى التعامل مع نص طويل بشكل غير مسبوق يصعب على المتابع مناقشته في مساهمة محدودة، كما ان مهمة مندوبي المؤتمر سوف لن تكون سهلة في تقديم خلاصات مكثفة في الدقائق المتاحة للمتحدث في مثل هذه الفعاليات.
ليس غريبا ان تعتمد لجنة اعداد المسودة على وثائق الصادرة في السنوات التي أعقبت انتهاء اعمال المؤتمر الوطني العاشر، ولكن اعتقد ان اخذ فقرات بالكامل كتبت قبل حدث مفصلي كالانتفاضة، يجب ان يصحبه إعادة في صياغة هذه الفقرة او تلك، ارتباطا المتغيرات التي شهدتها سياسة الحزب وخطابه، على الأقل منذ تعليق مشاركته بالانتخابات، ومقاطعته إياها لاحقا، فضلا عن انه حتى المواقف الصحيحة تتطلب إعادة صياغتها وفق احدث المتغيرات، ويمكن الإشارة الى ما ورد في الجزء الأخير من الفقرة 77 : « وضرورة اليقظة والحذر من محاولات قوى الفساد والمحاصصة، الهادفة إلى حرف الانتفاضة عن أهدافها وسلميتها، وتأليبها ضد الأحزاب والقوى والشخصيات التي وقفت إلى جانبها وشاركتها في الفعل والقول، وقدمت التضحيات والشهداء على طريق تحقيق أهدافها العادلة» لقد حدث تغيير إيجابي في مواقف أوساط ليست قليلة من المنتفضين بهذا الخصوص.
لقد شكلت الانتفاضة حداً مفصلياً في مسار العملية السياسية والصراع السياسي والاجتماعي الدائر منذ 18 عاما على شكل ومضمون الدولة في العراق، وهذا يستدعي، وفق رايي المتواضع، مراجعة سياسة الحزب المعتمدة منذ الغزو واسقاط الدكتاتورية، واستخلاص الدروس مما هو إيجابي، وتجاوز عدم المنتج منها، فالتغيير الذي يسعى الحزب لتحقيقه بالاشتراك مع قوى المجتمع الحية، ستوجب هذه المراجعة لتعزيز خطاب الحزب ومواقفه. ولم يعد كافيا، كما هو معتاد، مراجعة وتدقيق سياسة الحزب ما بين مؤتمرين فقط، فالتغيير المنشود يتطلب اعتماد الدقة والوضوح وتجنب الصياغات القابلة للتأويل وهي إشكالية عانت منها سياسة الحزب وخطابه طيلة هذه السنين.
من المفيد التأكيد على ان الحزب ساهم بشكل أساس في إعادة ثقافة الاحتجاج الى الشارع العراقي، ولعب دورا اساسيا في احتجاجات 25 شباط 2011، وكذلك في احتجاجات 2015، ويمكن القول ان الحزب من القوى السياسية المنظمة ذات المشاركة الفاعلة في الانتفاضة، والتي قدمت شهداء وجرحى ومتضررين، وبالتالي، فان إحلال فكرة «الانحياز لانتفاضة شعبنا» بالمشاركة الفاعلة فيها، وابدال مفردة الانحياز أينما وجدت في النص بما يعكس فعل المشاركة. ومن الضروري ان يوثق التقرير السياسي أسماء شهداء الحزب. ويمكن ان يأتي ذلك في سياق استكمال الفقرة 70 في نص المسودة.
تحالف سائرون
شكل تحالف سائرون تجربة استثنائية، ووفق قناعتي بنيت على موضوعات نظرية مغرية، كان يفترض ان تؤدي الى فتح في السياسية العراقية، ولكن المسار العملي للتحالف طرح حقائق أخرى لا يمكن تجاوزها بالركون الى القراءات النظرية، او طبيعة البرنامج السياسي الجيد الذي تبناه التحالف. لقد جاءت مجريات الانتفاضة ومشاركة الشيوعيين فيها، ونقدهم الصريح لعجز البرلمان امام العنف الذي مورس ضد شبيبة الانتفاضة وتسبب في استشهاد العديد منهم، الى استقالة الرفيقين رائد فهمي وهيفاء الأمين من البرلمان العراقي، ومغادرة الحزب عمليا تحالف سائرون. وقد جاء في الفقرتين 17 و19 في المسودة سرد الى المآل الذي انتهى اليه التحالف، والذي يعني عمليا فشله في الاستمرار والتطور. ولا يلغي هذه الحقيقة رؤية ان تجربة سائرون بكل ما لها وما عليها يمكن ان تكون مادة للدراسة، في حال تبلور ظروف جديدة للأقدام على تحالفات واسعة بين قوى متباينة فكريا. لذلك أجد ان من المفيد ان يشير التقرير السياسي الذي سيصدر من المؤتمر الى فشل التجربة، الذي لا يعني باي حال من الأحوال الدعوة لمواقف متطرفة، او الى حالة من الانغلاق على القوى الأخرى، ولكنه يخلق وضوح مطلوب لكي ينسجم مع مسعى تجميع قوى التغيير الذي يسعى أليه الحزب مع قوى الانتفاضة وقوى التغيير الأخرى.
موضوعة في غاية الأهمية
جاء في الفقرة ( 27) ما يلي: « وأحد اهم الدروس في تجربة سائرون ان هناك قضايا معينة يمكن التنسيق والتعاون بشأنها، من دون دفع ذلك إلى أطر تحالفية، لأنها تحتاج إلى مقاربات أخرى لها علاقة بمنهج الأداء السياسي وطبيعة الأطراف ونمط ادارتها، ولا يكفي في هذا الشأن تشابه المنحدر الاجتماعي لطبيعة جمهور القوى المتحالفة»، تكمن أهمية هذه الفقرة ليس فقط في تأكيد ما اشرت اليه فقط، بل يمكن ان تشكل أساس لمناقشة آنية ومستقبلية للخروج من ذهنية ثنائية الاختيار، وعدم السعي لبديل ثالث التي طبعت سياسة الحزب في العقود التي تلت انقلاب شباط الأسود 1963 ، أي التفكير في احتمالين متضادين واختيار افضلهما، والمثال الأقرب تاريخيا هو ثنائية المشاركة في مجلس الحكم، كخيار افضل من المشاركة في المقاومة المزعومة للاحتلال الذي مارسته بقايا البعث المتحالفة مع منظمة القاعدة الإرهابية، وقد كنت حينها مؤيدا بقوة للمشاركة في مجلس الحكم، في حين ان اهمال الخيار الثالث،، وهو المعارضة السلمية للنظام السياسي. ففي اطار ذهنية الثنائيات حرم الحزب من إمكانية بناء تراكم لبديل ثالث، ربما كان سيكون منتجا اكثر من تجربة المشاركة التي عشناها، ولعل تجربة الرفاق السودانيين التي لا تزال حاضرة بقوة خير مثال على ذلك. وبالمناسبة ان هذه الثنائية طبعت أداء الكثير من الأحزاب الشيوعية قبل وبعد انهيار التجربة الاشتراكية.
وقفة مع الانتخابات البرلمانية
جاءت النتائج لتؤكد صحة موقف الحزب في مقاطعة الانتخابات، الذي جاء منسجما مع حالة الرفض الشعبي، الذي يعكس مرارات الملايين خلال 18 عاما هي عمر نظام المحاصصة والفساد. ، رغم الحراك الذي عكسه حصول بعض قوائم المنتفضين على نتائج لافته، حملت معها وجوه يسارية وديمقراطية الى البرلمان الجديد.
ان هذا الحراك المتحقق لا ينفصل مطلقا عن تأثيرات انتفاضة تشرين 219 البطلة. وهنا لابد من الإشارة الى ان فعل المقاطعة كان واضحا، ضمن أمور أخرى، في تحديد، مساحات حركة القوى المتطرفة، في استخدام اساليبها السابقة على نطاق واسع، بمعنى آخر لا يمكن فهم الحراك السياسي، بالنسبة لحزبنا، بعيدا عن فعل المقاطعة، الذي مثل انتقاله سياسية نوعية ومنظمة للتعامل مع النظام السائد.
من الضروري ان تحظى هذه الحقيقة بالدراسة من قبل الحزب وقوى معسكر التغيير، في اطار مراجعة تفصيلية واسعة وشفافة لتجربتها السابقة، لان الدرس الهام الذي افرزته الانتخابات، ان الناخب العراقي الساعي للتغيير مختلف اليوم كليا، ولم تنجح الأساليب النخبوية، والآليات والذهنيات التقليدية في الحصول على صوته، وان على من يسعى لكسب صوت هذ الناخب ان يجدد من أساليبه وخطابه وسياساته، على أساس قراءة فكرية، وتجديد شباب الهيئات القيادة، وعموم كادر الحزب.
ما حدث، على تنوعه سلط الضوء على الإمكانيات التي يمتلكها مشروع الحزب ، وقوى اليسار والقوى المدنية الديمقراطية ، ويفتح افاقا جديدة للحزب، وقوى التغيير، شريطة قدرتها على الوصول الى خطاب يؤكد على المشتركات ولا يلغي التنوع وعلى أساس من التساوي في التعامل مع بعضها البعض، فالانتخابات اكدت خسارة كل المتنفذين لقواهم التصويتية السابقة، بنسبة تراوحت بين 50 – 80 في المائة، أي ان هذه القوى فقدت شرعيتها الجماهيرية، رغم تصدر بعض الكتل المشهد الانتخابي، لامتلاك بعضها مساحة تكتيكية واسعة، وفرها قانون الانتخابات المعتمد، فيما استفادت كتل أخرى من الاستقطاب والشخصنة، داخل الإسلام السياسي «الشيعي».