اخر الاخبار

تعد الهجرة الداخلية أحد اهم الملفات التي لم تحظ باهتمام صناع القرار الحكومي: لا خطط ولا آليات عمل ولا دراسات من شأنها ان تعالج هذا الملف بصورة جدية، فيما لا تزال أسباب هذا النوع من الهجرة قائمة الى يومنا هذا منذ عقود طوال، بل وظهرت عوامل جديدة ساعدت في مفاقمة الازمة.

ما هي الهجرة الداخلية؟

التعريف المبسط لها هو تنقل السكان بين مناطق مختلفة داخل حدود بلد معين.

وتحدث لأسباب متنوعة ومختلفة، منها البحث عن فرص عمل وتحسين الوضع الاقتصادي، او البحث عن الأمان والفرار من المناطق المضطربة أمنيًا والسكن في أماكن أكثر استقرارا، او بسبب التغيرات البيئية والمناخية.

ولهذا النوع من الهجرة تداعيات عديدة وآثار مترتبة، تشمل الضغط على البنية التحتية حيث سيتزايد الطلب على الخدمات في المناطق المستقبلة، واحداث تغيرات اجتماعية وثقافية، اضافة الى التحديات الاقتصادية الناجمة عن ضغط كبير على سوق العمل.

وفي هذا السياق فإن فهم هذه الأسباب والتداعيات يجب ان يكون هو المنطلق في تشكيل ووضع سياسات وخطط فعّالة لإدارة التحديات المترتبة على الهجرة الداخلية.

الهجرة بسبب المناخ

وكشفت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة عن هجرة قرابة 21 ألف عائلة، بسبب ظروف الجفاف في 12 محافظة من محافظات وسط وجنوب العراق، مؤكدة أنّ 74 بالمئة من النازحين بسبب المناخ ذهبوا باتجاه مراكز مدن المحافظات ذي قار وميسان والقادسية والمثنى.

فيما حذرت تقارير دولية، في وقت سابق، من تأثيرات تغيّر المناخ الذي أسهم في تزايد الهجرة من الريف إلى المدن، استجابة للتدهور البيئي والمخاطر الطبيعية، فضلاً عن المشاكل الاجتماعية المتمثلة بإرسال العائلات النازحة أطفالها للعمل في المدن لتوفير مصادر العيش.

وسجل برنامج المنظمة لتتبع حالات الطوارئ المناخية في العراق نزوح أكثر من 130 ألف شخص من عام 2016 وحتى أيلول 2023، بسبب الآثار السلبية لتغير المناخ في مناطقهم الأصلية. بينما قال رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في العراق جيورجي جيغاوري، في وقت سابق، إن تغير المناخ وانعكاسات التصحر والجفاف في العراق ليس مجرد مشكلة بيئية، مبيناً احتمالية أن تتحول إلى أزمة إنسانية.

الاستقرار السكاني هو الحل

وزارة التخطيط لا تملك ارقاما دقيقة في ما يخص الهجرة الداخلية، انما تعول على تنفيذ التعداد العام للسكان الذي سيمنحها ارقاما واحصائيات وافية، كما أوضح المتحدث الرسمي للوزارة عبد الزهرة الهنداوي، الذي قال ان السياسة السكانية التي أطلقتها الوزارة في العام الماضي 2023، ركزت في جوانب منها على معالجة اسباب الهجرة الداخلية والخارجية، من خلال معالجة الاسباب التي ادت اليها.

وأضاف قائلا: ان «الظروف التي مرّ بها العراق خلال السنوات الماضية والتغير المناخي وشح المياه ادى الى حدوث هجرة من الريف الى المدينة. كما ان الوضع الاقتصادي ايضاً كان سبباً في استمرار هذه الهجرة سواء على المستوى الداخلي او الخارجي»، مبينا ان «التوجهات اليوم صوب تحقيق التنمية في المناطق التي شهدت هجرة او كانت طاردة للسكان، ودفعتهم للهجرة الى مناطق اخرى».

وكشف الهنداوي في حديثه لـ «طريق الشعب»، عن ان «مشاريع التنمية ستشمل مستويين حظري وريفي، حيث وضعت خطة لتنمية الريف عبر تطوير القرى الريفية، واتخذنا نماذج من القرى تم تطويرها بشكل نموذجي، لتعمم التجربة على باقي القرى».

وتابع بالقول: انهم يعملون في الوقت ذاته «من خلال الصندوق الاجتماعي للتنمية. هناك أكثر من 570 قرية شُملت بمشاريع الصندوق الاجتماعي للتنمية في كل محافظات العراق، بما فيها محافظات اقليم كردستان، لإقامة مشاريع خدماتية مثل بناء مدارس ومراكز صحية ومد خطوط كهرباء وخطوط مياه صالحة للشرب وجسور».

وزاد على حديثه منوها الى ان هذا «من شأنه ان يحقق حالة من الاستقرار السكاني، لان ضعف الخدمات او قلتها في بعض المناطق يعدان سببا من اسباب الهجرة، كما تم استحداث صندوق لدعم المناطق الاكثر فقرا. وسيكون له دور في دعم جهود التنمية في المناطق الفقيرة التي هاجر نسبة كبيرة من اهاليها، بحثا عن حياة أفضل».

وشدد في السياق على ضرورة «الاهتمام بهذه المناطق من اجل ضمان حالة الاستقرار السكاني، والهدف الاساسي في منطلقات عملنا هو تحقيق هذا الاستقرار سواء كان في الريف ام المدن، من خلال توفير متطلبات الحياة الاساسية».

وفي ما يتعلق بالتنمية الصناعية في هذه المدن، اوضح الهنداوي قائلاً: ان «الوزارة في المراحل الاخيرة من اعداد خطة خمسية للتنمية. وفي هذه الخطة هناك مساحة للقطاع الصناعي، ونقصد الصناعات بمختلف اصنافها، كونها تمثل أحد المرتكزات الاساسية للخطط التنموية».

الاستقرار الاقتصادي

على صعيد متصل، قال الخبير الاقتصادي صالح الهماشي، إن الهجرة الداخلية ليست بجديدة على العراق، إذ بدأت منذ أربعينيات القرن الماضي ثم الخمسينيات، عازيا ذلك الى ضعف النشاط الاقتصادي في الكثير من المدن العراقية.

وأضاف في حديث مع «طريق الشعب»، ان «النشاط الاقتصادي هو المحرك للهجرة، وقد يؤدي الى هجرة جماعية او فردية من منطقة الى أخرى»، مبينا انه «بعد التسعينات وفي ظل تركز المراكز الصناعية والاقتصادية في بغداد، ارتفعت معدلات الهجرة الداخلية من جميع المحافظات نحو بغداد».

وتابع قائلا: انه بعد العام 2003 «لم تضع الحكومات المتعاقبة اي خطة لمعالجة الهجرة الداخلية وبقي الوضع على ما هو عليه، وما زالت الهجرة مستمرة الى بغداد والى بعض المدن مثل البصرة والموصل حتى بعد حملات الاعمار، فهذه المدن الثلاث تعتبر مراكز اقتصادية مهمة. بينما المدن الأخرى ضعيفة جدا: لا يوجد بها منشآت صناعية او مشاريع ومراكز مالية».

ونبّه الخبير الى ان الهجرة تساهم في زيادة الكثافة السكانية في تلك المدن، ما يصعب تقديم الخدمات بصورة مناسبة وكافية، علاوة على ان هذه المدن لم تشهد توسعة، كما ان مساحتها غير قادرة على استيعاب المزيد من البشر، فمدينة بغداد ناهز عدد سكانها 9 ملايين ونصف المليون، وما زالت هناك هجرة وكثافة سكانية عالية، الامر الذي سيفاقم البطالة الموجودة».

وأشار الى ان 90 في المائة من الهجرة تكون الى بغداد، و10 في المائة تتوزع بين الموصل والبصرة، معللا ذلك بأن النظام السياسي «غير واضح المعالم»، وان صناع القرار يتصارعون على المناصب، ويتكالبون على مصالحهم.

وأردف الهماشي بالقول: ان «معالجة هذا الملف يكون عبر توزيع الثروة بشكل عادل. ونقصد هنا توزيع المنشآت الصناعية والمراكز المالية والتجارية على المدن العراقية بصورة متساوية. لدينا محافظات تتسم بمواصفات عديدة وتتميز كل منها بغناها بالموارد والمقومات التي تجعل منها بيئة جاذبة وليست طاردة، ولكن هذا لم يحدث».

عرض مقالات: