في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي وخلال وجودنا في صفوف الحركة الانصارية وفي فصيل الاعلام يبلغنا الفقيد عبد الرزاق الصافي وباعتباره عضوا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي ومسؤول الاعلام المركزي بأن نتهيأ انا والنصير لطيف حسن (أبو واثق) للذهاب الى العمل في إذاعة الحزب الاشتراكي الكردستاني في شوشان العليا.
نحط الرفيق لطيف حسن وأنا ضيوفاً على الحزب الاشتراكي الكردستاني، هو بصفة محرر، وانا بصفة مذيع، وفي احايين اعد المواد الاذاعية ايضاً.
نمضي ما يقارب العام في هذه الإذاعة التي كان مسؤولها المباشر السيد سعد عبدالله، القيادي في الحزب الاشتراكي الكردستاني والذي اصبح فيما بعد وزيراً للزراعة في إقليم كردستان في اعقاب التاسع من نيسان 2003 واخيراً استشهد بسيارة مفخخة وسط أربيل، ووفاءً لذكراه اطلق اسمه على احدى القاعات المشهورة في أربيل. وخلال هذا العام الذي جمعنا سوية. كنا نقرأ ونتحاور ونتبادل الكثير من الخصوصيات. حدثني عن مشاركاته المسرحية ببغداد في اطار فرق مسرح الفن الحديث يوم مثل دور “أنور” في مسرحية “مسألة شرف” لكاتبها عبدالجبار ولي ومن اخراج الفنان المبدع بدري حسون فريد، وقد قدمت في الكويت في النصف الأول من آذار عام 1967 وبغياب مخرجها، وعن تمثيله لدور – خلدون – في مسرحية “صورة جديدة” للكاتب يوسف العاني وإخراج الفنان القدير سامي عبد الحميد والتي قدمت من قبل فرقة المسرح الفني الحديث وتحديداً في الحادي والعشريين من كانون الأول عام 1967.
حدثني عن مسرح السجون ودور الشيوعيين في انعاش مثل هذا المسرح في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي وكيف ان مسرحيتي “المفتش العام” لغوغول و”افول القمر” لجون شتاينبك قدمت في السجون قبل تقديمها في المسارح الكلاسيكية. ومن ارض الوطن اسمع منه الكثير عن الفنان شهاب القصاب والفنان الكوميدي البارع جعفر لقلق زادة.
حدثني عن اعتقاله عام 1963 في ملعب الإدارة المحلية في المنصور والى جانب الفنان يوسف العاني وجمهرة من المثقفين اليساريين وما مروا به من حفلات تعذيب بشعة ويومية على ايدي الحرس اللاقومي والبعث المجرم. وقد جسد الفنان يوسف العاني في مسرحيته الشعبية “اويلاخ يابه” بعضاً من تلك الملاحم البطولية والتحديات، ونشرت المسرحية قبل أعوام في كتاب يتضمن سيرة وتجربة العاني وتحت عنوان (فنان الشعب).
نختلف احايين، فهو ممن لا يهتم كثيراً بمظهره الخارجي وملبسه الكردي الشروال أمزح واياه في لحظة واتساءل:
انت دمث الاخلاق، مربوع القامة، ألم يخبرك احد ان ثمة شبه في ملامح وجهك مع الهنود او الأفغان رغم انك من أصول كردية؟!
يبتسم ويرد قائلاً وبالعامية: هاي شلك بيهه؟!
هو من مواليد 1945 ومن مدينة كلار.
ذات ليلة اخبرني ان الحزب أرسله في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي الى دورة حزبية في المانيا، لتطوير كفاءاته الفكرية والسياسية.
في بغداد وخلال فترة الجبهة الوطنية تراه متفرغاً للعمل الحزبي في خط المثقفين، ينتقل ما بين الفرق المسرحية الاهلية “الفن الحديث، المسرح الشعبي، فرقة مسرح اليوم” يتابع الرفاق ويحمل اليهم الادبيات ويتفقد أوضاعهم.
يضطر لمغادرة العراق في مطلع عام 1979 الى بلغاريا هرباً من بطش السلطة الدموية بعد وصول الجبهة الوطنية الى طريق مسدود.
يلتحق بصفوف الحركة الانصارية المسلحة، وتجمعنا الأيام في منطقة ناوزتك عام 1981 في جبل شاه جيو حيث مرسلات إذاعة صوت الشعب العراقي تبث من هناك. ومن ابرز الوجوه الإعلامية التي عملت في الاعلام والإذاعة نذكر الأنصار عواد ناصر، كاظم الموسوي، مهدي عبدالكريم، حمه رشيد، الراحل دلزاد، رفيق صابر، هاشم كوجاني، محمد رنجاو وأبو دلشاد وعذراً لمن فاتني ذكر اسمه بعد مرور أربعة عقود على تلك الأيام.
ولورود معلومات عن إمكانية قيام النظام الدكتاتوري الدموي بالهجوم على منطقة ناوزك والإذاعة، تتخذ الإجراءات السريعة لنقل الإذاعة الى حوض بشت اشان في خريف عام 1981 وتتوقف الاذاعة عن البث لحين وصول أعضاء المكتب السياسي للحزب وأعضاء المكتب الإعلامي المركزي.
وخلال احداث بشت أشان تعرض النصير لطيف حسن للأسر من قبل قوات الاتحاد في اعقاب الهجوم على مقرات الحزب والإذاعة في الأول من أيار عام 1983.
خلال وجوده في الحركة الانصارية يلقي العديد من المحاضرات عن تاريخ المسرح العراقي وبداياته كما يساهم في اعداد النصوص المسرحية ومنها “الغجر يصعدون الى السماء” لبوشكين والتي أخرجها الفنان سلام الصگر لتكون تجربة ثرة ونادرة تفيض بما هو شاعري.
عام 1988 يتوجه عابراً الحدود الى أفغانستان ومنها الى الاتحاد السوفيتي ثم الى دمشق ويتعرف على شريكة حياته فيها ويحط اخيراً في الدنمارك مع زوجته السورية.
يتفرغ للكتابة عن الأنصار، نطالع له كراساً بعنوان (الصحافة الدفترية للأنصار الشيوعيين 1980- 1988) ومن مقدمة هذ الكراس نقتطف ما يلي:
“لماذا صدرت الصحافة الدفترية”
قبل اكثر من ثمانية عشر عاماً، تناولت هذا الموضوع باختصار في مجلة “الثقافة الجديدة” عدد تموز 1990 بمناسبة يوبيل الصحافة الشيوعية في العراق. وتناولت ضمن المقالة الصحافة الدفترية ومتى أصدرها الشيوعيون بهدف النظر في وقتها الى هذه الممارسة الثقافية الفريدة والخاصة والدعوة للاهتمام بما تستحقه كتجربة رائدة.
ولكي لا ننسى هذه التجربة، عدت الى موضوع الصحافة الدفترية للأنصار الشيوعيين مجدداً عام 2005 ونشرت ببلوغرافيا كاملة تقريباً لهذه الصحافة بسلسلة من الأجزاء في الموقعين الالكترونيين “الطريق” و “الناس” واليوم اجمع ما نشرته حول هذه الصحافة في هذا “الكراس”.
وفي مكالمة هاتفية مع الفنان علي رفيق الذي يقيم في لندن ولغرض تقديم التعازي له نظراً لما تربطهما من علاقة حميمة منذ عقود وعقود، حدثني عن معلومات إضافية تتعلق بسيرته وعائلته وعرفت منه ان له كريمة لها من العمر خمسة وعشرين ربيعاً واسمها سارة وقد انهت قبل أسابيع دراسة الماجستير في الهندسة وان الرفيقة النصيرة – أستيرا – التي كانت تعمل في اعلام الحزب، كانت على مقربة منه حينما فارق الحياة ومن خلالها كانوا يتابعون وضعه الصحي الذي ساء كثيراً في الأشهر الأخيرة.
لكم هو محزن رحيلك يا رفيقي.
لكم هو محزن ان تموت بعيداً عن الوطن.
ايها الإعلامي والفنان المثابر والدؤوب، والذي ظل وفياً وفياً لمثله ومبادئه.. دون ان يساوم او يهادن.
عهداً ان نواصل الدرب.
وصبراً جميلاً للعزيزة – سارة – ولكل محبيك ومعارفك.