اخر الاخبار

نقرأ في كتاب (تاريخ الخلفاء) وسواه من المراجع أن “الخليفة الأمين عمل خمس حرّاقات [قوارب نهرية] على خلقة الأسد، والفيل، والعقاب، والحية، والفرس، وأنفق في عملها أموالا [طائلة]ً. فقال أبو نواس :

سخر الله الأمين مطايا -  لم تسخر لصاحب المحراب

فإذا ما ركابه سرن برا -  سار في الماء راكبا ليث غاب

أسدا باسطا ذراعيه يهوي -  أهرت الشدق كالح الأنياب”

وأضاف الاصبهاني راوي ديوان أبي نوّاس: قال أبو هفان: اتخذ محمد (الأمين) الدلفين والغرابية والجرادية والكوثرية”. مما يشير أنها مراكب على هيئة الدلفين والغراب والجرادة.

كما أشار المؤرخ الطبري (ت 310هـ/922م) أن الامين “ابتنى سفينة عظيمة أنفق عليها ثلاثة آلاف درهم؛ واتخذ أخرى على خلقة شيء يكون في البحر يقال له الدُّلفين”.

وكان للمستكفي طيّار (نوع من القوارب) يسمى الغزال. ولا نعرف فيما إذا كان على شكل الغزال أم أن مفردة الغزال محض مجاز لأناقة القارب.

ويخيل إلينا للوهلة الأولى أن صنيع الأمين (787 – 813م) وغيره في الأمراء والخلفاء والعامة العباسيين، فريد غريب، بينما الحقيقة أن صناعة المراكب النهرية برؤوس على هيئة الحيوانات متواترة الظهور في الرسم الرافديني. نحن لا نعدم رؤيتها على الرُقيمات الطينية، وفي الرسوم المرافقة لقصص الطوفان المتقدمة والمتُأخرة. وفيها كانت القوارب الحيوانية الأولى مصنوعة من القصب (مشاحيف) لكنها مزوّدة بتلك الرؤوس، هنا مثال: رقيم طيني (الأعلى يمينا) يروي قصة الطوفان، الرأس هو رأس أفعى من الأفاعي التي تظهر كثيرا في النحت البارز الرافدينيّ.

كما سنرى هذه القوارب نفسها بأمثلة آشورية دقيقة مرسومة، لعلها أقرب شبهاً بالتقنيات العباسية، كما مثلا في قطعة محفوظة في متحف اللوفر برقم (AO19890)، تُمثّل نقل أخشاب الأرز من لبنان إلى العراق. وهو نقش بارز من الواجهة الشمالية للفناء الرئيسي للقصر الذي بناه سرجون الثاني في دور شروكين، آشور (خورساباد الحالية، العراق)، تقريبا عام 713-716 قبل الميلاد، القرن الثامن قبل الميلاد. وهو مستخرج أثناء الحفريات التي قام بها الأثري بول - إميل بوتا في عام ١٨٤٣-١٨٤٤.

من الواضح أن ما نراه في النقش الآشوري هي قوارب بأحجام مختلفة وعدد متباين من الملّاحين، لكنها تشترك في أن مقدمتها على هيئة الفرس، مما لا يعني عدم وجود هيئات حيوانية أخرى لمراكب أخرى.

هل اندثرت هذه المراكب – الحيوانات بعد أفول الحضارة الرافدينية؟ في الغالب الأعم كلا، بل من المستحيل اندثار تقاليد بناء القوارب نهرية وتصاميمها الضاربة في بدايات سومر.

لدينا حتى الآن نموذجان رافدينيان موثّقان من (القوارب – الحيوانات): للفرس والحية، يسبقان كثيرا محاولات الخليفة الأمين.

عرض مقالات: