اخر الاخبار

الشعب العراقي شعب الاساطير والملاحم والبطولات الخارقة وهو ايضا ساحة المنازلات الكبرى عبر التاريخ، هو الذي علم البشرية اصول الكتابة ولوائح القوانين والدساتير ومناهج العلوم والمعارف وكذلك علمها اصول الثورات والانتفاضات ضد الغزاة والمحتلين.

من يقرأ السفر العراقي سيجد ان تاريخه سجل ناصع في وعي الحرية، وقد تخلص عبر عشرات القرون من كل البرابرة والغزاة والمحتلين الذين وطأوا هذه الارض المقدسة لان العراق كان يشكل بالنسبة لهم سرة الكون ومن يضع يده على هذا البلد يمتلك مفاتيح ابواب الشرق والغرب.

لا غرابة ان تأتي امريكا والغرب الامبريالي الى هذه البقعة من الارض كي يدنسوها كما حصل في السابق.

 وما حصل في عام 2003 بذرائع واهية منها امتلاك البلد اسلحة نووية وكيمياوية. اسقطوا دكتاتورا ليس حبا بالعراقيين وتحريرهم من طغيانه بل ليشعلوا الفتن ويثيروا الطائفية والشوفينية ويسلطوا على هذا الشعب اراذل القوم، كي يوغل سياسيو الصدفة الجدد بسرقة ثرواته وتخريبه وتشويه ماضيه وحاضره ويرسموا تاريخا جديدا له من خلال دس الاكاذيب وتسليط اقوام غريبة هجينة كانت سائبة بين البلدان وتسليطها على اصلاء هذا الشعب لاذلاله.

ما حصل في العراق بعد عام 2003 لم يحصل في اي بلد آخر عبر التاريخ فقد تسلط عليه سياسيو الولاء والكثير منهم ربطوا ذممهم الى بلدان الجوار وساهموا بشكل كبير في تخريب هذا البلد وسرقة اموال شعبه واثارة النعرات الطائفية ولم يكن هؤلاء السياسيين سوى مجموعة مرتزقة يعيشون على فتات الموائد في البلدان الاجنبية وقد جند معظمهم في المخابرات الاجنبية والايرانية والسعودية والصهيونية،  وعملوا على تدمير الاجهاز على ما تبقى من هذا البلد عبر احتضانهم للعناصر الارهابية من القاعدة وداعش الذين خربوا معظم مدن العراق بالقتل والاغتيالات وتفجير السيارت الملغمة والعبوات الناسفة وسرقوا اموال ابناء طائفتهم الذين ما زالوا يعيشون نازحين في المخيمات وتحت السماء في العراء.

لم يقف العراقي مكتوف اليدين وهو يرى الخراب على قدم وساق في كل مفاصل الحياة، فثار بوجه النظام السياسي القائم ما بعد 2003 ، نظام المحاصصة الطائفية والاثنية وتحمل ما تحمل من ملاحقات وقتل على الهوية وتغيير ديموغرافية البلد فتصدى للطبقة السياسية الحاكمة ومن خلال ما يمنحه الدستور له من حق التعبير عن الرأي من تظاهر واحتجاج، ابتدات منذ السنين الاولى للاحتلال ولكنها تعاظمت وجودا في ساحات الحرية منذ عام 2010 وحتى يومنا هذا.

لقد توج العراقيون نضالهم البطولي في ملحمة تشرين الثورية الخالدة عام 2019 والتي ما زالت مستعرة لحد اللحظة، ساهمت هذه الثورة في اسقاط حكومة فاسدة وباغية ، لكن التف السياسيين العملاء كالثعالب على الثورة وشُكلت  الحكومة وفق المحاصصة الطائفية والاثنية. وهذا ما كنا وما نزال نجنيه منذ اكثر من سنتين من دمار وخراب وتفشي السلاح المنفلت وتهديده للمجتمع وتعاظم الفساد الذي لا يستطيع أحد الوقوف بوجهه ونقص الخدمات وعطش البلاد.

لقد سقطت ورقة التوت عن عورات الطبقة السياسية الظالمة وبانت وكراهيتهم للعراق والعراقيين وولاؤهم لبلدان الجوار ايران والسعودية والصهيونية، وربط العراق بماكنات الاحلاف الغربية والاطماع الامبريالية وسمحت بتدخل كل البلدان في توجيه سياسة هذا البلد.

 وهذه ظاهرة لم تشهدها كل بلدان العالم، بان ذلك جليا بعد انتخابات تشرين عام 2021 ولا تزال الحكومة الجديدة لم تتشكل حتى يومنا هذا لانهم يريدونها على مقاساتهم، وان يتقاسموا الكعكة بينهم بالتساوي ويحرموا الشعب العراقي من اي خير قد يصيبه.

تشرين لم تكن حدثا عابرا، بل ترسخت في ضمير الشعب واصبحت شفرة جينية يحملها العراقي في خلاياه وروحه وهي التي نبهت ودقت الاجراس الى عدم صلاحية الطبقة السياسية وعليه يجب العمل كل يوم من خلال ابناء تشرين الابطال على الخلاص من هذا النظام السياسي ا بالطرق السلمية وبناء نظام سياسي قائم على العدالة الاجتماعية والحرية والمدنية. نظام يشعر العراقي بانه مواطن حر وليس عبدا الى الاوهام والخرافات التي تشيعها هذه الطبقة السياسية واغراق المجتمع بالجهل من اجل ان يبقى الشعب اعمى ولا يرى غيرهم.

لن يهنأ السياسيون بكراسيهم الوثيرة التي استحوذوا عليها بالباطل والتزوير كي يضعوا ايديهم على مقدرات هذا الشعب ويتحكموا بمصيره.

وتشرين تزور مسوخ السياسة في احلامهم لتجعلها كوابيسا يفزون من نومهم صارخين وقد تيبست افواههم من الرعب. لكن هذه الطبقة السياسية لن ترمي اسلحتها بسهولة فهي ما زالت ممسكة بسلطة البلد وامواله وتشيع الرعب بين المواطنين من خلال سلاحها المنفلت وتستند في شرعيتها على فتاوي المؤسسات الدينية التي هي خير عون وسند لها ومن يحميها شرعيا وقانونيا من غضب الشعب. لم يعد تشرين شهرا من اشهر السنة بل هو كل أيام السنة واي احتجاج او تظاهر في أي يوم إنما هو يوم من ايام تشرين . ثورة تشرين هي النبض العراقي الجديد وهي الروح العظيمة التي ولدت من هذه الملحمة الاجتماعية البطولية التي وقفت لها كل البشرية احتراما وتبجيلا.

ثورة تشرين تتوحد اصواتها كل يوم يمر وتعلو وستكنس كل النفايات التي جاء بها الاحتلال الامريكي والعقل الصهيوني، قد يسكن العراقي ويقف جامدا كالتمثال برهة من الزمن لكنه ينفجر فجأة ويقلب عاليها سافلها.

درس تشرين يبقى حاضرا في كل العصور ، انه عنوان عراقي مشرق كبقية العناوين التي تحفظها البشرية في ذاكرتها، وعتبة، كما في السابق، من عتبات نهوضها ووجودها والثورة تاريخ وعقل وفكرة، والعقل لا يموت مهما تعاقبت عليه العصور والازمان..     

عرض مقالات: