اخر الاخبار

الكلام هو منحة العطية الأولى للآلهةو، هذا ما جعل المقدس متباهياً لأنه إمتلك طاقة الفلسفة في تمجيدها الكلام، الذي إعتبره غادامير من سرّيّات الشعر المتكتم عليه في روح الشاعر .وتفلت الشعرية في نصوص الشاعر عادل الياسري ويهرع من أجل أن تلوذ بالكلام وهو بهذا الهوس يستعيد الريف وكل مايمتلكه ، ولعل الورد هو الثروة التي لاتنضب ، الوردات هي ملكية باتاي المفكر والفيلسوف المجنون في نصوصه الإنتهاكية ، وما قاله باتاي “ إنّ زهرة الحمامة رمز الحزن ،زهرة التنّين رمز الرغبة ،وزنابق الماء رمز اللامبالاة . وللوردة إقتران روحي عميق مع الحب ، وأضاف باتاي  ما هومبتكراً أنّ المعنى الرمزي للأزهار لايستقي بالضرورة من وظيفتها . ومن الجليّ في الحقيقة ، أنّه لو عبّر المرء عن الحبّ بعونٍ من الزهرة، فالتصريح فضلاً عن الأعضاء المقيّدة يصبح علامة على الرغبة وتظلّ صراحة باتاي عن الزهرة صادقة بسبب التنوّع الرمزي الخاتلة عليه . وأكثر النجاحات التي ينطوي عليها الكلام الشفاهي المعاني الراضي بها المتحدّث كي تبرز حضوره . ولعلّ تاج الزهرة هو أثمن الممنوحات للمالك. وقال باتاي : هكذا نفسّر نسبة التويج الى الحبّ بسهولة . ولو استبدلنا شارةً الحبّ من فتحة الزهرة والتصاق ساقها بالأوراق المحيطة ، كدليل للعقل البشري الذي يألف مثل هذا الإستبدال فيما يتعلّق بالناس /العدد صفر /إنتهاكات / خريف 2014/ص62 ، وأضاف باتاي : قد يكون أبسط بوضوح أن نميّز الأزهار المثيرة للشهوة ، كالعطر والمظهر التي تثير مشاعر الرجال والنساء الغرامية عبر القرون ، هناك ما يتولّد متفجّراً في الطبيعة ، ومن الربيع كنوبات للضحك يتولّد خطوة ، خطوة .

السماء إلتمعت وبشكل مفاجيء إشتهت وإرتعشت حتّى نثّت وتساقط مطر دافيء بلّل الرؤوس المكشوفة .وسط صحراء عارية غسلها بلل الإرتعاش السماوي

صحراء ظلّلت رملها بما يشبه الخوف

وأومأت عيناه لمن رآى كفّيه ممدودتين على سكّةٍ للقطا

بلّل العشب أمطاراً على حصاها

واحتسى العابرون المسافات على شرفاتها

كأسٌ تقرعها الشمسُ

وثانية شرب الرماد لونها

الأسى

كفّان تعصرانه

بين الراحتين وأشجار المطر  /ص9 (الوردة ماء النار)/ عادل الياسري

الشعر يرتجف إيقاعاً خفيٌّ حاز عليه منذ الأزل وإمتلكه للأبد وصار خزينه. الشعر إيقاع الكائن لحظة فرحته المفاجئة ،فالآدميُّ ينجذب لجماليات الحياة ولكلّ مايحلم به الإنسان من أجل المستقبل يضفي عليها الكائن ما تحلم به اللحظات المسائية التي تدوخ بها الأنثى إنتظاراً للحظة الرقص وإنبعاث السعادة والتعرّف على تفاصيل حياة كاملة . للطاقة قوّة كبرى تمنح أكثر مما تهب وتسوّر النثر كما قال هيغل لتحمي الحياة من الشعر الذي هو لذاذات ديونيسيس ونشوات يمنحها الشعر القابض على جمرات الإحتماء من الإرتعاش . الكلام همسة الآلهة الإسطورية يستشعر كلّ منها الآخر فيكشفه . قد تتبينه أشياء منها المجتمعات البشرية ،لكن يسود شيء ضد الحقيقة الطبيعية التي تدلّ بها إمرأة جميلة أو وردة حمراء على الحب / وأنا الذي أوّل من كتب عن وردة عادل الياسري ، ومنحتها تنوّعات رمزية وتعددات علاماتية ،ومن كثرة حضورها في دراساتي الكثيرة وكتابي الذي أصدرته عنه ، توصلت الى أنّ وردة عادل الياسري هي فلسفته في العلاقة مع الشعر وجنونه بالثنائية الأكثر بين الفحل والأنثى.

هذه الملاحظة النقدية التي عبّرت عن تجربة شعرية للشاعر هي خلاصة توصلات باتاي عن الأنثى التي تعامل معها شعرياً بوصفها الوردة بل ذهب أكثر من ذلك وتعامل مع الأنثى كالوردة لكنّه تطرّف كثيراً وأشار عابراً الى أنّ جسد الأنثى مكتنز بعطر لم تعرف الورود مثيلاً له .

الأنثى جسد تتعرّف عليه محبّة عاشق لايتوقف عن الهذيان في المساءات .

الجمرة تحترق وتشتعل الوسادة .

وتذبل أوراق الورد .هناك تفاعل لايفسّر بالتساوي – كما قال باتاي – ولا بالتساوي ،يمنح الفتاة والوردة قيمة مختلفة تماماً : الجمال المثالي، هناك فعلاً حشد من الأزهار الجميلة ، حيث جمال الأزهار أندر قليلاً من جمال الفتيات ، وفي سمات هذا العضو من النبات يستحيل قطعاً أن استخدام وصفةً مجرّدةً لتعداد العناصر التي قد تهب الزهرة هذه الميزة ، والمثير أن نلاحظ إمرؤ : الأزهار جميلة فلأنها تبدو متوافقة مع ما يجب أن تكون عليه، بمعنىً آخر فهي تمثّل ،الأزهار المثال البشري / ص92 /

كأسٌ تقرًعُها الشمسُ

وثانية شَرِبً الرَمادُ لوْنًها

الأسى ..،

كفّان تعْصِرانَهُ

بينَ الراحَتَيْنِ وأشجارِ المَطَرْ

جالتْ بهِ الألْحانُ أوْدِيَة الريحِ أصْواتاً

غابت الأحلامُ عنْ رمّانِها

لكنّها النارُفي تَنّورِها

تُرْسلُ الشَفراتَ أسراراً

يَتَّكِيءُ العشقُ على مِخَدّاتِها

ويُسبِلُ القَطا جَفنيْهِ

في رَفَّةٍ / ص7

للوردة علاقة مع الأنا ، الذات .وعرفها الكائن منذ الطفولة مع الحدائق وكثرة الورود فيها وتنوّع الوانها ، وتنمو هذه المحبّة حتى تصير عشقاً متوتّراً بعلاقة ثابتة مع ورد بلونٍ معيّنٍ لا يتغيّر.

أنّ تجربة عادل الياسري؛ تجربة عشقيّة إبتدأت منذ الطفولة وظلّت ممتدّةً حتى هذه اللحظة . وأعني باللحظة البدئيّة هي الحياة الزراعية والإنتماء للأرض وهذا الملمح معروف لمن يتابع تجربة الشاعر ، هي راسخة ومازال يعيش تفاصيلها وكأنه إبتدأ معها الآن . هذه العلاقة هي هوية ذات ملمح شعري . من هنا حازت تجربة الصداقة مع الأرض / الزراعة /الحدائق / الورود على نوع من الشعر /الجمال . ولأن الهوية راسخة بعلاقتها مع الأرض وذات طاقة متأتية لها من الزراعة .. هنا نبات /إنبعاث / ألوان / وأساطير ، لكل إسطورة محكيّةٍ خاصةٍ ، متميّزة ، ومثال ذلك نبات اللّفاح ، والقسطل ، وتحدث باتاي عن القسطل . ووردت إسطورة عميقة عن اللّفاح ، وقد أنجزت كتابا مهماً عن هذا النبات الذي إستعانت به راحيل وتناولته وخصّبها بولدها يوسف .وأجد ضرورة الإشارة الى أنّ الخصب عبر الأرض هي لحظة بدئيّة ما زالت محكياتها حاضرة ومستمرة ، تتحرّك خصائصها وتتطور وتضفي عليها الجماعات إضافات جديدة . لذا دائماً ما تظهر النثرية في كتاباتي. كما ان طاقة الكلام تظهر في النصوص الشعرية ذات الحضور الشفاهي  وكما قال “ ادغار موران “ اللغة النثرية هي اللغة الدالة ، أو الرمزية وتهدف الى تجديد الأشياء التي يتم الحديث عنها وتجعلها موضوعية . أما اللغة الشعرية فهي تعلو من الذاتية وتتجه الى الذاتية ، تنطلق من الإنفعال الجمالي بغرض نقل هذا الإنفعال وهي تحب اللجوء الى التشبيه والمجاز . قوة المجاز تتجلى في هذه العبارة : الشباب فقد زهرته ، والسنة فقدت ربيعها / ادغار موران / عن الجمال / محمد الذبحاوي / وعلاء شطان / جامعة الكوفة /ص7 .

كثيراً ما أكّد المفكر هايدجر على الكلام وغذّى غادمير ما انطوت عليه أفكار هايجر في رؤيته الفلسفية حتى صارت هذه المفاهيم من الثوابت وارتحلت لاحقاً في المنجز النقدي عن الشعر العراقي الحديث .

وعيش الورد والأرض في تجربة عادل الياسري يجعلنا نعتاد قبول التعايش مع الجمال حتى صارت علاقتنا نوعاً من الهوس ويتبدى أحياناً خطفاً فيما نكتب أو استراحة الجنون .

الجمرة تحترق ، والوسادة تشتعل ، شفوية بادرة ، لكنها كلام قالته الآلهة في الأساطير وهذا ما قاله غادامير بأن الكلام هو كلام الآلهة الأول ، وتعالى بقداسته واشتعال الترديد بالنارالمتصاعدة وسط المكان المقدس/ المعبد . وهنا تبدأ لحظة زمنية عرفتها البدئية وهي نار الوسادة ، حيث الاشتعال وسط مقدّسٍ ضاجٍّ يتذكّر كل شيءٍ، ولا ينسى البحث عن الجسد .

الكلام منحة ،وعطيّة مقدّسةٌ ،يعيش به ومعه الكائن .وهنا يتبلّل الشاعر من نثار ماء النهر ويحوز نشوة الرقص مع وحدته الضاجّة بما حازت عليه الأرض من نخيل وأشجار وطيور ...الخ. لذا لانستغرب اندهاش الشاعر وجنونه . لقد تعلمنا من السريالية أنّ الشعر ليس شيئاً يكتب أو يقرأ بل هو حال يجب أن تعاش .لذلك نادوا بضرورة شعرية الحياة ،إنني أصون وأؤنسن الر سالة التي تقول : علينا أن نصون ونثبت في داخلنا شعر الحياة ونبتعد ما إستطعنا عن نثرها/ ادغار موران . س .ق ص7 / الجنون حياة متجددة مع الشعر الذي يستولده الشاعر من خلال لحظات الهوس واشتعال ألوان الورد ، حيث غياب الأحلام عن زمانها وستظل النار في تنّورها.

ومسلّة الصفحات المطويّة طيّ التكتِّم

على سرّ وحشتها

الوَهَج الأبيض يطفو

“ بورخس “ الذي أحببت في أصابع الحجر

لم ترسم المرآة له صورة

لم يرَ الظلَّ ففي الغابات منسدلاً

على كتف العشيقة

لكنه الماءُ بين أصابعٍ قلتُ عنها

أنّ حبّاتها المطر

كشف الباب عن وهجٍ به المرايا

وسيّدة القلب على الجانب

تلقاهما في كفّكَ البياض ./ ص10

عرض مقالات: