اخر الاخبار

كلُّ عملٍ أو انجاز مستخلَص من روحيّة عاملِه ، ومعجون بدمه وممتزج بكل حناياه مع أماني الناس ، يبقى في ذاكرة الناس طريّا إلى ما لا نهاية ، بل يصبح أيقونة يعلّقها العاشقون في جيدهم !!

هذا ما حصل ويحصل مع أوبريتي بيادر خير والمطرقة، وبينهما أغنية ( يا عشكنا ) !!

قبل أكثر من خمسٍ وخمسين سنة كانت أحلام مجموعة من الشباب الذين امتزجت أرواحهم بحب الوطن والناس ، أن يقدّموا عملاً فنياً جديداً يختلف عما يطرح على مسارح البلاد ، اجتمعوا عوائل وأصدقاء وأحبّه وقرّروا أن يقدّموا مسرحية غنائية راقصة (أوبريت ) وهذه لأول مرّة تطرح على المسارح العراقية ، فكانت حصيلة هذا الجمع العاشق لفنّه وناسه ووطنه أوبريتي ( بيادر خير، والمطرقة ) إشترك في كتابتهما كفكرة وحوار وسيناريو وأشعار ( خالد الخشّان ، ياسين النصيّر ، علي العضب وآخرون ) ليقوم بالتلحين الفنانان حميد البصري وطالب غالي ، ويتولى الإخراج  قصي البصري، وفي الأداء عدد كبير من الفنانين والفنانات منهم  فؤاد سالم وشوقية العطّار، اللذان اشتركا بثنائي غنائي ظل صداه يرنّ في آذان وخيالات الأجيال المعاصرة للعرض وما تلاها، إنها أغنية ( ياعشكنا، فرحة الطير اليرد لعشوشه عصاري) ، التي صارت نشيداً وطنياً لكل عاشق للوطن والناس، وظلّت على مدى السنوات معزوفة عشقٍ أزلية !!

حوربت هذه المجموعة من قبل النظام الديكتاتوري الفاشي، وهرب جلّ أعضائها خارج الوطن خوفاً من بطش الفاشيين الذين أرادوا النيل منهم لأنهم عاشقون حقيقيون لتربة هذه البلاد ، كما قام النظام بمحاولات عديدة لإتلاف الأشرطة التي تم تسجيل هذين الاوبريتين عليها ، لكن هناك مَنْ احتفظ بجزء منها ، لتظلَّ خالدة رغم كل شيء !!

بعد نصف قرنٍ وخمس سنوات تجيء شوقيّة العطّار بصحبة ابنتها بيدر تلبية لدعوة لحضور مهرجان المربد الشعري أخيرا في البصرة ، تجيء بلا حميد البصري ، الفنان والمعلّم والزوج الحبيب الذي يرقد غافياً في تراب هولندا بعدما أفنى سنوات حياته يؤلف الألحان والموسيقى والأغاني للوطن والناس ،حتى وهو في غربة المنفى !!

جاءت شوقيّة حاملة كل ارث السنوات تلك وعشقها لبصرتها وناسها ومحبّي فنها والحان البصري أيضاً، لتفتح قلبها للجميع معيدة إلى الأذهان ذلك الصوت الساحر وهي تنشد ( ياعشكنا انمد سوابيط العنب ونحوش ياعصاري ) بعيون دامعة، لأنها تفتقد حبيبها وشريك عمرها حميد البصري ، لكن وجود بيدر إلى جانبها خفف عنها الحزن لتنطلق بصوتها منشدة ( كاعنه فضة وذهب واحنه شذرها ) فتجعل الدموع رقراقة في عيون الجميع وهم يرددون معها ( واشحلاة العمر لو ضاع بعمرها ..ياعشكنا ..ياعشكنا .. ياعشكنا )!!

أما بيدر فأنشدت ( كل الأغاني انتهت إلاّ أغاني الناس ) لتجعل روح سعدي يوسف ترفرف في قاعة الشهيد هندال، معلنة عن التحامٍ روحيٍّ بين كل مَنْ يقدّم شيئاً حقيقياً خالياً من التزييف والتزويق والدغش أبدا ، انه عشق الوطن والناس ذلك الشيء الذي يسكن الأرواح والنفوس ولن يتغيّر رغم كل المتاعب والصعاب وسنيّ الغربة .

عرض مقالات: