اخر الاخبار

إن السياسات التي رسمتها إدارة الاحتلال الأمريكي بنيت على أساس قناعات مسبقة ذات طابع أيديولوجي في اعتماد السوق محورا للنشاط الاقتصادي وآلية لتوجيه الموارد، وتعطي الأولوية في السياسات الاقتصادية للقطاع الخاص، واجتذاب الاستثمارات الأجنبية والشركات متعدية الجنسية الناشطة في ظل العولمة المتوحشة، وما يجري من توجهات على أرض الواقع وإجراء تعاقدات مع شركات أجنبية  تشي بمخالفات واضحة لتعليمات تنفيذ العقود ومنحها استثناءات غير مبررة دون الإفصاح عن طبيعتها من شأنها أن تؤدي إلى اضمحلال تدريجي  للطاقات الإنتاجية الوطنية لاسيما في قطاعي الصناعة والزراعة أمام غزو السلع المستوردة  انطلاقا من تلك السياسات.

 ومن الملاحظ من خلال التصريحات الرسمية، أن الحكومة تنوي تبني نهج جديد يستهدف تنويع مصادر الاقتصاد وتنشيط حركته من خلال حلول تعالج التحديات  التي كانت ملازمة منذ عام 2003 وتمتد جذورها إلى ما قبل هذا التاريخ، وهذا ما أكدناه مرارا وتكرارا  غير أن من بين هذه الحلول توفير البيئة لتدفق الاستثمار الأجنبي إلى اقتصاد البلد الذي يعاني من اختلالات هيكلية ممتدة، غير أن تنويع مصادر الاقتصاد تواجه جملة من التحديات  تتعلق بالبنية التحتية والتشريعية، و مما يلاحظ على هذا التوجه أن هذه المشاريع يتم تنفيذها عن طريق الإحالة المباشرة مع استثناءات عديدة من تنفيذ العقود الحكومية  إلى جانب عدم الشفافية في ابرام هذه العقود، مع الإشارة إلى ارتفاع تكاليف التنفيذ ما يشي باحتمالات الفساد في هذه العقود، ومن بين هذه المشاريع مشروع المترو عن طريق احالته للاستثمار الخاص بالتعاقد مع شركة ماليزية بالمشاركة مع شركة لبنانية رغم ان هذا المشروع الذي تمتد جذوره إلى أوائل ثمانينيات القرن الماضي وكان مطروحا بعد عام 2003 بتمويل حكومي، هذا إضافة إلى الاتفاقية التمهيدية الموقعة بين مجموعة موانئ أبو ظبي مع الشركة العامة لموانئ العراق  سيتم بموجبها تأسيس مشروع مشترك لتطوير ميناء الفاو الكبير واية توسعة إلى جانب المنطقة الاقتصادية المحاذية للميناء. غير أن الملاحظ ان هذه المشاريع تفتقر إلى الشفافية في التعاقد والتنفيذ وكان من المفروض اطلاع الناس عليها والمشاركة في مناقشة الخطط من خلال ممثليها في البرلمان ومجالس المحافظات والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، كما يلاحظ أن التركيز يجري على الاعتبارات السياسية.

   وبالرغم مما أوردنا من ملاحظات فإن الاستعانة بالاستثمار الأجنبي يبقى في التحليل النهائي وفي حال توافر الشروط القانونية والنزاهة ومقتضيات الضرورة وحاجات الاقتصاد أمرا حاكما لتنويع مصادر الاقتصاد، لكن ذلك يواجه جملة من التحديات بينها تأخر العراق بمؤشر سهولة ممارسة الإعمار مع انتشار البيروقراطية الإدارية ومحاولات الابتزاز فضلا عن عدم ملائمة البنية التحتية المتمثلة بالصعوبات القانونية المرتبطة بمناخ الاستثمار باستثناء القطاع النفطي والقطاع السكني اللذين يوفران اغراءات كبيرة للاستثمارات الأجنبية.

كما سجل اجمالي الإنتاج الإجمالي غير النفطي نموا ضعيفا حيث أصيبت بالركود والانكماش الأنشطة الصناعية والزراعية واتساع فجوة الدخل المتقاربة مع البلدان النظيرة. ولا شك في أن ارتفاع مستوى التوترات في منطقة الشرق الأوسط بفعل الحرب الإسرائيلية الظالمة ضد الشعب الفلسطيني واحتمال انتشار لهيب الحرب إلى دول المنطقة يعد من العوامل الضاغطة على عملية الاستثمار الأجنبي.

 وبناء على ما تقدم فان التوجه الحكومي مطالب لكي يجتاز التحديات التي تواجه الاستثمار بكل أنواعه بمراقبة تطبيق التشريعات والتعليمات المتعلقة بالعقود، ونرى بهذا الخصوص مراعاة الاتي:

  1. ضرورة اعتماد الشفافية التامة في التعاقدات الحكومية مع الشركات الاستثمارية على أساس القواعد المقررة وإبعاد الفاسدين عنها حفاظا على المال العام وعرض العقود على البرلمان ومجالس المحافظات ومنظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية والعلمية لأبداء الراي بشأنها.
  2. إن انسحاب الدولة عن بعض القطاعات كالصحة والتعليم والنقل والإسكان بالإضافة إلى الصناعة والزراعة وفي نفس الوقت الاعتماد على الشركات والتطور الرأسمالي المشوه ودخول الاستثمار الأجنبي في كل مفاصل الاقتصاد سوف ينتج مزيدا من الافقار وتوسيع الفجوة بين طبقات المجتمع وهدم الإصلاحات الحقيقية في الاقتصاد والمجتمع.
عرض مقالات: