اخر الاخبار

تعد المياه الجوفية كنزا مدفونا تحت سطح الأرض، فهي تعزز استدامة الزراعة وتلبي احتياجات الشرب لكثير من المجتمعات. لكنها بكل تلك الأهمية الكبيرة، تتعرض اليوم لخطر الاستنزاف، نتيجة للاستغلال الجائر الذي يؤدي الى انخفاض مناسيبها، وهي التي يصعب تعويضها.

مورد مائي مهم

وفي هذا الصدد وللتعرف اكثر على واقع هذه المياه وطبيعتها وكيفية تكونها والحفاظ عليها، حاور مراسل “طريق الشعب”، المدير العام للهيئة العامة للمياه الجوفية في وزارة الموارد المائية، الدكتور ميثم علي خضير، الذي استعرض مختلف جوانب عمل الهيئة، والتحديات التي تواجهها.

واستهل خضير الحوار بالحديث عن عمل الهيئة التي تعد الجهة القطاعية الوحيدة المسؤولة عن المياه الجوفية في البلاد، عدا اقليم كردستان، قائلا: إن “المياه الجوفية مورد مهم جداً في كل دول العالم، حتى لو كانت هناك انهر. ومشكلتنا نحن بالذات كانت الاعتماد على نهري دجلة الفرات، لكن بسبب التغيرات المناخية وقلة الواردات من دول الجوار، حدث توجه نحو المياه الجوفية بشكل اكبر خلال السنوات الخمس الاخيرة”.

وقال انه بعد “الازمة الروسية الاوكرانية وتأثر محصول الحنطة، توجهت الحكومة نحو زراعة محاصيل استراتيجية بالاعتماد على المياه الجوفية. وبلغت الخطة الزراعية خلال العام الماضي 4 ملايين دونم”.

تقنيات وتكنولوجيا حديثة

وفي ما يتعلق بوضع المياه الجوفية، أوضح أنه “بشكل عام فإن المياه الجوفية تتميز باعتمادها على خزاناتها الجوفية، التي تتغير من مكان الى اخر”، مشيرا الى ان “هناك خزانات موجودة في المناطق الشرقية والصحراء الجنوبية والغربية، اضافة للخزانات السطحية في مناطق السهل الرسوبي ـ الترسبات الحديثة”.

وواصل حديثه بأن “أغلب الخزانات في الحدود الشرقية للعراق وايران، في محافظات ميسان وواسط وجهة ديالى، وهي خزانات متجددة، لكن بالنسبة للخزانات التي تقع في الصحراء الغربية في الأنبار، إضافة الى كربلاء والنجف والمثنى، فان غالبيتها غير متجددة”.

وفسّر الدكتور ميثم الخزانات المتجددة بأنها يمكن السحب منها، ويجري تعوض تلك المياه خلال فترة زمنية، تستغرق سنتين او ثلاثا او عشرا بحسب وضعية الخزان ومساميته. اما الخزانات الموجودة في الجهة الغربية كالخزانات الرئيسية (الدمام وام رضمة والطيران) من جهة السعودية والاردن فهي خزانات غير متجددة”.

واستطرد خضير أنّ الهيئة “نصبت شبكة آبار مراقبة في عموم هذه الخزانات؛ قسم منها الكترونية تعمل من خلال الاقمار الصناعية، وبإمكاننا أن نحدد أي انخفاض يطرأ فيها”، منبها الى ان الهيئة تحرص دوما على استخدام التقنيات والتكنلوجيا  الحديثة في عملها. وهناك قسم دراسات متخصص بدراسة المياه الجوفية ومراقبتها وتوفير قواعد بيانات ومسح كهربائي  وجيو فيزيائي.

وأكد ان آبار المراقبة الموزعة في عموم العراق “تعطينا كافة البيانات والمعلومات التي نحتاجها”.

تجاوزات عديدة

وكشف مدير الهيئة عن وجود انخفاض في بعض المناطق، وهناك “نسبة تجاوز”، مبينا أن “اللجان المشتركة مع وزارة الزراعة تسعى إلى تقليص الخطة الزراعية في هذه المناطق، والمحافظة على 4 ملايين دونم وعدم التجاوز عليها اكثر”.

وقال ان “الهيئة قامت بردم الآبار وغلقها. وبالنسبة للآبار المتدفقة ذاتيا في كربلاء والنجف، فقد أكملنا إغلاقها تقريبا في كربلاء، وفي محافظة النجف باشرنا الإغلاق بتوجيه من وزير الموارد المائية”.

وفي ما يتعلق ببحيرات الاسماك التي تعتمد على المياه الجوفية في كركوك والموصل والانبار والنجف، أكد خضير أنها “اغلقت وازيلت؛ ففي كركوك وحدها ازالت الهيئة اكتاف 1100 بحيرة تعتمد على المياه الجوفية”.

واستطرد المدير العام بالقول: ان هناك اختلافا كبيرا بين المياه الجوفية والمياه السطحية: “الاخيرة من الممكن ان تعوض من خلال مياه الامطار التي تستمر لساعات وأيام. وبالتالي يرتفع الخزين في الخزانات الرئيسة للمياه السطحية، اضافة الى ان سرعة المياه السطحية تصل الى 30 كم في اليوم، بينما الجوفية تكون سرعتها مليمات في اليوم الواحد، علاوة على انها موجودة في اعماق تتراوح بين 40 ـ 200 متر، وكي تغذيها مياه الامطار فانها تحتاج الى مئات او الاف السنين”.

وذكر أنّ “معدل عمر المياه الجوفية لدينا مختلف، إذ يتراوح بين 50 الى 500 و1000 عام. وهناك مياه تصل أعمارها الى 200 عام. وأثبتت التحاليل أن بعض المناطق في كربلاء والنجف وصل عمرها الى 4000 سنة، ويتم السحب منها حالياً للأسف. بالتالي فان هذا الفقدان من الصعب تعويضه خلال سنة او 20 أو 30 عاما. وهذا حال اغلب الخزانات في العراق”.

ما هي التحديات؟

وعرج الدكتور ميثم على ملف التحديات قائلا: إنه “برغم الإخفاقات في بعض المناطق بحكم انها صحراء شاسعة فلا نستطيع الوصول اليها، إلا بعد رصدها عقب سنة، وهكذا من خلال صور الأقمار الصناعية، حيث يتبين ان المنطقة مزروعة، الأمر الذي يضطرنا الى إقامة دعوى على المزارع، ومن ثم نزيل التجاوز”.

وأردف حديثه بأن “حسم تلك الدعاوى في المحاكم تأخذ وقتا طويلا، وهذا ما يسمح للمتجاوز بمفاقمة الضرر علينا”، مضيفا ان “الوزارة متجهة لاستحصال موافقات على تشكيل قوة أمنية خاصة بوزارة الموارد المائية لحماية كوادرنا في أثناء واجباتها لمكافحة التجاوزات”.

وأشّر المدير العام ان هناك “استغلالا جائرا” للمياه الجوفية في بعض المناطق، مثل صلاح الدين ونينوى، نتيجة للتغيرات المناخية وابتعاد الخط المطري، فبدأ المزارعون بحفر الآبار”، مبينا أن “الاستغلال الجائر يؤدي الى انتهاء هذا النوع من المياه، كما جرى في السعودية في احد المشاريع، لكن في العراق، يصل استخدامنا من حجم المساحة الكلية للصحراء الى أقل 20 في المائة”.

وحفرت الهيئة العامة للمياه الجوفية 1290 بئرا لـ”النفع العام”، نتيجة لشح المياه.

وقال مدير الهيئة: لدينا 52 جهازا متخصصا بالحفر.

وبالنسبة لكميات المياه الجوفية التي تتداولها وسائل الإعلام، قال المتحدث إنّ “هذه الأرقام غير دقيقة لان خزانات المياه الجوفية وحدودها تتمتع بخصوصية معينة، والسحب الخاص بها مشترك من عدة خزانات، والبئر الواحد قد يخترق خزانات عديدة، لكن الهيئة بصدد تعديل هذه الأرقام بدراسات مستمرة، كي نصل إلى رقم حقيقي”.

واختتم مدير عام هيئة المياه الجوفية الحوار بالقول: “نحن اليوم بحاجة ماسة لإدراك ما يمثله الماء من قيمة؛ فهذه المياه إذا فقدت لا تعود، لذا نتمنى على الجميع عدم التجاوز على مياهنا الجوفية”.

عرض مقالات: