اخر الاخبار

في أغلب بلدان العالم، تخطط المصارف والبنوك لسحب الأموال المكتنزة وتشجيع المواطنين على الادخار، بغية توفير الأموال اللازمة للتنمية والإقراض، لكن مؤسساتنا المالية، لم تتمكن للآن من كسب ثقة المواطنين، بسبب سياساتها الخاطئة والجشع في استغلالهم، كما أنها لم يستطع مواكبة التطور التقني العالمي الحديث في التعاملات المالية. وبالتالي يلجأ المواطن إلى حفظ أمواله في منزله لخشيته من ضياع أمواله إن قرر ادخارها في أحد البنوك.

وتشير أرقام البنك الدولي إلى أن 23 في المائة فقط من الأسر العراقية، لديها حساب في مؤسسة مالية، وهذه النسبة هي من بين النسب الأدنى في العالم العربي ضمن هذا المجال، علما ان معظم أصحاب تلك الحسابات هم من موظفي الدولة، الذين توزع رواتبهم على المصارف العامة نهاية كل شهر. وهو أمر وفر لعدد من المصارف الحكومية فرصة احتكار الساحة والتحول إلى عامل دعم لمؤسسات الدولة والتخلي عن وظيفته، بحسب خبراء اقتصاديين.

ففي العام 2018 أفاد البنك الدولي بأن أكبر ثلاثة مصارف، وهي الرافدين والرشيد والعراقي للتجارة، المملوكة للدولة، تستحوذ على نحو 90 بالمئة من أصول القطاع المصرفي.

غياب للثقة 

يقول الخبير الاقتصادي صالح الهماشي: ان “الثقافة المصرفية ضعيفة جدا لدى المواطن العراقي، كما ان الدولة لا تروج ذلك، وحتى في مسألة التعاملات التجارية، فالكثير من مؤسسات الدولة تشترط ان تكون الصكوك من مصارف معينة او فروع معينة، بينما يستطيع الانسان في النظام العالمي التعامل مع أي جهة او مؤسسة من خلال أي حساب مصرفي”.

ويؤكد الهماشي لـ”طريق الشعب”، ان “هناك غيابا للثقة بين المواطنين والمصارف عموما سواء كانت حكومية او أهلية. والدولة لا تقدم برامج توعوية وثقافية او تطمئن المواطن بان أمواله مصانة ومحمية وأنها كفيلة بضمان هذا الموضوع”. 

بيروقراطية وروتين

ويوعز الهماشي عدم الثقة إلى “تراكمات منذ سبعينات القرن الماضي، ففي فترة قامت المصارف بتجميد الأموال، وفي فترة اخرى قللت الأرصدة الموجودة، وفي فترة صادرت أموال ضخمة أو حجبت عنها الفوائد. وفي التسعينيات عانى المواطن من تآكل قيمة أمواله المودعة عند المصارف بسبب التضخم”.

ويردف حديثه ان “النظام السياسي بعد العام 2003 اتسم بالفساد، وبما ان بعض المصارف جزء من مؤسسات الدولة، فقد شملها الفساد والتلاعب، حيث افلست بعض المصارف، مثل مصرف الاقتصاد الذي أفلس وتبخرت معه أموال الناس، ومصرف الشمال الذي حدثت به مشاكل وخرج العملاء في تظاهرات فيما صمتت الحكومة حينها” كذلك مصرف دجلة والفرات الذي وضع تحت وصاية البنك المركزي، منذ العام 2016، بينما لم تطلق أموال غالبية المودعين للآن.

ويؤكد الخبير الهماشي ان “النظام البيروقراطي والروتين والابتزاز والاستغلال كانت سببا رئيسا في نفور المواطن من المصارف؛ فعندما يريد الفرد فتح حساب في مصرف ما، فانه يحتاج إلى عمل بيروقراطي كبير جدا، وقد يستمر يومين أو ثلاثة أيام من المراجعات والأوراق الثبوتية، فقط في سبيل فتح حساب، بينما يمكنك فتح الحساب في المصارف العالمية خلال 10 دقائق فقط”.

وحول عملية السحب والإيداع، يقول الهماشي: ان “المصارف مثل مصرفي الرافدين والرشيد كانوا قد حددوا قبل سنتين الحق في سحب كمية معينة من الأموال، أي لا يمكنك سحب مبلغ مالي كيفما تشاء، مهما كانت ايداعاتك. وقللت الكثير من هذه الإجراءات من ثقة المواطن بالمصرف، فأصبح التعامل مع المصارف مرتبطاً بالظروف الحتمية فقط، فاذا كانت لديك معاملة لدى الدولة فستضطر إلى فتح حساب لتجري العمليات الإدارية وتنجز التعامل معها”.

نظام قديم

 ويوضح الخبير ان “تعامل المواطنين في ما بينهم بالنظام المصرفي معدوم في السوق العراقية، وحتى بعد توطين الرواتب فان الموظف بعد نزول الراتب يسحبه بالكامل ولا يبقي عليه ويفضل الاكتناز في البيت لا الادخار بالمصرف، وعدم الثقة تتحملها الحكومات العراقية بمجملها”.

وعن البنى التحتية يقول ان “النظام المصرفي بالعراق ما زال قديما، واعتمدت المصارف الحكومية على تقديم خدماتها لمؤسسات الدولة لجني الأرباح، بينما تعتاش المصارف الأهلية على مزاد العملة، لذلك أُهملت جميع الخدمات المصرفية الأخرى، مثل القروض وتمويل المشاريع والاستثمارات والسندات وسوق العراق للأوراق المالية، التي كان يجب على المصارف ان تلعب دوراً في دعمها”.

ويوضح ان “هناك مصارف في دول إذا أودعت أموالك لديها تعطي خصومات في الفنادق والسينما والمطاعم وحتى تسهيلات عند شرائك لعقار أو دار من أجل استثمار أموالك”، مضيفا أن هذه الطرق التشجيعية تستهدف سحب الأموال من الشارع، وتوجيهها نحو التنمية والاستثمار لكن لدى المصارف في العراق رأس مال محدد ثابت، ويتم استثماره لدى الدولة”. 

ويشدد أيضا على ضرورة ان “تبادر المصارف بتقديم الخدمات وزرع الثقة بينها وبين المواطنين؛ فالكتلة النقدية العراقية الموجودة في السوق تصل إلى 120 ترليون دينار، بحسب بعض التقديرات، التي تشير الى ان الدولة تمتلك 40 ترليون دينار من تلك الكتلة”.

ويؤكد أيضا ضرورة ان “تتعهد الحكومة بالحفاظ على أموال المواطنين، وان تكون مسؤولة وتفرض على المصارف العمل الاستثماري والتنموي، وإلغاء حصر عملية التعامل المصرفي بين مؤسسات الدولة والمصارف الحكومية، وان يتاح ذلك لجميع المصارف”. 

فوائد قليلة 

ويعزو مصدر مطلع يعمل في أحد المصارف الحكومية، سبب عدم لجوء المواطن إلى ادخار أمواله في المصارف إلى “فوائدها القليلة”.

ويبين المصدر في حديثه لـ”طريق الشعب”، ان “الفائدة القليلة لا تعد عامل جذب عند المواطن، فالغاية من عملية الادخار لدى المصرف هي تحقيق ربح من خلال الفائدة السنوية، وهذا غير موجود لدى مصرفي الرافدين والرشيد، بينما عند تشغيلها خارج المصرف يمكن تحصيل فوائد أكثر من التي يمنحها المصرف”.

ويشير الى ان “تغيير سعر الصرف له تأثير سلبي على عملية الادخار، فالناس اليوم توجهت إلى التجارة وشراء العقارات والأراضي، وتركت بالمقابل الادخار في المصارف”. 

لا ضامن!

يقول المواطن احمد علي، انه يواجه ـ عند إيداع امواله في المصرف ـ جملة من الإجراءات الروتينية والمعاملات والتعقيدات المرهقة. لكنه في مقابل ذلك لا يعتقد بوجود ضامن لارجاع أمواله المدخرة، اذا ما أعلن المصرف افلاسه، لأي سبب كان.

ويضيف فى حديثه لـ “طريق الشعب”، ان “بعض المصارف الاهلية تحتال قانونيا على العملاء”، مبرهنا على ذلك بما حدث معه: “كنت قد ادخرت مبلغا من المال في أحد المصارف الخاصة، حيث استقطعوا مني 80 دولاراً، بينما انا لم أحرك من رصيدي شيئاً، وعند استفساري منهم تبين انهم طبقوا قراراً حديثاً بأثر رجعي!”.

ويشير أيضا الى ان “إذا كنت تعمل مع شركات في خارج البلاد، وتجري بينكما عملية تحويل أموال بالدولار، فان المصارف العراقية تقوم بتحويلها الى عملة الدينار العراقي بهدف تحقيق استفادة من فرق العملة”.