اخر الاخبار

يعكس التناقض بشأن حدوث أزمة نقدية في البلاد من عدمها، وجود مشكلة في عملية إدارة السياستين النقدية والمالية، الى جانب تفاقم عدم ثقة المواطن بالقطاع المصرفي الذي تحول الى وسيلة لاستنزاف الناس لا خدمتها.

وبدلا من ان تجد الحكومة إجراءات ناجعة ومثالية تسحب من خلالها النقد المكتنز لدى المواطنين، لجأت الى رفع الغرامات والضرائب على الناس، وقفزت بشكل مستعجل لتطبيق نظام الدفع الالكتروني، كما حصل مع ازمة البنزين مثلاً، وهذا ما يصفه مختصون بأنه خطأ فادح، نتيجة لتعويل الحكومة على هذه المصادر في تمويل خزينتها وتحقيق سيولة نقدية.

تراجع حاد

محافظ البنك المركزي علي العلاق، نفى مراراً وجود مشكلة سيولة، مؤكدا أن «ما يثار ويشاع عن وجود مشكلة في سيولة الدينار العراقي عار عن الصحة، وأن البنك المركزي مستمر في إجراء عملية الاستجابة للطلبات المتعلقة بالسيولة وكذلك وزارة المالية».

وقال في وقت سابق، إن «ظاهرة الاقتصاد النقدي لها آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد العراقي وتبعات في ما يتعلق بإدارة السيولة وتكاليفها من طبع العملة والرقابة عليها»، معللا التوجه الحكومي نحو الدفع الإلكتروني بـ»الحد من هذه الظاهرة».

وبعد تصريح العلاق بمدة وجيزة، أصدر خبراء صندوق النقد الدولي بيانا عقب نهاية مشاوراتهم مع السلطات العراقية في عمّان، جاء فيه أن ثمة «تراجعا حادا» في مركز المالية العامة في العراق.

التراجع كان من فائض مقداره 10.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2022، إلى عجز مقداره 1.3٪ في العام 2023. وعزا البيان ذلك إلى انخفاض الإيرادات النفطية، وزيادة الإنفاق بنسبة 8 نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي بسبب الزيادة التي حصلت في التوظيف في القطاع العام!

أزمة وعجز

فيما نقل بيان عن نائب رئيس مجلس الوزراء وزير التخطيط محمد تميم، اعترافه بوجود أزمة نقدية. وذلك خلال اجتماع له مع اللجنة المالية النيابية، لبحث الموازنة الاستثمارية، وللتساؤل عن أسباب تأخر جداول موازنة 2024 وإدراج المشاريع، حيث اعترف تميم بوجود أزمة نقدية في العراق وعجز كبير في الموازنة الحكومية.

واستعرض تميم خطط الوزارة في ما يتعلق بإدراج المشاريع الاستراتيجية والخدمية للمحافظات، بالإضافة إلى آلية إيجاد حلول لمشكلة عدم اعتماد الدفع الإلكتروني، وكيفية تعزيز الثقة بالقطاع المصرفي العراقي.

فيما يجادل المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي بان «الوضع المالي او الإيرادات ومبيعات النفط، جيد، في ظل الأسعار والكميات التي يباع بها النفط».

ويردف الهنداوي كلامه لـ»طريق الشعب»، انه «أحياناً يكون هناك تأخير في استحصال الإيرادات او الأموال الخاصة بالنفط، لذلك تحدث أزمة بالسيولة والنقد».

وبشأن جداول الموازنة، يقول لـ»طريق الشعب»، ان «النسبة الكبرى منها تعد من قبل وزارة المالية على اعتبار ان الجانب التشغيلي هو الطاغي على الموازنة، وبالتالي هي من اختصاص المالية»، مبينا ان التخطيط «تعنى فقط بالجداول الاستثمارية في ما يخص المشاريع الاستثمارية والتخصيصات في هذا الجانب».

ويضيف، أن هناك تركيزا على المشاريع قيد التنفيذ والمشاريع المتلكئة والمتوقفة، إضافة الى إعداد مشاريع جديدة ذات أولوية وأهمية، مؤكدا ان «كل الجداول قد أنجزت وهي في المراحل الأخيرة، وستناقش في مجلس الوزراء قريبا جدا، وحتى بالنسبة لجداول الموازنة التشغيلية فقد اكتملت أيضا».

أزمة حقيقية

ويؤشر الكاتب يحيى الكبيسي وجود تناقض بين حقيقة وجود «فائض سيولة» أي وجود كتلة نقدية كبيرة بالدينار العراقي، ونفيها رسميا، وهذا يعكس أزمة حقيقة في إدارة الملف المالي في العراق، كما يعكس، في الوقت نفسه، ضعف ثقة المواطن بالقطاع المصرفي، العام والخاص على السواء.

وأضاف انه «وفقا للتقديرات فإن ثمة كتلة نقدية تصل إلى 35 تريليون دينار عراقي هي خارج إطار التداول، وخارج إطار الجهاز المصرفي، وهو ما يصل إلى ثلث الكتلة النقدية المصدرة التي وصلت إلى ما يزيد على 100 تريليون دينار عراقي».

أرقام غير مفهومة

وتظهر ارقام البنك المركزي تصاعدا مبالغا فيه، وغير منطقي، في حجم الكتلة النقدية المصدرة خلال السنوات الخمس الأخيرة (2019 ـ 2023)؛ فوفقا لهذه الأرقام لم تزد الكتلة النقدية في نهاية العام 2013 عن 40.6 ترليون دينار عراقي، واستمرت في الزيادة، بشكل منضبط، وصولا إلى نهاية عام 2018 عندما وصلت إلى 44.2 ترليون دينار عراقي، بمعدل زيادة بحدود ترليون دينار عراقي سنويا.

وقال ان العام 2019 شهد قفزة في السيولة وصلت إلى 51 تريليونا، ثم تكرر الارتفاع ووصل إلى 66 تريليونا نهاية عام 2020، و 76.5 ترليون نهاية العام 2021، ثم 87.5 نهاية عام 2022، و إلى 101.48 ترليون دينار مع نهاية عام 2023؛ حيت تضاعفت الزيادة السنوية لتصل إلى معدل 10 تريليونات دينار.

واضاف ان «مراجعة أرقام البنك المركزي العراقي تظهر أن حجم الكتلة النقدية المصدرة وصلت إلى ما يزيد على 102.6 تريليون دينار عراقي عند نهاية شهر تشرين الثاني العام 2023، في حين لا يزيد حجم رؤوس أموال المصارف العاملة في العراق على 9.1 ترليون دينار عراقي في نهاية العام 2023، وهذا يعني أن حجم الأموال المودعة لا يزيد على 8.8٪ من حجم الكتلة النقدية المصدرة». على أن أرقام البنك المركزي المعلنة على موقعه تتضمن أرقاما غير مفهومة، فهذه الأرقام توصل حجم العملة خارج البنوك إلى 94.6 ترليون دينار عراقي نهاية العام 2023، فيما تتحدث عن 19.06 ترليون دينار.

عجز وفشل

من جهته، قال الخبير الاقتصادي صالح الهماشي ان الحكومات العراقية المتعاقبة جميعها فشلت في إيجاد طريقة لمعادلة الكتلة النقدية ما بين خزينة الدولة والسوق، فالأموال دائماً ما تكون محدودة.

وأضاف في حديث مع «طريق الشعب»، ان «الكتلة النقدية في العراق ابتدأت بـ 60 ترليونا والان ارتفعت إلى 127 تريليونا. البنك المركزي العراقي يطبع نقدا ولا يستطيع سحب نقد السوق اذ لا توجد طريقة للسحب غير مزاد العملة عبر نافذة بيع العملة لسحب النقد»، مبينا ان «التدوير النقدي داخل العراق ما يزال ضعيفاً جدا ولأسباب عديدة».

وفصّل الهماشي هذا الأسباب بالقول ان «المصارف العراقية غير فاعلة حيث ان المواطن لا يودع أمواله لعدم وجود ثقة، وهي فعلاً ليست محلاً للثقة؛ إذ دائماً ما تتخذ قرارات بحق المودعين، ومن ناحية ثانية فإن العمولات المصرفية عالية جداً، وبالنسبة للدفع الإلكتروني حاولت الدولة استخدامه وهي تفشل فشلا ذريعا في ذلك خصوصا في عملية الدفع بالوقود حيث أصبحت هناك أزمة في عملية التسديد واستقطاعات ومشاكل كثيرة».

ولفت إلى ان «الدولة لم تستطع حتى اللحظة إيجاد طريقة لتدوير الكتلة النقدية، لذلك دائما ما تخرج السيولة النقدية للشارع، ولا تعود مرة ثانية للبنك المركزي، وقد لجأت الحكومة الى معالجة ذلك من خلال رفع الضرائب والرسوم والغرامات، وهذا أكبر خطأ تقع فيه، لانه لا يمكن لأي دولة ان تعتمد في تمويلها على الغرامات».

واكد ان كل هذا «يؤثر على الموازنة التي تعتمد على ما تتحصل عليه الدولة خلال عام، لذا فأن عدم وجود كتلة نقدية ووسائل عديدة لسحبها، ستبقى الدولة عاجزة وستعجز عن الإيفاء بالتزاماتها؛ فاغلب التزامات الموازنة داخلية وليست خارجية. أمّا ميزان المدفوعات فلا يشكل أكثر من 10 ـ 20 في المائة من ميزان المدفوعات العراقي من سلع وخدمات يستوردها العراق، فنسبة الأجور والرواتب والإعانات والمشاريع كلها تنفذ بالدينار العراقي».

عرض مقالات: