اخر الاخبار

لا تملك وزارة الصحة أرقاماً وإحصائيات محددة عن أعداد مرضى التوحد، لكن مؤشرات المرض تتصاعد بصورة صامتة، وهذا ما ينبئ به انتشار معاهد ومراكز علاج المرض في جميع أنحاء البلاد، في ظل ضعف الرعاية الحكومية.

وتفيد دراسة أجراها معهد الدراسات في جامعة كامبريدج عن مرضى التوحّد في العراق بأنه انتشر بنسبة كبيرة مقارنة بالسنوات التي سبقت الغزو الأميركي للعراق، ووصل عدد الحالات إلى 75 حالة لكل عشرة آلاف شخص من الأعمار ما بين خمسة أعوام و11 عاما.

ويتحدث مواطنون عن صعوبات كبيرة تواجههم في معالجة أطفال التوحد، فيما تفيد مدربة متخصصة بأن أولياء الأمور هم ايضاً بحاجة الى تأهيل لغرض تمكينهم من معالجة أطفالهم المرضى.

وتحتل العاصمة بغداد والبصرة والموصل وكركوك الصدارة في عدد المصابين بهذا المرض.

ولا يوجد في بغداد، التي يسكنها 9 ملايين شخص، إلا مركزين حكوميين لعلاج مرضى التوحد؛ الاول في مدينة الطب والثاني بمستشفى اليرموك، الأمر الذي يضطر الكثير من الأهالي إلى التوّجه لمراكز خاصة ذات تكاليف علاج باهظة من أجل الحصول على رعاية وتدريب.

صفوف الدمج التربوي

وأصدرت وزارة التربية إعماما على مديريات التربية، مؤخراً، بضرورة الاهتمام بفتح صفوف خاصة بمصابي متلازمة التوحد، للتعليم الابتدائي والثانوي.

يقول المتحدث باسم الوزارة، كريم السيد، إن «من مسؤولية قسم التربية الخاصة في الوزارة متابعة المدارس التي تحوي صفوفاً للدمج التربوي»، مبيناً أن «هذه الصفوف يجب ان تكون مستوفية لبعض الشروط، كأن تكون بعيدة عن الصفوف الأساسية، ولها مراقب خاص بها، وذلك لتجنب الأضرار التي قد تحدث بسبب الاختلاط».

ويشير المتحدث الرسمي في حديث خصّ به «طريق الشعب»، الى وجود تحديات ومشاكل في «البنية التحتية للمدارس، ما يعيق فتح الصفوف الخاصة، لا سيما في المناطق النائية»، لافتاً إلى وجود «مدارس مماثلة تابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، لكن مدارسنا لها جانب تربوي، ويقع على عاتقنا جزء من المسؤولية تجاه تلك المدارس».

ويؤكد أنّ «الاعمام الذي صدر عن الوزارة جاء بهدف التقليل من معاناة الأهالي، في ظل ارتفاع نسب المصابين بالتوحد» وفقا لقوله.

مقبلون على كارثة

يقول المواطن أكرم محمد لـ»طريق الشعب»، وهو والد طفل مصاب بمرض التوحد: اذا أرادت الحكومة أن تفتح صفوفا خاصة ضمن المدارس العامة، عليها ان «توفر إمكانيات لهذه الصفوف مثل الأثاث ووسائل التعليم والألوان ومجسمات والرسومات ومستلزمات التوضيح، اضافة الى كادر تربوي ونفسي متخصص لمعالجة هذه الحالات، وبذلك سوف نكون وصلنا الى جزء بسيط من المعالجة».

ويضيف محمد: أنه «خلاف ذلك فإن الأطفال سوف يواجهون صعوبات كبرى، كون جلوس الأطفال المصابين بالتوحد في بيئة غير سلمية، سوف تتعقد حالتهم كون الأهالي والأطفال غير متقبلين لفكرة هذا المرض. وهنا سوف تتفاقم المشاكل حتى وإن جرى تماثله للشفاء، في حال تم وصمه بالمتوحد. وهنا يجب ان يكون هناك متابعة للحالات حتى بعد الشفاء».

المرض يشبه السرطان

وتتحدث المواطنة أنوار جاسم لـ»طريق الشعب» وهي أم لطفلة مصابة بالمرض، عن الصعوبات التي تواجهها في معالجة طفلها بالقول: «كوني ام طفل مصاب بطيف توحد، اضطررت الى ادخال ابني في مدرسة خاصة لتوفر الإمكانيات ولوجود كادر تدريسي لديه إمكانية كبيرة في معالجة هذه الحالة، بالإضافة الى التدريب داخل المنزل».

وتتحدث جاسم عن تكاليف إضافية في هذا الامر، فكيف بالعوائل الفقيرة، التي تضطر الى «إدخال أطفالها في مدارس عامة التي لا يتوفر فيها إمكانيات للتدريس للأطفال الأسوياء فكيف بالمرضى؟».

وتتحدث هذه الأم، عن الصعوبات التي تواجهها في المحيط العائلي وكذلك الآخرين، الذين لا يعرفون كيفية التعامل مع هذا المرض.

وعن المنهج التربوي، تؤكد جاسم ضرورة ان يكيف مع إمكانيات التلميذ المصاب مع أهمية ان يكون الكادر التدريسي متمكن من إيصال المادة.

وأشارت في حديثها الى وجود العديد من العوائل ممن ليس لديهم إمكانية في متابعة أطفالهم مما يضطرهم الى تركهم عرضة للتنمر وغير ذلك. وفي هذه الحالة نحن بحاجة الى حملات للتضامن مع الأهالي والأطفال وزيادة التوعية بأهمية تمكين الأطفال من العلاج كونهم لديهم حقوق أيضاً.

وتؤكد جاسم، انه بالإضافة الى التوعية هناك حاجة الى معالجة المشاكل التي تؤدي اغلبها الى هذا المرض مثل اكمال الفحوصات الطبية قبل عقد الزواج وكذلك اللقاحات قبل الإنجاب، وهذه مسؤولية القضاء ووزارة الصحة.

وتلفت جاسم النظر الى خطورة عدم الكشف المبكر عن هذا المرض، فقد يكون هناك أطفال مصابون، لكن الأهالي لا ينتبهون اليه الا بعد استفحال المرض، ما يفاقم الحالة ويصعب العلاج.

وتفيد بأن «أطفالا آخرين قد يصابون بعد وصولهم الى مراحل متقدمة عمرياً لذلك يجب ان يتوفر اختصاصيون نفسيون يتابعون الأطفال كل ستة اشهر على الأقل حتى يجري السيطرة على المرض، وتتم معالجته بأسرع وقت».

الحاجة لمنهاج خاص

تقول ميسون الحديدي، رئيس مركز دار العطاء للتوحد وذوي الاحتياجات الخاصة، إن «أطفال التوحد ممن يجدون صعوبة في الاندماج مع أقرانهم في المدارس، يواجهون صعوبة في دراسة المنهاج الاعتيادي، حتى في المدارس الخاصة، ما يتطلب إعداد مواد تعليمية مناسبة لهذه الشريحة».

وتؤكد الحديدي خلال حديثها مع مراسل «طريق الشعب»، ضرورة «الاهتمام بإعداد منهاج دراسي من قبل وزارة التربية، وأن يعمم ذلك على كافة المدارس وصفوف الشرائح الخاصة»، مشددة على ضرورة «الالتفات للتحديات التي تواجه المعلم المسؤول عن تلك الصفوف، في ظل تفاوت الأعمار والقدرات الاستيعابية للطلبة داخل الصف».

وأنشأت الحديدي دار العطاء للتدريب والتأهيل في العام 2016 وكان يضم 12 طالباً فقط، وهؤلاء الان في المرحلة المتوسطة.

تقول الحديدي، ان «الفكرة جاءت من إيماني بأن هذه الشريحة تستحق ان تنال حقها في التعليم والحصول على شهادات علمية»، مشيرة الى انه «بعد نجاح التجربة من خلال تحسين النطق واستيعاب المواد، انطلقت مجموعة دار العطاء في اربع محافظات».

وحتى الآن تخرج من دار العطاء حوالي 400 طالب، وبعضهم واصل دراسته في المدارس الأساسية.

تأمل الحديدي الاهتمام بالجانب التوعوي لهؤلاء المرضى، وتعريف بقية الأطفال بمتلازمة التوحد وبقية الامراض التي يعاني منها اقرانهم.

غياب مراكز التأهيل

ويتحدث الجهاز المركزي للاحصاء عن وجود اكثر من 350 الف طفل معوق بالفهم والادراك.

وتؤكد مراكز مختصة بالاطفال المصابين بالتوحد في العراق، أن هؤلاء المرضى يعيشون ظروفاً غير مؤمنة بسبب عدم وجود مراكز حكومية تخصصية لتأهيل الاطفال المصابين بالتوحد ومتلازمة داون وفرط الحركة وغيرها من الامراض الوراثية التي بدأت تنتشر بشكل كبير مؤخرًا.

يقول مؤمل مجيد، متخصص في علم النفس، أن «اغلب أهالي الأطفال المصابين بالتوحد وبقية الامراض المشابهة، يتخوفون من وضع أطفالهم في المدارس الحكومية، وقليل منهم يتجه الى القطاع الخاص، لشحة مراكز التأهيل والتعليم لهذه الشريحة.

ويُعّرف مجيد لـ «طريق الشعب»، مرض التوحد بأنه «اختلال طيفي يؤثر على التفاعل الاجتماعي والاتصال، ويظهر غالبًا في الطفولة المبكرة»، مؤكدا أهمية «انشاء مراكز تأهيل وتدريب لمرضى التوحد وبقية الامراض، بعدد يلائم الحاجة، كي لا يضطر الأهالي لدفع مبالغ باهظة لاجل وضع أطفالهم في مراكز خاصة»، مشيرا إلى أن «فتح الصفوف أمر غير كاف، والإجراءات الحكومية لا ترتقي لمستوى المشكلة، خاصة بغياب أصحاب الاختصاص والخبرة حتى في المعاهد الخاصة، والتي تغيب عن اغلبها الرقابة الحكومية».

واقترح مجيد أن «تضع الوزارة في الصفوف الخاصة بمدارسها باحثين اجتماعين ونفسيين، لاجل مراقبة وضع الطلبة وضمان ادماجهم بشكل صحي، كون الدمج الاجتماعي اكبر تحد لطفل التوحد».

الأهالي بحاجة الى تأهيل!

وتؤكد نغم جبار، باحثة نفسية وهي صاحبة مركز خاص لتأهيل أطفال التوحد، ضرورة ان يجري تأهيل أهالي المصابين بهذا المرض.

وتضيف جبار لـ»طريق الشعب»، أن «80 في المائة من الأهالي الذين يخضع أطفالهم للتدريب لا يقرون بإصابة أطفالهم. وبالتالي نحن نقوم بدور تأهيل الأهالي والأطفال لغرض المساعدة في علاج الطفل، لأن العلاج لا يقع على مراكز التأهيل فقط، إنما هو مسؤولية متكاملة».

وتشير الى أهمية فتح حضانات ورياض أطفال حكومية خاصة بأطفال التوحد لتأهيلهم قبل افتتاح الصفوف او المدارس الخاصة.

بيئة صديقة للأطفال

تقول إيناس هادي سعدون، ماجستير علوم تربوية ونفسية، إن «البيئة العراقية تتطلب جعلها صديقة لأصحاب التوحد، من خلال تعزيز الوعي المجتمعي حول القضايا الصحية النفسية وتثقيف الناس حول الحاجة إلى الدعم والفهم لهؤلاء الأطفال المضطربين، بالإضافة الى تشجيع الأهالي وأفراد المجتمع على تقديم الدعم العاطفي»، مؤكدة أن الفهم يسهم في تخفيف العزلة وتعزيز الصحة النفسية لهم.

وتحثّ سعدون خلال حديثها مع «طريق الشعب»، على «أهمية خلق تعاون بين الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية التي تعنى بالصحة النفسية والتأهيل من أجل تقديم حلول للمشاكل التي تعاني منها هذه الشريحة، بالإضافة الى إشراك الحكومة وتشجيعها على تبني سياسات تعزز الرعاية النفسية لأطفال التوحد، وتوفير الموارد اللازمة لتطوير مراكز التأهيل والعلاج».

وتقترح سعدون على وزارة الصحة توفير تدريب للأطباء والمتخصصين في هذا المجال والتعريف بأدوارهم بشكل مفصل في تقديم الرعاية النفسية لهم كلٍ حسب تخصصه، وإقامة دورات توعية بين حين وآخر.

وتؤكد أنه من خلال تعزيز الجهود المشتركة، يمكن تحقيق تحسين كبير في الوضع النفسي لأطفال التوحد وحتى بقية الفئات المهمشة، من خلال إيجاد حلول فعّالة وتعزيز التفاهم والدعم في المجتمع.

وعن أبرز التحديات النفسية التي تواجه أطفال التوحد، تقول إنها «تختلف من طفل إلى آخر حسب درجة وشدة الاضطراب، الا ان أكثر التأثيرات النفسية تتعلق بصعوبة التواصل الاجتماعي وضعف التفاعل مع المحيط، كما يواجهوا صعوبة بتغيير روتينهم الطبيعي، ويمكن أن يسبب توترًا وقلقًا لهم.

عرض مقالات: