اخر الاخبار

لا شك أن الأبوذية من أكثر انماط الشعر الشعبي انتشارا وذيوعا في الاوساط الشعبية وحضت بالاهتمام من الشعراء الشعبيين فنظموا فيها، وتراثنا الشعبي يحفل بالنماذج الكثيرة، وأكثر المغنون من اقتناص نماذج منها فغنوها بأطوار مختلفة،  وغناؤها يتميز بالنواح والشجن ، وهي من الفنون المتجددة القابلة للتطور والتنوع، ويقدر عمرها الزمني لأكثر من مائة وخمسون عاما،وقد أختلف المعنيون بتسميتها ولهم في ذلك آراء مختلفة، وقيل أن أول من وزنها أو قالها هو حسين العبادي، فيما ذهب بعض الباحثين بعيدا وأعادوها الى أصول بابلية أو يونانية، فيما اسماها أحدهم بالعبودية نسبة الى مبتكرها حسين العبادي، وبعيدا عن كل هذه الآراء والمسميات فقد أصطلح على اسمها الشائع الأبوذية وعرفت به وغابت الاسماء الأخرى في غياهب التاريخ.

وهي أنواع عرف قديما منها الأبوذيةالمطلقة والابوذية المولدة، وحاول الشعراء التجديد وإخراجها من حدودها المعروفة فنظموا الابوذية السداسية التي تتكون من ستة أشطر والسباعية التي جاءت بإضافة شطر سابع والعشرية التي تكونت من عشرة أشطر، والمدورة والمحبوسة والملمعة والمذيلة والمقطعة والموحدة وذات الجناسين والمقسومة بقافية وجناس والمخالفة وغيرها وكل هذه المسميات تختلف اختلافا بسيطا جاء من خلال التلاعب بالكلمات والسياقات المتبعة ولم يكن أي منها نوعا جديدا من أنواع الشعر الشعبي، بل هي تغييرات حاول البعض من خلالها التغيير لإظهار قدراته على التنويع والابتكار. وهناك نوع يسمى بالابوذية المنثورة أو ذات الحواشي، وهذا النوع من النظم يأتي ببعض الحواشي (وهي مقاطع شعرية قصيرة) بعد الشطرين الأول والثاني ويختلف عدد المقاطع من شاعر لآخر، بحسب مقدرته الشعرية لذلك سميت بالمنثورة ومنها ما ورد في منتخبات الأبوذية الكبرى لمؤلفه الراحل الاستاذ علي الخاقاني:

هله بلي سره ونوره محا الليل 

التجافي أهل الهوه عدهم محا الليل

شم انهود

مص اخدود

نوم اطباﮔ

نشف ارياﮔ

لف الساﮔ فوڰ الساﮔ

كل هل عدد ليغري محا الليل  

الهي بيا سبب يحرم عليه

وأثناء مطالعتي لمجلة لغة العرب التي اصدرها الأب انستاس ماري الكرملي وجدت في الجزء التاسع  من السنة الخامسة - 1927 ص514-519. نوع آخر منها ونصه:

حـﭽت والدر ينشف مـــن شفتها

يخوتي شاب راسي مـــن شفتها

لا هي نار لا هي ذهبة بالكور

لا هــــي درة الــــــــــــببحــــور

 لا هي شيــــشة البــــــــلور

لا هي صقر فوق وكور

لا هي لبسوها من شفتها

غرير وتاهت اوصافـج عليه

وهذا البيت من التراث الشعبي القديم مجهول القائل ويدل على قدم هذا النوع من التجديد في الأبوذية وهو ما درج عليه بعض شعراءنا الشباب هذه الايام من محاولات للتطوير والتغيير في طرائق النظم، وهو ما يدلل على أن التغيير أومحاولات التغيير كانت من السوابق التي كان عليها الشعراء في بدايات القرن الماضي والمحاولات الجديدة هي انجرار خلف تلك المحاولات التي لم يقيض لها البقاء وظل النمط السائد فيها هو النمط القديم الذي يعزى ظهوره الى قرنين من الزمان.