اخر الاخبار

هون عليك يا زمن

فليس كل منفى

يمتلك برهان وطنيته

***

كيف اختمر الفرح مع المنفى

وكيف طرق بابي الفراغ

والغثيان ، من ادلة على مرآتي

سألملم الوعود التي اعرفها للألسن الكاذبة

واطمرها في روحي

فقد تعبت من قراءة التاريخ

وانتظار عودة الوطن من شقوق المرايا / ص 155//*

يتوسل الشاعر صباح الحمداني بالأزمنة كلها ، وليس الواحد المحدد بفترة محددة ، التوسل بالتواريخ المعروفة مع مجالاتها الاجتماعية وبكل ما انطوت عليه من مرويات مع خزان السرديات من اجل ان تتضح كل الوقائع التي سجلتها ذاكرة الزمن . ويلوذ الشاعر بالمرويات كي يؤكد على ان كل من غادر جغرافيته لم يكن منفياً ، فليس من المؤكد انه لا يستطيع البرهان على ان لديه ما يشير الى جغرافيته / وتاريخيته / انها محنة صعبة ومعقدة ونوع من الثورة .

يثير الشاعر الشكوك حول كل منفي ، لأنه يعرف جيداً بأن الكثير منهم لا يقوى بالتلويح الى زوايا الوطن ورائحة طينته . لكن الشاهد يتقوى بالأدلة التي تومئ لأصل الكلمة المرتعشة بالسري الخاتل في المسكوت عنه ، ويظل ملوحاً لاحتمالات حضور المنفي ، ويمارس طياته .

ما يستوعبه المنفى والاسباب المؤدية له . هو الضروري الكامن  والحضور اللازم في لحظات الترقب والانتظار الطويل منذ اشتعال الهروب لا يغدو / الجغرافيات طريقاً مبتكراً للخلاص ومن حق الافراد او الجماعات التي تضطر الانحراف بما يشبه الوهم نحو مسير معين . حينها ينتبه الانسان للقبول الذي يتعايش معه الانسان وسط العري الصحراوي . الصحراء لوذنا ونتصيد ما فيها من حدائق حسية ونتسابق احياناً لالتقاط الانثى التي هي الحلم بالنسبة لنا ، لأنها التي تبتكر النص / الشعر وتدعونا للاستيطان فيه واظل منذهلاً ومندهشاً بما قاله الشاعر : سأغويها واقودها للصحراء ، ويحفزني صوت الشاعر وقوة ايقاعه للقول واهرب بها الى حيث تنفتح النافذة المغلقة وتحتوينا معاً حتى الغروب ، لكني اشعر بالخوف والاضطراب والقلق والفزع لان النافذة اتسعت  واستوعب صوت امي وكل النساء لحظة الغروب وهن يرددن الحزن والمجاعة صراخاً وليس لديهن افضل من هذا الذي اعتدن عليه وهن ينتظرن بكائيات الرجل الداعية لحلم تعطل بالحرب وترك بقايا الرجال المحترقة ولم يعش احدهم حديقة حلمه . الصحراء رحم امومي يعطي منفتحاً . ويتكتم متستراً بمعنى هي مرويات سرية قادرة على حفظ اسرار من كان قبل ازمنة لان ذاكرتها وديعة محفوظة لمن يختارها لاحقاً .

شعرية صباح الحمداني ابتكارية / استدعائية ، تظل نابضة بالطاقة التي تحتاج الانوثة الملوحة لنا ونحن بالانتظار .

 صلاة الظهيرة ، طقس النساء / الامهات المفجوعات بالغياب ومغادرة الحبيب : وهذه قسوة ضاغطة تثير في اعماق الهم الموجع والالم والانين ، لذا طش صلاح ورموزه الدالة على الام وهي من مستلات البدئية العميقة مثل الحمامة والارض في فضاء الدار للحوار معها بعدسات الارز ، هذا ما كانت تقوم الام وتظل بانتظار مجيء المطر وواضح للقراءة بأن نصوص صلاح عن الام كثيرة ، مشحونة بالقلق والتوتر لانها منكسرة ومخذولة ، تفوح منها توترات الجسد المتيبس وكأنه قطعة صحراوية . الام حلمها البلل المقترن مع قدوم المساء // ولكن يا ترى / لماذا كانت امي تبكي كلما جاء المساء //

وتقع الكارثة التي لا تختلف عن صدمة الحرب وتساقط السلم ، واقترن كل هذا مع فعل الصبي الذي قطع زهرة في لحظات ذلك الصباح . ولم يكتفي ، بل ظل يزاول عبثيته الطفولية مداعباً وملاحقاً اجنحة الفراشات في الحديقة وهي تتساقط نتفا ملونة .

يعاود الابن حنينه للام الموجوعة في المساءات وهي ترى حلمها يتساقط اعمدته وهي تترقب بلل جسدها وعطشها الخفي . لم يفارقها ، بل داوم بخيبة ، معبراً عن حزنه / انا لستُ حزيناً يا امي ، انا سأموت من القهر / ص144// ويؤسس صباح الحمداني مروية ثنائية من الام والاب ، الام هي الابتداء والاب هو الثنائي وتبرز ثنائية ملحمية ترسم صورة الجنوب بكوارثه ومجاعاته .

رقصوا لغيابي / بينما كنت اكتب في طريقي ، على الاشجار العارية / كلمات  تنال منها قسوتهم ، انا الصبي الجنوبي / في الثالثة من عمري / ما زلت اركض يومياً / الى حيث مكان ابي الذي قبروه حياً / انبش رفسه بيديّ الصغيرتين واخاطبه / لا تجزع يا ابت / ولا تخرج من قبرك الان / فلم يغادر الذين دفنوك حياً هنا .....ص145.

ــــــــــــــــــــــــــ

*حلم بلا اعمدة/ شعر صباح الحمداني. اصدار اتحاد الادباء والكتاب في العراق 2023.

عرض مقالات: