اخر الاخبار

ينشأ الكاتب ويكبر ومعه تكبر هموم الكتابة وتداعياتها المتعددة ، حيث تبدأ من الوعي بالمهمة التي تكفلها كأنسان مغاير للأخرين وتطلعاتهم ، بل هو من سيتحمل مهمة توعية الاخرين ، وضرورة ان يعلم الجميع ان ثمة انسان من ابناء جلدتهم ، يقوم مقام ما تفعله مؤسسة ثقافيه ، وربما اكثر ولدينا في هذه الاشارة ، الى دور الوعي للكاتب امثلة كثيرة ، على الادباء الذين ضحوا بالغالي والنفيس ، من اجل ان يدرك الناس وتحديدا متلقيهم ، ما تكفله الكاتب الذي حدد موقفه من ظاهرة السلطة ،وموضوعة الحرية والعدالة ، هذا الكاتب الذي اصبح يعي ماهو واجبه ودوره ، في حياة ضاجة بالمتناقضات ، وعليه ان يتلمس بوعيه حدود تلك التناقضات  ليحدد موقفه من الظاهرة التي تشغل الكثير من مجايليه واقرانه . ان الكاتب وحالما يمتلك الوعي والادراك بأهمية الكتابة او ما يفعله القلم الذي يمتلك شجاعة القول سنجد الكاتب يحث الخطى باتجاه تحمل المسؤولية المشرفة لأنه هنا في كتاباته التي تدافع عن الحرية والعدالة يكون في مستوى عصره.

حين قرأت في وقت مبكر عبارة الشاعر المصري الكبير صلاح عبد الصبور (( ياللشعر من مهنة صعبة  .... )) حدث لدي نوع من المباغته للوعي الذي انتبه الى اهمية الكتابة وفعلها التراجيدي المحير ، وحين تعرفت على كتابات نجيب محفوظ وسارتر وديستوفيسكي وقصائد السياب والبياتي ادركت ان الكتابة ترتكز على خاصيتين بارزتين هما متعة الخلق وفائدة الانجاز كان هذا في بداية تشكل الوعي الثقافي والسياسي . امام هذا الذي نراه قائم على الصراع علينا عدم الاستهانة بما نكتبه من سرود او قصائد ومسرحيات وفنون تشكيلية ، ان نعي  مهمتنا كم هي صعبة ولكنها نبيلة اذا ما جعلناها  تقدم الفائدة لوعي الاخرين وتحديداً البسطاء من الناس الذين يمكن ان يصلهم نتاجنا الابداعي ، وهم يشعرون بالفخر لأنهم اصبحوا على مقربة من وجودنا الذي ربما يأسرهم ويمتلك وعيهم وفي هذا تتحقق الخطوة الاولى باتجاه محاورتهم والجدال معهم ، من خلال نصوصنا وما نكتبه من اهتمام يخصنا في بداية الامر ، لكنه يصبح من ملكية القارئ الذي ربما يحرص على تطوير افاق وعيه ومداركه الذهنية والعاطفية ، وقد اكد مفكر كبير مثل سارتر على اهمية الالتزام الادبي وضرورة المسؤولية تجاه ما يعانيه الناس وما يقدمه لهم الكاتب باعتباره احد الجراحين الذين يمكنه تخليصهم من عبوديتهم او لينالوا حريتهم الاجتماعية والسياسية . ان ضرورة الوعي بالقراءة واهمية الكتابة ظاهرتان متوازيتان ،  بل يتعايشان معا لدى القارئ الذي يروم التطور والاستجابة لمتطلبات العيش المناسب ، لحياة تأتي مرة واحدة فقط وعليه مطلوب منا ان نترك فيها اثراً معقولاً،  يرضي طموحنا ويقدم قناعة بما نعيشه او نفعله  في حياتنا اليومية ، الوعي هو الذي يحدد طريقنا  بل ويعالج امراضنا ومشاغلنا ومتاعبنا التي تفرضها الطبيعة علينا ، وتنبع هموم الكتابة ايضا من ان الكاتب وحده يجابه مشكلته ككائن غير مرغوب فيه او مشكوك في نواياه تجاه شرائح متعددة من المجتمع ، ولعل من اكثر خصوم الكاتب والكتابة هي السلطة وتحديدا سلطة بلده ، اذ  تنظر السلطة متمثلة بعناصرها الحكومية الى نوع ما يكتبه الكاتب والاتجاه السياسي وكذلك اهداف الكتابة لديه ولعل ابرز ما تفكر السلطة فيه هو الفئة التي يخاطبها الكاتب عبر كتاباته لكي تحدد موقفها منه واي طبقة يخاطب في مقالاته وقصصه وقصائده ؟

ان الصراع الحاد بين الكاتب والسلطة يشتد وتهبط وتيرته كلما تغيرت لهجة الخطاب او كلما غيرت السلطة من توجهاتها السياسية ، لكن ذلك يعد بعيد التوقع ، بل من الجائز ان يغير الكاتب موقفه من حكومة بلده او يحاول كسب ودها لغرض نفعي يمكن للبعض ان يطلق عليه انتهازي او تخلي عن موقف ، وهي حالة انتشرت في الوطن العربي كلما زادت الحكومات العربية من بطشها وتنمرها على الحريات العامة ثم لتزيد من اضطهادها للمفكرين والمثقفين والكتاب ، بحيث يصير الى حالة من تردي الكتابة والاستعانة بوسائل ليست من جوهرها ، كأختفاء الكاتب من مدينته والرحيل الى مدينة اخرى لا يعرفه فيها احد ، كما حصل في العراق من اختفاء عشرات المثقفين والادباء والكتاب في مدن اخرى غير مدينتهم او الهرب خارج الحدود وربما اعتقالهم وايداعهم في معتقلات صارمة الحراسة  يصعب على المرء ان يخترقها او يصل اليها وتسعى الحكومات ( كل الحكومات ) الى التفنن والتفاخر في صرامة سجونها ومعتقلاتها ، بل اصبح كل سجن ومعتقل بارز في بلدما هو عنوان  تلك الدولة او السلطة التي تتفاخر في ان لديها سجن يخص خصومها ومناوئيها  كسجن : نقرة السلمان  ، الشهير في العراق حيث تم تغيب مئات المثقفين والسياسين العراقيين من ذوي النزعة اليسارية ، عبر التاريخ السياسي للبلد ولقد ورد اسم هذا السجن في معظم الكتابات التي تناولت ادب السجون في العراق .  ان هموم الكتابة لن تحددها مقالة او وجهة نظر عابرة او حتى اكاديمية بل المزيد من الكتابات التي يمكن لها ان تفي بالغرض المطلوب  ، والمطلوب هنا هو ليس تحديد هموم الكتابة فحسب بل القول ان الكاتب وحده من يدفع الثمن من حياته وحريته واذا كانت السلطة غاشمة وفاشية النزعة ربما يمتد الاذى الى اسرته أيضا.

 

عرض مقالات: