اخر الاخبار

في الوقت الذي تتعاظم فيه تهديدات التغيرات المناخية، التي يعد الجفاف احد ابرز اوجهها، تشكّل المياه الجوفية أملا وحلا لادامة الإنتاج الزراعي في العراق، الذي صار من بين الدول الخمس الاكثر تأثراً بهذه التغيرات. فعلى مدار السنين الماضية، تراكمت المياه تحت باطن الارض، مكوّنة كنزاً خفياً وثميناً، لكنه اليوم مهدد بنوعين من المخاطر: الاستغلال غير المدروس وتناقص معدلات سقوط الامطار، ما دفع بالمختصين للتحذير من ذلك، والدعوة الى المحافظة على هذا الخزين، والاستفادة منه في الأوقات الحرجة فقط.

خارطة المياه الجوفية

المدير العام لهيئة المياه الجوفية في وزارة الموارد المائية، ميثم علي خضير، يؤشر في حديث مع “طريق الشعب” عدم وجود ارقام دقيقة حول كميات المياه الجوفية، التي تنقسم في العموم الى نوعين: خزانات جوفية مفتوحة وخزانات جوفية محصورة، مشيراً الى أن عددها يقارب 15 خزانا جوفيا رئيسا.

وعن اماكن هذه الخزانات، يقول خضير إنها “متركزة في الصحراء الغربية والجنوبية، ما بين محافظات الانبار والنجف وكربلاء والسماوة وتصل الى البصرة. وفي الجهة الشرقية، على الحدود بين العمارة والمناطق الحدودية ومناطق الطيب والزبيدات وابو غراب، وتتصل بمحافظة واسط. كما يوجد هناك في محافظة كركوك، خزان باي حسن وخزان المقدادية، وخزان انجانا في تكريت”.

ويضيف خضير، ان “العراق يعتمد على هذه الخزانات بشكل رئيس، نتيجة ظروف التغير المناخي وقلة الإطلاقات المائية من منابع نهري دجلة والفرات، حتى باتت وزارة الموارد المائية تعتمد منذ عامين وبشكل كبير على المياه الجوفية”.

ويذكّر بانه تم “تسويق اربعة ملايين دونم من محصولي الحنطة والشعير لموسم (2021 ـ 2022 ) و (2022  ـ 2023) من قبل مزارع تعتمد على المياه الجوفية”، مبينا ان وزارة الموارد المائية تؤكد “على استخدام تقنيات الري الحديثة، وهناك حوالي 70 في المائة من اغلب المزارع تعتمد على هذه التقنيات كالمرشات المحورية والثابتة، ورفضنا ان نعطي موافقات للمناطق التي تعتمد السيح في الري”.

ثروة الأجيال القادمة

وحول استفسار مراسل “طريق الشعب” عن فقدان العراق لحوالي عمق متر من المياه الجوفية بسبب هذا الاستغلال، يجيب المدير العام بان “هذه الادعاءات غير دقيقة، وأن الهيئة لديها دراسات ومعلومات متراكمة حول الامر”، مشددا على ضرورة “طلب المعلومة الصحية من الجهة المعنية”.

ويوضح أن “المياه الجوفية تتمتع بنظام خاص، وهي غير متصلة ببعضها من الشمال الى الجنوب؛ فهناك خزانات متعددة وتقديرات مختلفة ومن غير الصواب ان تعمم حالة خزان معين على العراق بأكمله”.

ويكشف مدير الهيئة موضحاً ان “لكل خزان خصوصيته، واذا ما كان هناك اجهاد على خزان معين بسبب المزارع، فان هذا لا يعني ان الإجهاد يشمل بقية الخزانات المتوزعة في مناطق مختلفة”، مؤكدا ان هذه الخزانات تمثل “ثروة للأجيال القادمة. ولهذا تخضع استخداماتنا الحالية للمياه الجوفية، الى مراقبة وضمن الخزين المسموح باستخدامه، وهناك رقابة وتعاون مع القوات الامنية لرفع التجاوزات”.

ويشير الى القول ان “المياه الجوفية تختلف عن المياه السطحية، بل تحتاج مئات من السنين لتتراكم. وفي بعض مناطقنا هناك مياه جوفية عمرها 1500 عام، وان تم سحبها، فمن الصعب جداً تعويضها”.

تقنيات الري الحديثة

المتخصص بالشأن البيئي، احمد صالح نعمة فصّل المياه بثلاثة انواع: فوق سطح الارض وتحت سطح الارض القريب، والثالثة تتواجد في الاعماق تحت الطبقات التكتونية، وتكون عبارة عن خزانات تقل وتمتلئ حسب الإستهلاك من الابار الارتوازية وبحسب التبخر والامطار. اي انها غير ثابتة.

وقال نعمة في حديث لـ”طريق الشعب”، ان “العراق حتى الان لم يذهب الى استغلال واستثمار المياه الجوفية بالشكل الامثل والصحيح، ويعد ما موجود من ابار ارتوازية بدائياً، وان كانت وزارة الموارد المائية تعمل على حفرها في مناطق مختلفة، وفق الكشف والمسح الميداني وحسب درجة النقاوة، ودرجة حموضة المياه وما إذا كانت تصلح للاستهلاك البشري او الحيواني او للزراعة فقط”.

وعن الاستثمار الامثل لهذا النوع من المياه باستخدام تقنيات ري حديثة، قال ان “محافظة كربلاء، مثلاً، زاد انتاجها الزراعي من 85000 طن الى 200000  طن في هذا العام، رغم الشح المائي، وذلك لأنها استخدمت 266 مرشة محورية”.

وعن ابرز التحديات بين نعمة أنها تكمن في “تعاقب الشحة المطرية والإستهلاك غير المدروس، كما حدث في استغلال المياه الجوفية حول بحيرة ساوه التي تعتمد على المياه الجوفية كواردات، وهذا ما ادى الى نضوب المياه داخلها، ما ادى الى جفافها”.

بلا تعويض

الى ذلك قال، المستشار السابق في وزارة الموارد المائية، عادل المختار: ان العراق هو الاول عربياً من حيث كمية المياه الجوفية، والتي تقدر بحدود 31 مليار متر مكعب، لكنه ينبه الى وجود “استخدام جائر” لهذه المياه.

وأضاف المختار في حديث مع “طريق الشعب”، ان هناك انخفاضا في بعض الخزانات مثل بحيرتي ساوة والحبانية وعين درمة وعين تمر، مشيرا الى ان اصحاب الابار يعمقون آبارهم باستمرار نتيجة لانخفاض مناسيب المياه، التي تتكون من مياه الامطار والبحيرات السطحية.

واختتم حديثه بالقول: “نحن نستخدم المياه الجوفية بشكل كبير ولا نعوض المفقود منها.

 لذا من المتوقع ان يحدث نضوب او انخفاض كبير في مناسيب المياه”.