اخر الاخبار

على الرغم من مرور أكثر من قرن على إعتماد الثامن من آذار من كل عام، يوماً عالمياً للمرأة، مازالت معاناة النساء تشكل ظاهرة في الكثير من المجتمعات ومنها بلدنا. وفي أحد الأحياء البغدادية تفترش المواطنة تهاني “بسطيتها” وسط سوق شعبي، لتعرض بضاعتها من مختلف انواع الخضروات، عسى أن تحقق دخلاً يسد بعض متطلبات معيشة عائلتها.

معاناة بلا حدود

لم تتجاوز تهاني (أم فاطمة) الثامنة والأربعين من العمر، الاّ أن ما عاشته من عذابات ومتاعب ترك آثاراً واضحة على ملامحها، وجعلها تبدو عجوزاً هرمة. كانت تحلم كالكثير من النساء، بحياة كريمة، غير أن ضيق الحال ومسؤولية تربية أربعة أولاد، خاصة بعد وفاة زوجها، أجبرها على العمل في أوضاع مزرية.

تقول أم فاطمة، في حديث مع “طريق الشعب”، انها تسكن غرفة مؤجرة مقابل 200 ألف دينار شهريا، وتعدّ بسطية الخضار وراتب الرعاية الاجتماعية، مصدر رزقها الوحيد، في وقت تتعرض فيه باستمرار إلى مضايقات جهات غير حكومية تفرض عليها دفع إتاوات مالية، مقابل عدم رفع البسطية، مشيرة إلى أن راتب الرعاية الاجتماعية ضئيل ولا يتجاوز 200 ألف دينار شهريا، وهو غير كاف لسد المتطلبات اليومية.

  وتضيف أن “المردود المادي الذي أحصل عليه من عمل البسطية قليل أيضاً، فاُجبر في الكثير من الأيام على طلب المساعدة المادية لتلبية بعض المتطلبات التي في مقدمتها دفع إيجار الغرفة والاشتراك الشهري بمولدة الكهرباء”.

وتختتم أم فاطمة حديثها بالإشارة إلى عيد المرأة فتقول “العيد هو أن أعود لبيتي بدخل جيد، لأدفع به الإيجار وأوفر للأطفال مأكلاً وملبساً مناسباً وأوفر متطلباتهم المدرسية التي أسعى معهم إلى استكمالها بنجاح”.

تمييز كبير

وبالرغم من عقود طويلة من السعي لتحقيق العدالة، تواصل النساء النضال من أجل المساواة وإنهاء التمييز.

وتقول النائبة السابقة انتصار الجبوري لـ”طريق الشعب” بهذا الصدد إنه “على الرغم من المكتسبات القانونية الكثيرة التي تمكنت المرأة من تحقيقها على صعيدي القوانين الدولية والمحلية إلا أنها ما زالت تعاني التمييز ولا زال دورها يُّحجم خاصة في مراكز صنع القرار”.

وتوضح بأن “المرأة تعاني من غياب الإنصاف في السلطة التنفيذية وإن هناك تواجداً محدوداً للمرأة في القطاعات الوسطى بسبب المحاصصة الطائفية والصراعات الحزبية التي تُفرض عليها”. وترى ان “فقدان القيادة النسوية في الكثير من القطاعات لا يتناسب مع عدد النساء في المجتمع وبالتالي هناك تغييب لدور المرأة”.

وتشدد الجبوري على أن نضال المرأة لنيل حقوقها سيستمر خاصة وان العراق بلد يتجه إلى النظام الديمقراطي وان المرأة اثبتت جدارتها بالقيادة مقارنة مع الرجال، على الرغم من الإلتزامات المتعددة التي تقع على عاتقها.

تراجع في الرعاية الصحية

وعلى المستوى الصحي تفيد الناشطة النسوية د. وفاء هادي لـ”طريق الشعب” أن “على الرغم من الوعود الحكومية بالارتقاء بالواقع الصحي إلا ان الرعاية الصحية للمرأة ما تزال دون المستوى المطلوب”.

وتقول إن “هناك الكثير من النساء يعانيّن من غياب الرعاية الصحية بل ويتجاوز واقع الحال ذلك إلى الإهمال الأسري لواقع المرأة الصحي وجعلها آلة للعمل لتلبية المتطلبات المنزلية لا أكثر، وفي حال عجزها، يجري الاستغناء عنها وتفضيل زوجة ثانية عليها، بدلا من رعايتها “. وتشدد د. وفاء على ان المجتمع يعاني من تراجع كبير في الثقافة الصحية خاصة بين النساء وان هناك حاجة ملحة إلى تكثيف حملات التوعية بهذا الإتجاه.

وبمناسبة الثامن من آذار تذكر د. وفاء ان أمنياتنا لواقع المرأة الصحي تتكرر كل عام، وان المرأة العراقية قدمت الكثير من التضحيات التي مازالت متواصلة وهي تستحق كل الدعم لتوفير الرعاية الصحية التي تناسبها.

هجوم على ما نالت من حقوق

وتواجه النساء في الأونة الأخيرة حملات منظمة للاطاحة بطموحاتها والنيل من مكتسباتها. وتشير رئيسة منظمة النجدة الشعبية هناء حمود في حديثها مع “طريق الشعب” أن “واقع المرأة في الثامن من آذار هذا العام مبهم وغير واضح خاصة بعد الحملات الأخيرة التي واجهتها منظمات المجتمع المدني وتلك التي تسعى لتمّكين المرأة من تحقيق المساواة والعدالة”. وترى حمود أن “الإستراتيجيات والخطط الحكومية التي وُضعت لتمّكين المرأة وتحقيق المساواة مع الرجال تناقض القرارات الحكومية التي تعمل بالضد من ذلك. إن هناك ضبابية لواقع النساء في البلاد، و غموض حول مسار الإستراتيجيات الدولية التي اقرتها الحكومة”.

جرائم يحميها القانون

وتؤكد المحامية بان المظفر على “إن أعنف سلاح يستخدم عند ارتكاب العنف ضد المرأة هو القانون أو التشريع، فقانون العقوبات مثلاً يتضمن مادتين خطيرتين على النساء، هما المادة 409 والمادة 128. تتعلق الأولى بقتل الزوج لزوجته في حال تلبّسها بالزنا، حيث حدد العقوبة بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات. اما المادة 128، وهي الأخطر، فتعطي المتهم أسباباً تخفيفية بما يسمى بـ”البواعث الشريفة”، والتي يستفيد منها من يشعر من العائلة أو الأقرباء أن شرفه مس واستفز من قضية معينة تتعلق بفتاة أو سيدة، ويتصرف بدافع الغيرة على الشرف، فينال أحكاماً مخففة مع وقف التنفيذ وتنتهي المسألة”. وتتابع المظفر قائلة “للأسف هذا أصبح أمراً متعارفاً عليه في القضايا التي تصل إلى القضاء، وهناك مئات من قضايا قتل النساء، لا تصل إلى القضاء أصلاً. هذه الجرائم تتمتع بحماية قانونية مستمدة من قوة الأعراف والتقاليد العشائرية التي تسود المجتمع”.

وتدعو بان المظفر بمناسبة قرب يوم المرأة العالمي إلى الوقوف وقفة جادة للعمل على تعديل القوانين التي تتعلق بالأسرة والمجتمع، وان هناك حاجة ملحة إلى تشديد العقوبات على كل من يرتكب جريمة قتل او تعنيف ازاء النساء والاطفال.

عرض مقالات: