اخر الاخبار

تفتقر المكتبة العراقية الى الدراسات النقدية التي تعنى بالادب الشعبي العراقي ، ولايكاد ما ينشر ان يغطي كل المساحة التي تشغلها الاصدرات في الشعر والتراث والفلكلور. ، وقد صدر كتاب الاستاذ الكاتب والناقد مزاحم الجزائري(غواية النص الشعبي / دراسات في نقد الشعر الشعبي) عن “ دار الصواف للطباعة والنشر “ في بابل ، عام 2022. يتناول فيه المؤلف موضوعات تطبيقية في نقد الادب الشعبي ، وهي محاولة لتأسيس رؤية نقدية منهجية في التعاطي مع الادب الشعبي . وكانت مواضيع الكتاب تشكل اهمية للدارسات والبحوث والتوثيق للادب والتراث الشعبي الذي يزخر بالاسماء والنتاجات المتنوعة والكثيرة في تاريخنا المعاصر. تحدث الكاتب في مقدمة الكتاب عن التطور التاريخي للتراث الشعبي ، منذ مطلع القرن التاسع عشر، حيث كانت المؤسسات البحثية والاكاديمية تعزف عن شمول الشعر الشعبي وموضوعاته بالبحث العلمي والادبي . وفي هذا الصدد يقول الكاتب : “ ونحن اذ نتحفظ على رأيهم ، نسوق في هذا الصدد مثلا جديرا بالموضوعية، فمجلة (العراق)، وهي مجلة تعني بالتراث الشعبي ، استبدل اسمها لاحقا الى مجلة (الثراث الشعبي) والتي نيف عمرها على خمسة عقود ، تعد من اهم المنابر الادبية التي تعنى بالفلكلور الشعبي”.

اشتمل الكتاب على خمسة فصول ، تناول الفصل الاول : الشكل والمضمون والاسلوب في قصيدة عبد الحسين صبره الحلي . يقول لباحث:” ويحق لي الزعم ان هذه القصيدة (بحشاشتي سهمك مضه)،كانت سببا وراء تسميته بـ (عبد الحسين ابو الربط)لفخامة قافيتها وصعوبتها، ولست مجانبا الحقيقة حين اقول : ان هذه المدونة الشعرية كانت وراء خلود اسمه”.

والفصل الثاني تناول : الواقع والمتخيل في موال السيد باقر الهندي . وهو الشاعر السيد باقر بن محمد بن هاشم الهندي النجفي.ويقول الباحث عنه:”تجاوز هذا الشاعر في مناجاته مع الاخرين فهو لايناجي نفسه فقط ، وهو يدرك ان العزلة غير مرغوب فيها”.

وكان الفصل الثالث : الرموز الاسطورية في مواويل الحاج زاير الدويج والمقاربة الاجتماعية . الباحث تحدث عن تجربة الحاج زاير باسهاب واعتبره المدخل الرئيس للشعرية الشعبية العراقية. قال فيه المستشرق الفرنسي جاك بيرك :”هو أعظم شعراء اللهجة الشعبية (العراقية) دون منافس، وشعره ذو بعد عالمي”، وكتب المؤرخ العراقي عبد الرزاق الحسني صاحب كتاب “تاريخ الوزارات العراقية” : “الحاج زاير.. أسرع شعراء عصره بديهة، يقول القصيدة التي تبلغ المائة بيت وينشدها ارتجالا في آن واحد، فيخال السامع أنَّه كان يحفظها منذ مدَّة من دون اعمال فكرة أو رؤية، وكان له اليد الطولى في الموال، والأبوذيه، والمربع، والميمر)). ويقول الدكتور عبد الإله الصايغ: “ هو أكبر شاعر شعبي في العراق، وقصائده.. تدوّي على كلِّ الشفاه )). ويرى السيد محمد السيد جدوع أبو زيد في تقديمه لمؤلف “ الشاعر الحاج زاير الدويـﭻ “ للباحث صادق حمودي: “يتصف الحاج زاير بخصائص فنية متعددة، في مقدمتها انه كان سريع الجواب، مليح النكتة شعرا كانت أم نثرا. وبهذه الصفات كان موضع احترام.. الأدباء في انحاء الفرات الأوسط كافة)). أما مظفر النواب فقال فيه ما هو ابلغ واصدق: (( الحاج زاير هو معلمي الأول شعريا )).

فيما كان الفصل الرابع : مقاربات سريالية في شعر حسين قسام النجفي . الباحث اورد الكثير من القصائد و(الموالات) و(الأبوذيات) و(الهوسات) الساخرة للشاعر (النجفي) مما تضيف متعة للقارئ ، ويجعله مسترسلا لقراءة كل المباحث التي أوردها الجزائري ، ومن طريف (الهوسات) يقول النجفي ساخرا ، (أحنه صدك وأحنه نحرث المحروث / منخلي على وجه الأرض ملغوث / إلنه يوم نهجم بيه على البرغوث / والحرمس هد أعله رجاله).

وافرد الكاتب ملفا خاصا في الفصل الخامس للشاعر رياض النعماني . تعد تجربة الشاعر رياض النعماني تجربة مميزة ومتفردة ، وترجمها الباحث :” انها تمتاز بغناها المعرفي ، وانفتاحها على المدارس الشعرية العربية والعالمية، فسنوات غربته التي قاربت نصف قرن من عمره او يزيد ، اتاحت له الانصات والنظر في تجارب العديد من الشعراء والتدقيق فيها. وقع الكتاب في 196 صفحة من القطع الكبير ، فيما صمم الغلاف الفنان فلاح حسن الخطاط. وضم الكتاب في هذه المقالات والدراسات شتى المواضيع والقصائد التي تتعلق بخمسة كتاب من اوقات مختلفة ومستويات متباينة ، فكانت قراءة موضوعاته رحلة ممتعة في التراث الشعبي العراقي ، لكاتب معروف اهتمامه في هذا الجانب، وهو الباحث القدير مزاحم الجزائري .

عرض مقالات: