اخر الاخبار

لا أعتقد أن هناك شيوعياً في العراق، لم يوجه له مثل هذا السؤال، سواء كان من أهله او أفراد أسرته او من بعض أصدقائه بل وحتى من ألد أعدائه!

على شو بعدك ماشي على دربوا ... على شو؟

بعضهم يطرحه حباً لك وخوفاً عليك، وبعض فضولاً وليس أكثر، والبعض الآخر يطرحه شماتة وتهكماً وحقداً، وآخرون يطرحونه حقاً لمعرفة هذا السر الكامن الذي يربط الحزب بأعضائه، هل هو سحر أم علم أم هيام أم إيمان؟ هل هو خرافة أم حقيقة؟

حزب لم يعد اعضاءه بالرفاه والحياة الهانئة، ولم يعدهم بالجنة وحور العين، بل حذرهم منذ اليوم الأول لانضمامهم للحزب، بأن طريقنا ليس مزروعاً بالورود، بل هناك ظروف قاسية وأوضاع مزرية في انتظاركم، وسجون وتعذيب وربما قتل أو اغتيال أو اعتقال أو اعدام، أو تشرد وغربة ومفارقة الأهل والخلان والاصحاب!

ومع كل ذلك يلتحق الآلاف من خيرة أبناء الشعب العراقي نساء ورجالاً، ومن نخبه بهذا الحزب، فنانون ومبدعون ومسرحيون ورسامون وشعراء وأساتذة في اختصاصات علمية واقتصادية وزراعية وصناعية، جنباً إلى جنب مع آلاف من عمال وفلاحي وشغيلة وطننا.

في الوقت الذي قدمت لكل هؤلاء مغريات بعضها لا يمكن مقاومتها، وفي نفس الوقت مورست عليهم ضغوطا قاهرة تنتهي بتهديد حياتهم ووجودهم، ومع كل ذلك يرفض هؤلاء كل تلك الضغوط والمغريات مفضلين البقاء مع الحزب حتى وهو في أصعب أوضاعه!

سؤال يتردد في الذهن، هل كانت كل هذه القامات العملاقة على خطأ؟ بالتأكيد لا.. أسترجع في ذهني قصة حقيقية لطالب مجتهد وذكي وشيوعي في نفس الوقت، طلب منه تدريس فتاة في بعض الدروس العلمية، كانت تلك الفتاة جميلة وأبوها عدا عن كونه رئيس عشيرة فهو رجل دين أيضاً، أعمامها وأولادهم كانوا من أشد المعادين للحزب الشيوعي، خاطبوا والد تلك الفتاة واستهانوا واستهزأوا به، كيف يسمح لشخص كافر أن ينفرد بأبنته حتى لو كان مدرساً لها، فأجابهم: والله و الله أني لآمن على ابنتي مع هذا الشخص أكثر من ان تكون مع أولاد أعمامها؟

 إنه النقاء والنظافة والطهارة وعفة النفس وروح التضحية والفداء والإيثار التي تميز بها الشيوعيون ولازالوا يتميزون بها، لذلك كانوا نموذجاً يهتدي به عدد كبير من الناس.

 في ظل التطور العلمي والتكنلوجي الذي يعيشه عالمنا الحالي، وفي ظل الحروب والحصار الذي عانى منه شعبنا طيلة سنوات عديدة، والذي رسخ الأنانية وحب الذات؟ وبعد سقوط النظام الإجرامي، جيء بحثالة الأرض وجهلتها ليتسيدوا، ولينشروا الجهل والتخلف، وليحيوا عادات من التعصب الديني والقومي والطائفي بشكل لم يشهده العراق منذ تأسيسه كدولة مستقلة!

ومع ذلك يطل الحزب الشيوعي برأسه، ويجد موضعاً لقدمه، في زحمة أقدام ثقيلة تبغي سحق من يعترضها وهي مدعومة من دول في مشارق الأرض ومغاربها، وتنكشف خديعة أحزاب ادعت دفاعها عن مكوناتها وأخرى عن قومياتها، وواقع هذه المكونات والقوميات حاضراً يكشف زيف تلك الادعاءات، وبقي الشيوعيون ويكادون أن يكونوا الوحيدين الذين يدافعون بصدق عن مصالح الناس على مختلف قومياتهم وطوائفهم واديانهم.

ألم يقال إن طريق الحق موحش لقلة سالكيه! ولا فخراً ولا غروراً وليس ادعاءً، نحن هذه القلة التي سلكت هذا الطريق الموحش، ليس طمعاً في مكسب شخصي، فقد يكون الشيوعيون أكثر من عرض عليهم مكاسب شخصية، مادية ومعنوية ومناصب إدارية قيادية مقابل التخلي عن انتمائهم الشيوعي أو مواجهة مصيرهم المحتوم، ومع ذلك رفض معظمهم الاستجابة لهذه المغريات، وقد يكون قبل بها بعض لا تتجاوز أعدادهم أصابع اليد، وهذا ما كشفت عنه وثائق الأجهزة الأمنية بعد سقوط النظام، ولكن الغالب الساحق ظل وفياً لمبادئه من أجل ان يكون العراق حراً وشعبه سعيداً.

على شو بعدك بتحبو.. على شو؟

على شو بعدك ماشي على دربو.. على شو؟

هذا السؤال الجدلي، لم يطرحه الأهل والأقارب والأصدقاء والأحباب والأعداء فقط! بل هو في بعض الاحيان يتبادر إلى ذهني! وأهيم حائراً للإجابة على هذا السؤال، ولكن أتلفت هنا وهناك، وأسترجع ذاكرتي: لم أجد ما يعيب انتمائي لهذا الفكر وهذا الحزب، فكل ما علمني اياه الحزب هي أشياء إيجابية لا يمكن نكرانها، علمني الحزب حب الكتاب والقراءة، وهذا يفرض عليك فرضاً، ليس من قبل الحزب، بل أنت محاط بأناس مثقفين وواعين، وهذا يحفزك لان ترتقي بنفسك لتكون بمستواهم، علمني أن ارتقي بذوقي في السماع للموسيقى والغناء والشعر وارتياد المسارح ودور العرض السينمائي، زجنا الحزب في نشاطات ثقافية واجتماعية، كون من الشباب مجاميع عمل، تخرج لمساعدة العوائل الفقيرة سواء في البناء أو اي شيئ تحتاج فيه تلك العوائل للعون، وهنا أود أن أشير أن الحزب لم يفرض أن تكون تلك المساعدة أو العون فقط للعوائل الشيوعية، بل أي عائلة محتاجة لهذا العون ومستعدة لقبول مساعدتنا، علمنا الحزب الإيثار والتضحية وبذل الغالي والنفيس من أجل الصالح العام.

أستذكر الرفاق الذين كانوا مسؤولين تنظيمياً عنا، أو الرفاق الذين شاركونا العمل الحزبي، وتعيد الذاكرة صدى تلك الايام التي بدأت فيها الاعتقالات وتغيب الرفاق واعدام بعضهم، وهروب البعض الآخر من هذا الجحيم وهجرة البعض الآخر إلى المنافي، وجميعهم أو الغالبية العظمى منهم أعادوا صلتهم بالحزب ليواصلوا مسيرتهم في ساحات نضالية أخرى.

لنترك الجانب السياسي المتعلق بانتمائهم للحزب الشيوعي، ولندقق في حياتهم الشخصية، جميعهم كانوا على مستوى راق من الأخلاق، وكلهم كانوا يتصفون بسمات اجتماعية محل احترام وتقدير في الوسط الاجتماعي الذي يعيشون فيه، معظمهم كانوا قامات علمية في مختلف المجالات والاختصاصات العلمية والاجتماعية.

رفضوا التوقيع على قصقوصة ورق تنقذ أرواحهم! ولكنها تسلب منهم مهجتهم وإنسانيتهم، تخلوا عن أرواحهم وارتقوا بإنسانيتهم إلى عنان السماء، كواكب تنير طريقنا.

أو بعد ذلك تسألني: على شو بعدك بتحبو على شو...على شو بعد ماشي على دربو؟

على شكلو..على سحرو..على فكرو..على عقلو؟

أو يمكن على رقة قلبوا؟

نعم من أجل كل ذلك لازلت أحبه وأمشي على دربه.

عم بيوزع أفكاره والأفكار جنون

والناس بتلحق أفكاره!

صحيح أفكاره جنونية لأنه يبغي تحقيق العدالة الاجتماعية، في ظل عالم بارد لا قلب له، فاقد لإنسانيته، يخترع كل يوم وسائل وأساليب جديدة لقمع الانسان واذلاله، وهوة تتسع ما بين أناس لا يجدون ما يسد رمقهم اليومي، وبضعة أشخاص يمتلكون ما يسد رمق شعوب ودول!

نعم قد ينظر البعض إلى أن أفكاره جنونية، ولكن لا ننسى أن تلك الأفكار كانت تراود الحالمين بالحرية والعدالة الاجتماعية، منذ نشوء التجمعات البشرية، منذ ثورة سبارتكوس إلى تمرد القرامطة. (مع الحب والاحترام لجوليا بطرس واغنيتها على شو).

عرض مقالات: