اخر الاخبار

نعود ثانية اليوم، للفتى الذي لا يشيخ، للحزب في عيده التسعين، لنستعيد دروس الماضي ومحطاته المشرقة، لا في مسعى للتمجيد، رغم أنها أهل لهذا، ولكن لنقف في محرابها تلامذة وعشاقا، ولنتعرف على أسرار هذه الفتوة التي استعصت على صعاب السنين، والتي مكّنته من أن يُبقي جوهر سياسته وشعاراته ضاجة بالحيوية في أغلب مفاصلها، وأن يطّور ما تقادم منها ويقيّم الهفوات ويتعلم من دروسها.

في المحطات الأولى،  كان سر الفتوة الأبرز إنتقاء شعار “وطن حرّ وشعب سعيد” ليعكس هوية الحزب، لأنه جمع ببساطة بين الأهداف الوطنية العامة، المتمثلة في النضال لتحقيق الإستقلال وحماية السيادة والدفاع عن مصالح البلاد التي لا يعلو عليها شيء، وبين الأهداف الطبقية لأغلبية العراقيين من العمال والفلاحين وجموع الكادحين وشغيلة اليد والفكر الذين يتوقون للسعادة، للحرية والعدالة الاجتماعية.

وقد تجسّد هذا الشعار في كفاح الرفاق الأوائل ضد الإنكليز ومن أجل التحرر قبل أن يكونوا شيوعيين، ثم - وكما قالها فهد – راحوا يشعرون بمسؤولية أكبر تجاه العراق حين صاروا شيوعيين. ومن أجل هذا الجمع ذاته، تصدّرت بيان التأسيس مهمتان (لا نريد أية قاعدة حربية للإنكليز، وتغيير اتفاقية النفط لتكون لصالحنا)، إلى جانب مهمتيّ (توزيع الاراضي على الفلاحين، وسن قانون حماية العمال).

وارتكازاً على هذا الجمع، جاء نضال الحزب، من أجل التحرر من الإمبريالية ودحر الهتلرية والتصدى لحلف بغداد واسقاطه وتحرير الثروات الوطنية والخلاص من الهيمنة الإستعمارية، متزامناً مع قيادته لعشرات الإضرابات العمالية في الميناء والسكك ومعامل الطحين والسكائر والاحذية وكاورباغي وكي 3 و الزيوت و غيرها، والعديد من الإنتفاضات الفلاحية في سوق الشيوخ والبصرة والحي والموصل والعمارة والشيخان و دزه ئي والشامية والديوانية وفي مناطق متفرقة فيما بعد.

وتجلى هذا الترابط بين ما هو وطني وما هو طبقي، طيلة سنوات النضال لإسقاط الدكتاتورية. ففي الثمانينيات رفع الحزب شعاره الشهير لا للحرب، لا للدكتاتورية، ولم يقع في أوهام ثنائيات، كانت تشترط تواصل الحرب حتى سقوط الدكتاتورية أو كانت تريد مهادنة النظام وربما الاصطفاف معه. ثم رفض إسقاطها بحرب خارجية وقاطع كل نشاط معارض يكان يستهدف شرعنة التدخل وتحويل الصراع الاجتماعي والنضال الوطني إلى صراعات قومية وطائفية، واعتبر مهمة إسقاط الدكتاتورية، قضية عراقية يجب أن ينجزها العراقيون بأيديهم. وإجتهد الحزب لاحقاً في المشاركة في العملية السياسية، معتبراً إياها شكلاً نضالياً لإستعادة السيادة، فرضته وقائع الخلل الجليّ في ميزان القوى بين الشعب والاحتلال وتفاقم الإستقطابات الطائفية والقومية. ودرءًا لمخاطر السير في حقل الإلغام هذا، والتي تفاقمت وسببت تضحيات غير قليلة، طرح الحزب مشروعه الوطني الديمقراطي ودعا كل القوى الحريصة على حرية البلاد ومستقبلها إلى التجاوب معه لإنهاء الاحتلال واستعادة السيادة الكاملة وتغليب مصالح الوطن والشعب العليا واعلاء مبدأ المواطنة وإعادة بناء الدولة العراقية على أسس دستورية ديمقراطية اتحادية وتحقيق تنمية اجتماعية – اقتصادية.

منذ التأسيس وتجاوباً مع هذا الشعار، بادر الناس في كل بقاع العراق، لبناء منظمات للحزب، موحدة وديمقراطية وفي صراع لا يلين مع الإستبداد، منظمات تثق بكادحي شعبنا ومضطهديه، ومدافعة عنيدة عن حقوقهم في التنظيم والحرية وعن التوزيع العادل للثروة، منظمات ينشط في صفوفها نساء ورجال من كل الأطياف والفئات والطبقات الاجتماعية. وبالمقابل، بادر الشعب لرفد الحزب بدماء جديدة، كلما نجح الشقاة المستبدون، المدججون بسلاح إمبريالي غاشم، في الإضرار بتنظيماته، فبُنيت منظمات أقوى عوداً وأشد حماسة، حتى من تلك التي استشهدت.

عرض مقالات: