اخر الاخبار

لم يكن الاداء العبقري للممثل خواكين فينيكس الذي نال باستحقاق عنه جائزة الاوسكار لسنة 2019 لافضل ممثل رئيسي وحده  مايميز الفيلم عن سلسلة الافلام التي تناولت نفس القصة على سبيل المثال فيلم الرجل الوطواط 1989 , وفيلم فارس الظلام 2004 رغم صعوبة المنافسة بمن مثلوا شخصية الجوكر سابقا على سبيل المثال“جاك نيكلسون“و“هيث ليدجر“. فقد استطاع المخرج تود فيليبس الذي اشترك بكتابة السيناريو وكاتب السيناريو سكوت سيلفر ان يعيدوا كتابة القصة بشكل يختلف جوهريا عما سبق طرحه، ولذلك ساتناول الفيلم من زاويتين.  

الاولى: وهي الحقبة التاريخية التي يتناولها الفيلم والتي تشير بشكل غير مباشر من خلال الازياء ووسائط النقل الى حقبة نهاية السبعينات وبداية الثمانينات , ومن المشاهد الاولى للفيلم التي تبدا باعلان عن اضراب عمال النظافة وتراكم اكياس القمامة التي ستكون اشارة رمزية متواصلة في اغلب مشاهد الفيلم لما وصل اليه المجتمع من تردي وترابطها بما سيحدث  لاحقا. ان تحديد هذا الحقبة لم يكن دون  دلالات عميقة ومميزة في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية ونستطيع ان نقول العالم ايضا. حيث تمثل سنة  1981  وصول الممثل الفاشل في هوليود واحد المتبرعين بالوشاية ضد زملائه الفنانيين ابان الحملة المكارثية في خمسينات القرن العشرين رونالد ريغان الرئيس الاربعين  للولايات المتحدة. وليس المقصود طبعا من الفيلم ادانة ريغان بعد اكثر من خمسة وثلاثين عام , انما هنالك ما هو ابعد. انها ادانة للمحافظين الجدد الذين تبنوا نظرية ميلتون فريدمان , او مايسمى بمدرسة“شيكاغو” والتي تم تطبيقها في الولايات المتحدة على يد ريغان وفي وبريطانيا على يد تاتشرعام 1979 والتي اصبحت تعرف  بما يسمى“اليبرالية الجديدة“التي دعت الى سحب يد الدولة من الاقتصاد واعتماد الية السوق الحرة اي العودة لمبادىء الراسمالية كما بشر بها ادم سميث. حيث قادت هذه السياسات الاقتصادية الى خصخصة قطاعات الدولة الانتاجية والخدمية لصالح الشركات المتعدية الجنسية ورفع الدعم او تقليصه عن القطاعات الخدمية الصحة والتعليم والضمانات الاجتماعية وبالمقابل تقليل الضرائب على الشركات وزيادة الانفاق العسكري. فبعد حادث قتل الشبان الثلاثة في القطار يظهر لقاء عبر التلفاز مع المرشح لمنصب عمدة المدينة (توماس واين) حيث يتحدث المذيع: يبدو ان هناك موجة كره عارمة للاثرياء في المدينة.  ويمكن الاشارة ايضا  للحوار الذي دار بين ارثر فليك“الجوكر” والمعالجة المسؤولة عنه عندما قالت: (ارثر) لدي انباء سيئة.. لقد قاموا بقطع التمويل سنغلق مكتبنا الاسبوع القادم، المدينة تقطع تمويل الجميع ومن ضمن ذلك الخدمات الاجتماعية هذه اخر مرة نلتقي.. لا يكترثون بتاتا بشان الاشخاص امثالك يا (ارثر)وفي الحقيقة لا يكترثون بشان الاشخاص امثالي ايضا. ارثر (الجوكر): اللعنة.. وكيف يفترض بي ان احصل على ادويتي الان؟ الى من يجب ان اتحدث؟. وبهذا يمكن الاستنتاج ان الفيلم يمثل نقدا للتوجهات الاقتصادية التي تم ذكرها والتي ما زالت راهنة الى يومنا هذا ليس في اميركا وحدها انما في العالم.

والثانية فيما يتعلق بختلاف هذه النسخة عن سابقاتها من نسخ تناولت القصة الخيالية لمدينة“غوثام“وهي كثيرة وسنشير الى اهم نقاط الاختلاف وهي :

-لم تعتمد هذه النسخة  على ثنائية الصراع بين الخير والشر التي كانت سائدة في النسخ السابقة. بينما اعتمدت على الجوانب الاجتماعية  وانعكاساتها منها تزايد عملية التهميش والتي يمثلها (الجوكر) نفسه من خلال عمله الهامشي والذي يفقده ومتتطلباته الصحية التي فقدها ايضا. وهي النتيجة المباشرة للسياسات النيو ليبرالية التي تم تطبيقها وبذلك حمل النظام المسؤولية  لمصدر اعمال الجوكر. وبطريقة رائعة وضع المشاهد في حيرة بين تصديق (الجوكر)وتصوراته بانه ابن غير شرعي لمرشح الولاية او انكار هذا التصور. وبالتالي يصبح من الصعب  انكار خيال (الجوكر) المستند على انه  الابن الشرعي لهذا النظام مهما حاول هذا النظام تنكره , وغياب الابن الحقيقي عن الاحداث والذي ظهر في نهاية الفيلم تقريبا بعد اندلاع حالات التمرد التي ادت الى مقتل عائلته امامه والتي اظهرته  النسخ السابقة بانه مصدر الدفاع عن المدينة وممثل الخير المطلق.

-لم يعتمد فيلم الجوكر على ضخامة الانتاج والرهان على مشاهد الاكشن المكلفة، حيث بلغت كلفة انتاجه 55 مليون دولار. بينما وصلت كلفة فيلم الرجل الوطاط 150 مليون دولار، وفيلم فارس الظلام  185 مليون دولار. اضافة الى مشاهد العنف المحدودة والتي ترتبط بعلاقة الاساءة التي سببها الشخوص بتعاملهم مع (الجوكر) عدا مشهد العنف المؤثر في قتل والادته؟   بعد ان اوضح في بداية الفيلم العلاقة الحميمة بين الاثنين واكتشاف العلاقة بين امه ومرشح الولاية (توماس واين) والتبريرات التي تم طرحها من الطرفين وقد نستطيع الاستنتاج بان النظام قادر على تشويه اكثر العلاقات انسانيتا.

-لم تتخذ اي نسخة من النسخ السابقة لفيلم الجوكر موقفا من دور الاعلام، بل بالعكس غالبا ما كان يظهر الاعلام بالدور المساند والمساعد للبطل الذي يمثل الخير، بينما استطاع فيلم الجوكر ان يكشف الدور المضلل للاعلام من خلال الحوار المهم الذي دار بين الجوكر ومقدم البرامج  (موري فرانكلين) الذي مثله الممثل الكبير روبرت دي نيرو.

الجوكر: جميعكم النظام الذي يعرف الكثير، انتم تقررون ما هو الصائب وما هو الخاطيء بنفس الطريقة التي تقررون بها ما المضحك او ليس مضحكا... انا قتلت اولئك الرجال لانهم سيئون  الجميع سيء هذه الفترة ذلك يكفي لجعل اي شخص مجنون.. لماذا الجميع حزين على اولئك الرجال؟ ان كنت انا من مات على الرصيف، فلن تهتموا لي، انا امر بجانبكم كل يوم وانتم لا تلاحظوني... هل رايت الوضع في الخارج يا (موري)؟ هل تغادر الاستوديو  اصلا؟ كل شخص يصرخ ويصيح على الاخر لم يعد احد متحضرا  ! لا احد يضع نفسه مكان الاخر. اتظن ان الرجال من امثال (توماس واين) قد يضعون انفسهم مكان امثالي او يضعون انفسهم مكان غيرهم كلا انهم لم يفكروا بذلك انهم يعتقدون باننا سنجلس مكتوفي الايدي ونتلقى المذلة مثل اطفال صغار مطيعين. يخالون اننا لن نصبح متوحشين وطائشين.

موري: ليس الجميع.. اوكد لك كلامي ليس الجميع فظيعين.

الجوكر: لكن انت فظيع يا (موري) بعرض شريطي المصور ودعوتي الى هذا البرنامج انما اردت الاستهزاء بي. ( انت ) لا تختلف عن بقيتهم في شيء. عندما تجمع بين متوحد مريض عقليا ومجتمع يهجره ويعامله كالحثالة.

“تعرض مقدم البرامج الحواري المحبوب (موري فرانكلين) للقتل رميا بالرصاص الليلة في بث مباشر على يد احد ضيوفه..”

بعدها تظهر حالات اضطراب والغوغاء تملأ الشوارع ويظهر شخص يرتدي قناع الجوكر يقدم على قتل (توماس واين)  وزوجته اما انظار ابنه بروس. بعدها يتم القاء القبض على (الجوكر) وتقوم الحشود الغاضبة بمحاولة انقاذه من خلال اصطدام سيارة الإسعاف  بسيارة الشرطة ويتم اخراج الجوكر ووضعه على مقدمة السيارة بعدها يستعيد وعيه وينهض ويرسم ضحكته التي بدأها  في مشهد البداية وهو يضع اصبعيه في فمه للتعبير عن الضحك بينما دموعه نازلة باللون الاسود، لكن هذه المرة يرسم ضكته على وجهه بالدم الذي نزفه اثناء محاولة تخليصه.

-نهاية الفيلم ايضا تختلف لم ينتصر البطل ويقضي على مصدر اخلال النظام في النسخ السابقة، المشهد الاخير لفيلم الجوكر تمت  معالجته بدقة حيث يخرج الجوكر من غرفة المعالجة وقدماه تطبع الدم في الممر ويركض بجانبي الممر ويركض  وراءه  احد العاملين في المصحة كانه يقول ان الشر الذي خلقه النظام لن ينتهي الا بتغيير النظام الذي انتجه.

عرض مقالات: