اخر الاخبار

يشهد نصب الحريَّة والمنطقة المحيطة به وحديقة الأمّة خلفه، محاولات للتطوير وإعادة الألق لتلك المنطقة الحيوية والفاعلة التي طالما ارتبطت بآمال وطموحات الجماهير وتوقها للحرية والتحرر، وبالنظر لأهمية المنطقة رمزيًا وتاريخيًا ووطنيًا، ما زال هاجس الخوف والقلق ينتابنا، كلما تصدت الجهات الرسمية لمثل هذه المشاريع التطويرية التي لها مساس مباشر بالرموز والمعالم التعبيرية والإبداعية ذات البعد المزدوج ـ الجمالي والوطني ـ بالنظر للخطل الذي رافق عمل الكثير من تلك المشاريع ـ التطويرية ـ سابقًا.

إن مصدر هذا القلق منبعث، في الغالب،  من عدم تخصص الجهات المشرفة على تلك المشاريع، وعدم اصغاء المسؤولين الجدد لتوصيات وأصوات المختصين والمثقفين، وليست بنا حاجة للتذكير بالمشاريع المماثلة أو ذات الطبيعة ـ التطويرية ـ التي فُجع العراقيون عمومًا والمثقفون وذوو الاختصاص بنتائجها المخزية والمسيئة.

وعلى الرغم من إيماننا بصدق نوايا بعض الجهات القائمة أو المسؤولة عن مثل هذه المشاريع، إلّا أن الأمر لا يخلو من خطورة وحساسية مفرطة، بالنظر لأهمية النصب والحدائق العامّة وقيمتها الرمزية وارتباطها في الوجدان الوطني العراقي، الأمر الذي يتطلب من القائمين على ذلك التطوير إعادة التفكير مرة واثنتين وثلاث، واستشارة المختصين من نحاتين ومهندسين معماريين وتشكيليين ومؤرخين، قبل الشروع بتنفيذ مخططاتهم، لأن تلك النصب والأماكن العامّة ليست ملكًا لأحد معين أو جهة سياسية ما أو مسؤول حكومي طموح، بل هي مُلك للشعب بعامة وتاريخه النضالي وقيمه الوطنية، ولا يحقّ لأحد التصرف بها كيفما يشاء ومن دون مساءلة أو تمحيص.

إن المنطقة المحصورة بين ساحة التحرير غربًا وساحة الطيران شرقًا وسط بغداد، ليست مجرد مساحة عمرانية أو تجارية أو حديقة عشوائية، يمكن رصف ممراتها بالأحجار وزرعها بالنباتات بأية طريقة، بل هي مساحة جمالية وإبداعية صرف، حوّلها نصب الحريَّة، الذي يشكل بوابتها الغربية، وجدارية فائق حسن التي تشكل طرفها الشرقي، إلى محمية وطنية، قبل أن تعفرها دماء الشهداء وتضيف لها البعد الرمزي والنضالي الطاهر.

إن المتصدي لتطوير حديقة الأمّة والنصب والمعالم القائمة فيها، لابد أن يأخذ بنظر الاعتبار تلك القيم الثمينة والمهولة  في عمله، بل يتوجب عليه إضافة أبعاد جمالية ورمزية جديدة، وفقًا لرؤية إبداعية ووطنية خالصة، مثل اختيار مكان مناسب لنصب ذي مرموزات عالية يمثل ثورة تشرين، ويتضمن مدوّنة تحمل أسماء الشهداء الثمانمائة الذين رووا بدمائهم الزكية أديم المكان، وتحولوا إلى رموز خالدة، إضافة إلى ما كانت الحديقة والساحة تحتويه من نصب وتماثيل وحدائق ومتحف صغير، بالإضافة إلى تمثالين بالحجم الطبيعي لكل من جواد سليم وفائق حسن.

وبالنظر لموقع الساحة والحديقة المركزي في العاصمة، ودورهما المحوري والرمزي في التظاهرات والاعتصامات المطالبة بعراق حرّ خال من دنس الطائفية والفساد والمحسوبية والمحاصصة، لابد أن تتحول حديقة الأمّة إلى فسحة ـ بارك ـ للتعبير عن الآراء بحرية مطلقة، على الجهات الحكومية ضمانها وحماية كل من يرغب بممارسة حقه في التعبير عن رأيه.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

إفتتاحية “الطريق الثقافي” العدد 110