اخر الاخبار

أمام الشح المائي الذي يواجه العراق، تعتبر مشكلة تبذير المياه من قبل المواطنين أمرا يزيد من تعقيد الوضع، ويفاقم آثار الأزمة على الحياة اليومية، وعلى استدامة الموارد المائية في البلاد.

ثقافة محدودة

تقول وزارة الموارد المائية العراقية، إن ثقافة المواطن في كيفية استخدام المياه “محدودة”،، فيما اكدت ان السنة الحالية ستكون افضل بكثير من العام الماضي.

ويذكر المتحدث باسم الوزارة خالد الشمال، أن “قطاع الزراعة وحده يستنزف اكثر من 80 في المائة من المياه الخام، ما يؤكد الحاجة الى اعتماد تقنيات ري حديثة لتقليل الاستهلاك وزيادة المساحات المزروعة، بالاضافة الى تعاون المواطنين مع الجهات الحكومية، من اجل تقنين استخدام المياه ومنع التبذير”.

ويضيف خلال حديث خصّ به “طريق الشعب”، أنّ الحكومة “دفعت باتجاه استخدام تقنيات الري الحديثة”، مؤكدا وجود مؤشرات إيجابية على تحسن وضع الخزين الاستراتيجي للبلد. ويؤكد، أن “العراق حقق خلال الموسم الشتوي السابق شبه اكتفاء ذاتي في المحاصيل الاستراتيجية. كما ان المؤشرات تدل على ان الموسم الزراعي الحالي سيكون ناجحا، وسيحقق اكتفاء ذاتيا في المحاصيل الاستراتيجية، وهذا يعد أحد مقاييس نجاح الوزارة في إيصال المياه لجميع المستفيدين”.

ويتابع، أن “الوزارة تمتلك خططا تتعلق باستخدام المياه الجوفية ومراقبتها”، لافتا الى أن حالة الانفلات في بناء بحيرات الأسماك غير المجازة في السنوات الماضية، فاقمت أزمة المياه.

الترشيد ضروري

من جانبها، تقول نجوان علي (ناشطة بيئية)، أن التلوث البيئي وشح المياه يضعان الحكومة والمواطنين أمام مهمة ضرورية: ترشيد استهلاك المياه، واتخاذ الإجراءات التي من شأنها التكيف مع الشحة المائية.

وتضيف في حديث مع “طريق الشعب”، ان “اغلب المواطنين توارثوا أسلوب الاستهلاك غير المبرر للمياه”، مشيرة إلى أن “التقارير الحكومة تقدر نسبة هدر المياه في العراق بحوالي 60‎ في المائة من الماء الصافي المنتج، والتي تهدر بسبب الاستهلاك المفرط من قبل المواطنين وأسباب أخرى متعلقة بشبكات المياه المتهالكة والتجاوز.

وتشير الى أن “المشكلة تتمثل في عدم وعي المواطن بمسؤوليته تجاه الحفاظ على المياه، خاصة في ظل الوضع المائي الحرج”.

وعملت جوان رفقة عدد من الناشطين المعنيين على تدشين حملات اجتماعية تخص (ترشيد الاستهلاك)، “وبالرغم وجود عدد جيد من المستجيبين للحملة، الا ان كثيرا من المواطنين يبدو الأمر كأنه لا يعنيهم، وهذا يحتاج الى تفعيل الجباية لتكون رادعا للمبذرين”، بحسب اعتقادها.

وتردف المتحدثة بأن الفلاح العراقي يملك وعيا كافيا باستخدام طرق الرش الحديثة خاصة مع المحاصيل التي تتطلب مياها كبيرة.

متوارث

ويسلط الباحث اجتماعي محمد الشمري الضوء على ظاهرة عدم ترشيد استهلاك المياه في العراق وتأثير ذلك سلبا على البيئة والمجتمع.

يقول الشمري لـ”طريق الشعب”، إن “الاستهتار في استخدام المياه يعكس قصورًا في التوعية البيئية بالمحافظة على الموارد الطبيعية”، مضيفاً أن “المواطن العراقي يعاني من سلوكيات استهلاكية مبذرة للمياه نتيجة لعدة عوامل، بما في ذلك غياب الوعي بأهمية الاقتصاد في استخدام المياه، خاصة مع وجود الخدمات المائية بتكلفة منخفضة أو مجانية. هذا السلوك يسهم بشكل كبير في تفاقم شح المياه في البلاد”.

ويضيف، أن “الوضع يزداد تعقيدًا مع تفاقم مشكلة نقص المياه وارتفاع الطلب عليها، ما يجعل ضرورة التحرك السريع لتوعية المجتمع وتعزيز ثقافة الاستدامة أمرا حيويا”.

وتحذيرًا من التداعيات الخطرة، دعا الشمري الحكومة والمجتمع المدني إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز التوعية بأهمية ترشيد استهلاك المياه وتطوير السياسات والبرامج للحفاظ على هذه الثروة.

العراق ضمن قائمة الاجهاد المائي

واصدرت منظمة اليونسكو نيابة عن لجنة الامم المتحدة المعنية بالموارد المائية  تقريراً عن تنمية المياه في العالم لعام 2024 يتحدث عن اكثر الدول عرضة لنقص المياه بحلول 2050.

ووفقاً للتقرير، لا يزال 2.2 مليار شخص يعيشون اليوم دون إمكانية الحصول على مياه الشرب المُدارة بشكل آمن، ويفتقر 3.5 مليار شخص إلى خدمات الصرف الصحي المُدارة بشكل آمن. وبالتالي فإن هدف الأمم المتحدة المتمثل في ضمان إمكانية الوصول للجميع بحلول عام 2030 لا يزال بعيد المنال، وهناك سبب للخوف من أن تستمر هذه التفاوتات في الاتساع.

وذكر التقرير بأنه ما بين عامي 2002 و2021، أثّر الجفاف على أكثر من 1.4 مليار شخص. اعتبارًا من عام 2022، عانى ما يقرب من نصف سكان العالم من ندرة حادة في المياه لجزء من العام على الأقل، في حين واجه ربعهم مستويات “عالية للغاية” من الإجهاد المائي، باستخدام أكثر من 80٪ من إمداداتهم السنوية من المياه العذبة المتجددة. ومن المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة تواتر وشدة هذه الظواهر، مع ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر حادة على الاستقرار الاجتماعي.

وتشير بيانات صادرة عن معهد الموارد العالمية (WRI) أن 25 دولة تتعرض حاليًا لإجهاد مائي مرتفع للغاية سنويًا، مما يعني أنها تستخدم أكثر من 80% من إمداداتها المائية المتجددة لأغراض الري وتربية الماشية والصناعة والاحتياجات المنزلية. وحتى الجفاف قصير الأمد يعرض هذه الأماكن لخطر نفاد المياه ويدفع الحكومات في بعض الأحيان إلى إغلاق الصنابير.

ووفقًا للبيانات (WRI)الدول الخمس الأكثر تعرضاً للإجهاد المائي هي البحرين وقبرص والكويت ولبنان وعمان وقطر في حين جاء العراق في المرتبة 12. ويعزى الإجهاد المائي في هذه البلدان في الغالب إلى انخفاض العرض، المقترن بالطلب من الاستخدام المنزلي والزراعي والصناعي.

وأكثر المناطق التي تعاني من الإجهاد المائي هي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يتعرض 83% من السكان لإجهاد مائي مرتفع للغاية، وجنوب آسيا، حيث يتعرض 74% من السكان.

وأشارت التوقعات بحلول عام 2050، من المتوقع أن يعيش مليار شخص إضافي في ظل إجهاد مائي مرتفع للغاية، حتى لو وضع العالم حدوداً لارتفاع درجات الحرارة العالمية بما لا يتجاوز 1.3 درجة مئوية إلى 2.4 درجة مئوية (2.3 درجة فهرنهايت إلى 4.3 درجة فهرنهايت) بحلول عام 2100، وهو سيناريو متفائل.

وأضاف التقرير بأنه من المتوقع أن يزيد الطلب العالمي على المياه بنسبة 20% إلى 25% بحلول عام 2050، وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يعني هذا أن 100% من السكان سيعيشون في ظل إجهاد مائي مرتفع للغاية بحلول عام 2050. وهذه مشكلة ليس فقط بالنسبة للمستهلكين والصناعات التي تعتمد على المياه، ولكن للاستقرار السياسي. ففي إيران، على سبيل المثال، تسببت عقود من سوء إدارة المياه والاستخدام غير المستدام للمياه لأغراض الزراعة في إحداث احتجاجات بالفعل ــ وهي التوترات التي ستشتد مع تفاقم الإجهاد المائي.

عرض مقالات: