اخر الاخبار

يرمي هذا المقال إلى إحاطة النخبة المنتخبة حالياً بالقرارات التي اعتمدها النظام المالي الجديد منذ عام 2003 والتي مضت بالاتجاه الذي رسمه لها الحاكم الامريكي بريمر نحو تثبيت سياق جديد بالرواتب وقد أُخذت الآثار المالية والإدارية المترتبة على هذه التدابير في الحسبان، و أُدرجت فعلاً نظم ولوائح الموظفين لاحقاً في القوانين المنظمة لرواتب موظفي الدولة والقطاع العام كقانون 22 لسنة 2008 الذي خلق تفاوتا مهولا فيما يخص رواتب وعلاوات وبَدَلات وسائر استحقاقات الموظفين الذين يشغلون وظائف مماثلة، وهذا مخالف للنظم الالهية والانسانية معاً، قال تعالى (إن الله يأمر بالعدل) و”العدل” هو “القسط والموازنة”  فتجد موظفين بنفس الدرجة أحدهم يستلم مقدارا معينا من الراتب والآخر يستلم أضعاف ذلك، فضلاً عن تخصيص قطع أراض وحوافز متعددة وإيفادات مستمرة وحرمان غالبية عظمى منها في وزرات اخرى، مما أثار استياءً كبيرا بين موظفي وزارات الدولة، جعل سبل العيش والرفاهية تميل لأطراف دون غيرها ضمن نطاق البلد الواحد والسمة الوظيفية المشتركة بينهم، مما شكل تغريبة وظيفية داخل الوطن الواحد، حتى بات موظف الوزارات التي تم اقصاؤها عن العدالة والمساواة في الرواتب كأنّه غريب عن مجتمعه، الأمر الذي ساهم في وضع الكثير من الموظفين تحت أعباء وضغوطات مادية متعددة، دون أقرانهم العاملين في مؤسسات ووزرات وهيئات مهدت القوانين النافذة بحقها عيشاً رغيداً مفعما بالرفاهية، وهذا الأمر يمكن ان يتجلى بوضوح لدى موظفي الرئاسات الثلاث ابتداءً من موظفي البرلمان وأمانة الوزراء وانتهاءً بموظفي رئاسة الجمهورية وموظفي وزارات كالنفط والمالية والكهرباء وبعض الهيئات المستقلة، وبقاء الأمور على حالها لا يضع اعتبارا لقيم الانصاف والعدالة أو للأبعاد الاجتماعية .

إن التفاقم السريع لظاهرة التفاوت في الرواتب كدخل شهري يستحصله الموظف يقود إلى تهديد الاستقرار الاجتماعي داخل البلد، ويزيد التوترات بين صنوف الموظفين مما يقوّض تحقيق المساواة، الأمر الذي ساهم في جعل مؤشرات قياس اللامساواة، ومنها معامل جني (Gini coefficient)، في كشف تزايد فجوة الدخل، حين أن ارتفاع هذا المؤشر يقود إلى ارتفاع مؤشر اللامساواة.

كل هذه الأسباب أدت إلى زيادة درجة التفاوت في توزيع الانفاق الفردي وفي ظل غياب التشريعات القانونية، مؤشر جيني بدوره يوضح لنا عمق التفاوت في الدخل وما له انعكاس على الانفاق.

يقول سقراط (العدالة منبع كل حق)

وفي حال إحساس الموظفين بعدم المساواة يظهر نوع من السلوكيات السلبية مثل ترك العمل أو تقليل مدخلات أو مخرجات الغير، فضلاً عن عدم التعاون مع الزملاء، وزيادة حدة الصراع، فضلاً عن انخفاض الأداء الوظيفي بصفة عامة.

ونحن اذ نحيط علما بأهمية قيام اللجنة المالية النيابية في الدورة البرلمانية الحالية، بناءً على مبادرة منها أو عن طريق ممارستها للصلاحيات الممنوحة لها بموجب المادة 60 من الدستور، باعتماد واتخاذ تدابير تؤثر في رواتب الموظفين وعلاواﺗﻬم وسائر استحقاقاﺗﻬم وفق المادة أعلاه والتي تتيح تشريع قانون جديد من خلال وضع سلم رواتب جديدة لتقليل الفوارق ولتقليل طلبات النقل من وزارة إلى أخرى إضافة إلى تنظيم قانون جديد يراعي التغيرات الوظيفية” نظرا لكون إصلاح نظام الخدمة المدنية يُعد واحدا من أهم عناصر إصلاحات المالية العامة، مع الإشارة أن تشريع قانون جديد للخدمة المدنية تمت قراءته قراءة أولى، وطرح في الدورات البرلمانية السابقة لكنه لم يمرر لوجود اعتراضات، وكان من المفترض ان يكون هذا القانون بديلاً عن قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960.

ولا بد أن نشير في هذا المجال أن إعداد سلم الرواتب هو من صلاحية مجلس الوزراء الذي يقدر ذلك ويرصد التخصيصات لذلك في الموازنة (حيث إن صرف الرواتب والعلاوات يعتمد على إقرار قانون الموازنة) اذ يمكن لمجلس الوزراء تعديل سلم الرواتب الحالي أو اضافة تغييرات جديدة وفق قانون رقم 22 لسنة 2008، وذلك لزيادة مستويات تنافسية أدائهم، والارتقاء بنوعية الموارد البشرية العاملة في هذا القطاع بما يساعد على تحقيق نقلة نوعية في مستوى تقديم الخدمات الحكومية.

إلا أن مسألة إعداد سلم جديد للرواتب حكومية ابتداءً تحتاج إلى موافقة مجلس النواب، ونؤكد بهذا الخصوص أنه منذ مدة يجري الحديث عن هكذا مشروع لكنه يتأخر لعدة أسباب” تتلخص بسبب تغيير الحكومات وتحديات الوضع الاقتصادي والتضخم الموجود، فضلاً عن آثار ارتفاع سعر صرف الدولار نهاية العام الماضي وهذه كلها أثرت باتجاه عدم إعداد سلم جديد للرواتب”. فتغيير سلم الرواتب مرهون بتشريع قانون جديد للخدمة المدنية يقلل الفوارق بين الوزارات، وهذا يدعونا إلى دعم مدركات الموظفين للعدالة التوزيعية من خلال عدالة الرواتب والأجور والحوافز، وموضوعية نظام الرواتب والأجور والحوافز والمكافآت التي يحصل عليها الموظفون، وربطها بحجم خبراتهم السابقة، ومؤهلاتهم العلمية، وتوزيع الأعباء والواجبات والمسؤوليات الوظيفية بشكل عادل ومناسب، ووضع نظام لتصنيف الوظائف يحدد مهام وواجبات كل وظيفة، فقد أصبح موضوع العدالة التنظيمية لرواتب الموظفين مثار اهتمام العديد من الباحثين في مجال الدراسات الإدارية.

ـــــــــــــــــ

*كاتب عراقي