اخر الاخبار

تشهد محافظة كركوك، شأن بقية المحافظات النفطية وأبرزها البصرة وميسان، تزايدا في أعداد الإصابات بمرض السرطان. وتُوَجه الاتهامات غالبا الى الشركات النفطية العاملة في المحافظة، بعد أن وصلت نسب التلّوث النفطي فيها إلى درجات مرتفعة.

وبينما تشير لجنة حقوق الإنسان البرلمانية ومصادر بيئية في المحافظة إلى ان الشركات النفطية ومعامل الاسمنت تتصدر مسببات الإصابة بالمرض، تلقي جهات صحية وبيئية أخرى اللوم أيضا على الأطعمة المستوردة وما تحتويه من مواد حافظة مسرطنة.

ويستقبل مستشفى الأورام السرطانية في كركوك، أعدادا كبيرة من المراجعين، من المحافظة والمحافظات المجاورة، كصلاح الدين وديالى، كونه يقدم خدمات علاجية مجانية للمصابين بالمرض، الذي بدأ يتفشى بشكل كبير وسريع خلال السنوات الماضية، وسط ارتفاع تكاليف علاجه. إذ يقول أسامة عبد الرحيم، وهو أحد المصابين بالسرطان في كركوك، أنه يتعالج من المرض منذ سنوات، ويضطر إلى شراء حقن يتراوح سعر الواحدة منها بين 200 و500 دولار، مؤكدا في حديث صحفي أن بعض العلاجات يصل سعره إلى 3 آلاف دولار!

أدوية الحكومة قليلة

مدير مستشفى الأورام السرطانية في كركوك نيازي أحمد، يقول ان “المحافظة، وبسبب احتوائها على صناعات نفطية، ارتفعت فيها نسب التلوّث، ما ساهم في زيادة الإصابات السرطانية بين المواطنين”، لافتا في حديث صحفي إلى انه “خلال هذا العام فقط تم تسجيل ألف إصابة بالمرض، وسط قلة الادوية التي تصرفها الحكومة”.

ويوضح أن “أدوية السرطان تعتبر من الأدوية باهظة الثمن. إذ يبدأ سعر العلاج الواحد من 200 إلى 3 آلاف دولار، وهذه التكاليف من الصعب على المواطن الفقير وذي الدخل المحدود تحملها”، محذرا من ان “الأدوية الخاصة بالسرطان معرضة للغش، واحيانا تدخل إلى البلاد عن طريق التهريب، ما يساهم في انتشار ادوية ذات نوعية رديئة، تُفاقم الإصابة بالمرض”.

ويؤكد أحمد أنه “خلال هذا العام لم ترسل وزارة الصحة من أدوية السرطان إلى المستشفى، سوى الشيء القليل، وهذا الأمر فاقم معاناة المرضى واضطرهم إلى شراء العلاجات من السوق المحلية، بأسعار باهظة”.

9 آلاف إصابة في 5 سنوات!

تشير إحصاءات أجرتها منظمات صحية إنسانية ناشطة في دعم معالجة الأمراض السرطانية في كركوك، إلى أن الإصابات بالمرض ارتفعت في المحافظة خلال السنوات الـ5 الماضية. إذ تم تسجيل أكثر من 9 آلاف إصابة.

وفي هذا الصدد، يقول الناشط في مجال البيئة غسان عادل، أن “مسوحات ميدانية قام بها فريق متخصص في كركوك لمتابعة المصابين بالسرطان، وثقت أكثر من 9 آلاف مصاب بالمرض خلال 5 سنوات مضت”، مضيفا في حديث صحفي قوله: “اما الزيادة الأكبر، فكانت في العامين الماضي والحالي. حيث تم تسجيل نحو 1100 إصابة، والعدد في تزايد”.

سموم النفط

من جانبه، يرى رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان أرشد الصالحي، أن “سبب ارتفاع الإصابات بالسرطان في كركوك، هو نشاطات شركات نفطية تابعة للحكومة ومعمل أسمنت، ومصاف نفطية أهلية تقع في أطراف المحافظة. فهذا الأمر جعل الواقع البيئي في خطر حقيقي، دون أي تدخل حكومي لمعاجلة أسباب هذا التلوث”.

ويلفت في حديث صحفي إلى أن “المستشفى الوحيد المتخصص في الأمراض السرطانية في كركوك، بني بتبرعات أهالي المحافظة. وهو اليوم يقدم خدماته لآلاف المرضى”، مشيرا إلى ان “السرطان بات خطرا حقيقيا في العراق، يهدد الكثيرين بالموت. فأعداد الإصابات في ازدياد، إضافة إلى الوفيات جراء المرض”.

ويتابع الصالحي قوله: “يقابل الارتفاع  في إصابات السرطان، عجز وزارة الصحة عن توفير العلاجات وبيعها على المرضى بأسعار مدعومة. فأسعار هذه الأدوية في السوق المحلية مرتفعة وتتجاوز قدرة المواطن الفقير الذي لا يملك قوت يومه”!

غرامات مليارية

ومثلما يرى الصالحي، يرى مدير عام دائرة حماية وتحسين البيئة في المنطقة الشمالية، علي عز الدين خورشيد، أن “كثرة الإصابات بالسرطان في كركوك سببها الشركات النفطية، ومصافي النفط الأهلية التي تعمل على بث سمومها في هواء المحافظة”، مبينا في حديث صحفي أن “الشركات تتسبب في تلوث تصل نسبته إلى 100 في المائة، جراء ما تطرحه من غازات سامة خلال نشاطها النفطي، إضافة للسموم التي تبثها المصافي الأهلية في هواء كركوك”.

ويلفت خورشيد إلى ان “هناك غرامات مالية تُفرض على شركة نفط الشمال، يصل مبلغ الواحدة منها إلى مليار دينار عراقي، وذلك عما تسببه تلك الشركات من تلوّث بيئي”. فيما يرى أنه “بالإضافة إلى الملوّثات النفطية، هناك أطعمة مستوردة غير خاضعة للرقابة الحكومية، تساهم أيضا في الإصابات السرطانية. إذ تحتوي تلك الأطعمة، وأبرزها المعلبات، على مواد حافظة، وهي غير خاضعة للرقابة والسيطرة النوعية”.

وعن أعداد المصافي النفطية التابعة للقطاع الخاص، يقول خورشيد ان “هناك 5 مصاف تقع في أطراف كركوك، وهي مجازة رسمياً، لكن البعض منها لا يلتزم بالشروط البيئية. لذلك يُلاحظ على فترات متفرقة انتشار روائح الغازات النفطية في الجو”.

ويؤكد أنه “تم تشكيل فريق متخصص وتوفير أجهزة ذات إمكانات عالية، لرصد الغازات النفطية. وقد عملت دائرة حماية وتحسين البيئة أياماً عديدة لتحديد موقع تسرب الغاز، لكن لم يتم الوصول إليه حتى الآن”!