اخر الاخبار

أدخنة سوداء خانقة مسرطنة تنفثها معامل الاسفلت والطابوق، ومطامر صحية تحتل أراضي واسعة، ونهر تحوّل إلى مصب لمياه المجاري.. وسط هذه البيئة الملوثة بمختلف أنواع الملوثات الهوائية والمائية والترابية، يعيش سكان مناطق جنوب شرقي بغداد. الأمر الذي ينذر بمخاطر كبيرة على الصحة العامة والبيئة.

ويعاني العراق في مجمله، ارتفاع معدلات التلوث البيئي، إضافة إلى مخاطر الجفاف والتصحر. إذ تعتبر البلاد - وفقا لدراسة أعدتها شركة IQ Air السويسرية المعنية بقضايا تنقية الهواء عام 2022 – ثاني أكثر بلدان العالم تلوثا. فيما تحتل بغداد المرتبة 13 في قائمة أكثر مدن العالم تلوثا.

مياه ممرضة وأجواء كبريتية!

يقول المواطن سامر محمد، وهو من سكان مجمع بسماية، أنه تخلى عن استخدام مياه الإسالة لـ”عدم صلاحيتها للاستهلاك البشري، وتسببها في أمراض جلدية”، مبينا في حديث صحفي أن السكان يضطرون إلى شراء الماء المفلتر (آر أو)، لاستخدامه في الشرب والطبخ، الأمر الذي يثقلهم بأعباء مالية إضافية.

فيما يقول المواطن عامر إبراهيم، وهو أيضا من سكان المجمع، أنه “في أحيان كثيرة يتحوّل لون السماء إلى الرمادي وتنتشر في الجو روائح كبريتية خانقة. وبعد التحري عن الأمر تبين لنا أن هناك معامل اسفلت وطابوق غير نظامية، تحاصرنا وتنفث أدخنتها في أجوائنا”.

كلام إبراهيم أكده “مرصد العراق الأخضر” المعني بالبيئة على مدار العام الماضي. إذ أوضح في بيان صحفي أن “شكاوى عديدة وردتنا من أهالي مجمع بسماية، الذي يقطنه نحو 100 ألف نسمة، حول وجود تلوث بيئي في المجمع بسبب معامل الطابوق والإسفلت القريبة منه، والتي تقع في قرية 10، وكذلك في جرف النداف ضمن قضاء المدائن”.

وأضاف المرصد أن “هذه المعامل تخالف تعليمات وزارة البيئة والمنهاج الوزاري للحكومة”.

وبحسب عضو المرصد عمر عبد اللطيف، فإن هذه “المعامل لا تزال تواصل عملها على قدم وساق دون مراعاة الشروط البيئية. فهي تطرح ثاني أكسيد الكبريت واكاسيد النيتروجين، ما يزيد من تلوث هواء العاصمة بصورة كبيرة ويخلق أضرارا مضاعفة”.

 وتستخدم هذه المعامل الوقود الأحفوري، وتشغّل عمالها ساعات طويلة فوق المعتاد – حسب ما تنقله وكالات أنباء.

نهر أسود قاتل!

أما في منطقة جسر ديالى، فيشكو السكان من التلوث الكبير في نهر ديالى الذي يخترق منطقتهم، والذي أصبح مجرى للمياه الثقيلة، ومصدراً للأمراض والأوبئة والروائح الكريهة، مؤكدين أن مياه النهر التي تحوّلت إلى اللون الأسود، لم تعد صالحة أبدا حتى للاستخدامات الحيوانية والزراعية.

ويقوم مشروع مجاري الرستمية بتصريف مياه الصرف الصحي القادمة من مناطق شرقي بغداد، في نهر ديالى، من دون معالجة كافية، ما حوّل النهر، الذي كان مصدرا مائيا مهما للزراعة وتربية الحيوانات فضلا عن الاستخدامات البشرية، إلى بؤرة تلوّث قاتلة تهدد حياة ما يقارب 200 ألف إنسان.

ليس هذا وحسب، فأكتاف النهر وضفافه تحوّلت أيضا إلى مكبات للنفايات. والمفارقة هي أن مسؤولين محليين – حسب ما تنقله وكالات أنباء – يؤكدون أن لا ذنب للسكان في رمي مخلفات الصرف الصحي والنفايات في النهر. فالمؤسسات الحكومية هي من تقوم بذلك، نظرا لتقادم وتهالك محطات معالجة المياه الثقيلة، وخروج بعضها عن الخدمة.

وتنقل وكالات أنباء عن عدد من سكان المنطقة، قولهم أن مياه النهر أصبحت ملوثة بنسبة 100 في المائة، وان هذا التلوث بات مسببا رئيسا لمرض الكوليرا، الذي ينتشر في مناطقهم بشكل كبير.

فيما تنقل عن مزارعين القول ان “الزراعة في المنطقة لم تعد تعتمد على مياه نهر ديالى، إنما على طرق بديلة، ومنها حفر الآبار”.

وفي كانون الأول 2023 اعلنت منظمة اليونيسف عن افتتاح 8 محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي في مدينة الطب، مبينة أنه “كان يتم تصريف وإلقاء أكثر من 2300 متر مكعب من مياه الصرف غير المعالجة، يوميا في نهر دجلة، ما يزيد من تدهور الموارد الطبيعية وتعرض السكان والأطفال الى مخاطر صحية جمة”.

مطامر صحية

وتقع في محيط مناطق جنوب شرقي بغداد، مطامر صحية تحتل أراضي واسعة ليست بعيدة عن السكان. ومنها مطمر النفايات والأنقاض الواقع في الرستمية، والذي أصبح مصدرا لتلوث الهواء والتربة والماء، وبؤرة للجراثيم والأوبئة. 

وتشدد المعايير الدولية لطمر النفايات والانقاض على ضرورة تخصيص أماكن بعيدة عن المناطق السكنية، ووضع أساسات من الاسمنت لمنع تسرب الجراثيم والملوثات إلى التربة ومياه الشرب. فيما يلفت خبراء في المجال البيئي، إلى أن ترك النفايات مكشوفة لأيام، يولد بيئة ملوثة تنتقل جراثيمها إلى البشر عبر البعوض والحشرات الأخرى.

ويؤكد الخبراء – حسب وكالات أنباء – ان “90 في المائة من التلوث الموجود في مناطق حزام بغداد، سببه انتشار مواقع طمر نفايات غير صحية”.

ويُطمر معظم نفايات العاصمة في موقعين، الأول يقع في منطقة النباعي شمالا، ويستوعب نحو 7 آلاف طن يوميا. والآخر يقع في منطقة النهروان جنوبا، ويستوعب قرابة 3 آلاف طن يوميا.

وحسب مدير إعلام أمانة بغداد محمد الربيعي فإن آليات الأمانة ترفع يومياً أكثر من 9 آلاف طن من النفايات من جميع مناطق العاصمة.

جدير بالذكر، أن العراق يسجل منذ سنوات ارتفاعا كبيرا في نسب الأمراض السرطانية والتنفسية والباطنية. ويعزو اختصاصيون في المجالات الصحية والبيئية أسباب هذا الارتفاع، إلى التلوث الكبير الذي يخيم على البلاد، والذي يشمل الهواء والماء والتربة.