في الخامس عشر من تموز الماضي 2023 غيب الموت الفنان المسرحي غازي الكناني عن عمر ناهز السادسة والثمانين، بعد رحلة طويلة زاخرة بالعطاءات والإنجازات.
هو من مواليد الكرادة الشرقية/ بغداد عام 1937 بعد نزوح عائلته من مدينة العمارة الى بغداد، اذ كان والده ممن عرفوا بشجاعته وجرأته المضادة للاقطاع.
في مرحلة الشباب انتمى الى (فرقة شباب الطليعة) التي ترأسها الفنان الرائد بدري حسون فريد، ومنها انتقل الى الفنون الشعبية، ثم استهواه العمل في فرقة المسرح الفني الحديث، وينتهي الامر به الى الاحتراف في الفرقة القومية للتمثيل وشارك في تمثيل المسرحيات الآتية: (طائر الشمس، قرندل، الگاع، دائرة الفحم البغدادية، أبو الطيب المتنبي، ابنه الحائك، حكايات العطش والأرض، كان يا ما كان، ثورة الموتى، رسالة الطير، ومسرحيات أخر).
ومثل في فيلم “فتنة وحسن” اخراج ياس علي الناصر، وتواصلت مشاركاته السينمائية ليمثل في الأفلام التالية: “نبوخذنصر، الظامئون، الاسوار، القادسية، المسألة الكبرى، الرأس، زواج علي).
ومع اشراقة النظام الجمهوري في العراق في اعقاب ثورة الرابع عشر من تموز 1958، بادر بالاشتراك مع الفنانين الراحلين: طارق الربيعي وأنور حيران لتقديم مسرحية عن القانون رقم (80) وقد حضر العرض الزعيم عبد الكريم قاسم وبعد انتهاء العرض يعتلي المنصة وهنأهم وشجعهم على تقديم المزيد من الاعمال المسرحية.
عمل في الإذاعة كمقدم برامج وكاتب وممثل انيطت به مهام معاون رئيس قسم التمثيليات. ويؤسس شركة للإنتاج السينمائي بالتنسيق مع شركة بابل للإنتاج السينمائي كما انتج مسلسل “الوحش” والذي كان يرمز فيه الى مخالب القبح والطغيان وكل ما هو غير حضاري، الامر الذي حال دون عرضه أيام السلطة السابقة، وظل على الرفوف حتى انهيار السلطة في التاسع من نيسان 2003، اذ تولت فضائية السومرية عرضه.
اضطر لمغادرة العراق بعد احساسه بالخطر على حياته، وفي عمان عمل في إذاعة العراق الحر، وكتب في صحف المعارضة، واخذ يزور الفنان داود القيسي نقيب الفنانين في السلطة السابقة ويلتقيه في عمان ويطلب لقاءه بشيء من التكتم والسرية، فيلتقيان في ركن هادئ وبعد تبادل التحيات ينقل اليه ما تردده احدى الممثلات في بغداد بين الحين والآخر وبما تؤلب ضده بالقول: (اشعنده ويه السيد الرئيس؟) في هذه الجلسة أدرك ان هناك من يتربص به شراً، ولعل القيسي هو الآخر شجعه للسفر الى بلدان اللجوء والعيش فترة قصيرة حتى يراجع الأمم المتحدة وتتم إجراءات ترتيب سفره الى استراليا.
وخلال وجوده في عمان اخذ يعد برنامجاً اذاعياً بعنوان “وين وصلنه” يلتقي فيها المئات من العوائل العراقية المقيمة في عمان والراغبة بالسفر الى بلدان اللجوء لتتحدث عن معاناتها في ظل الدكتاتورية وبالتالي تزويدهم بقرص من هذه اللقاءات ليقدموها الى الأمم المتحدة مما يساعدهم في تسهيل إجراءات السفر الى الخارج.
ويتم قبول الكناني لاجئاً في استراليا ومنح الجنسية الاسترالية وشارك في اكثر من فلم عالمي ومنح لقب (السنيور) لكن حنينه الجارف الى العراق بعد عشر سنوات من اقامته هناك، يجعله يترك كل الاغراءات الممنوحة له.
عاد الى بغداد وفي رأسه تتماوج أحلام وطموحات كثيرة وكبيرة، منها إعادة الحياة الى فرقة ناهدة الرماح المسرحية التي سبق وان تم تشكيلها في استراليا. ويحلم ان ينال نصيبه من العناية والرعاية والاهتمام والتكريم بعد مشوار فني طويل وعمر تجاوز الثمانين بأعوام يشعر بحزن عميق وأصاب بخيبة امل. حينما احتفلت الفرقة القومية للتمثيل في دائرة السينما والمسرح بالذكرى السنوية لتأسيسها من دون ان توجه اليه اية دعوة، علما انه كان احد المؤسسين لهذه الفرقة.
ويعد دوره (زاير فزع) في المسلسل التلفزيوني “جرف الملح” للكاتب صباح عطوان واخراج إبراهيم عبد الجليل دوراً مهماً، شكل مع الفنان طالب الفراتي “غافل” ثنائياً متميزاً لفت انتباه المشاهدين ونال استحسانهم ولا سيما في لحظات المناكدة والمشاكسة التي تحصل بينهما. ثمة لقطة لا تنسى يوم التقيا في عرس لأحد الفلاحين وبعد دخول (غافل) والسلام على من سبقوه كيف ان زاير فزع ومن باب النكاية والاستفزاز وبطريقة لا تخلو من الخبث بعد ان يرمقه بنظرة ذات معان يرد عليه السلام قائلاً: (الله بالخير يا.. ثم يصمت قليل ويقول: يا غافل) فتأتي كالصاعقة اشبه بالشتيمة وليس بالسلام. كل ذلك كان بطريقة لا تخلو من جمالية ومهارة وابداع. وتوالت الخيبات والخسارات فراتبه التقاعدي لم يكن يكفي لاقتناء ادوية. فيكتب مسرحية بعنوان “يا اهل هذا الزمان” وفيها يلقي الضوء على ما يمر به العراق من ظروف عن طريق استحضار الشاعر المتنبي.