اخر الاخبار

يشكل تجريف البساتين والمناطق الخضراء واستغلال التربة الصالحة للزراعة لأغراض أخرى مثل السكن أو إنشاء المشاريع، ظاهرة خطيرة جدا على النظام البيئي العراقي.

ومنذ 2003، وفي ظل غياب الرادع الحكومي الحقيقي، تتواصل عمليات التجريف وتزداد وتتسع في معظم المحافظات، وذلك بأشكال وصور مختلفة، منها تحويل الأراضي من زراعية إلى سكنية، بعد تقسيمها إلى قطع صغيرة وبيعها بأسعار مغرية، في ظل أزمة السكن وغلاء العقارات، أو تحويلها إلى مشاريع صناعية، أو استغلالها كمواقع عسكرية. وفي موازاة ذلك، حوّل الجفاف الكثير من البساتين إلى صحاري، الأمر الذي أفقد البلاد مساحات واسعة من أراضيها الخصبة.

وأدى ضعف الدعم الحكومي للقطاع الزراعي، إلى توقف نشاط الكثيرين من المزارعين، الذين باتوا يواجهون صعوبة في توفير مستلزمات العملية الزراعية، وفي تسويق منتجاتهم في ظل منافسة المنتجات المستوردة، الأمر الذي دفعهم إلى مغادرة مهنة الأجداد، والتوجه نحو المدن بحثا عن فرص عمل أخرى، أو تحويل بساتينهم إلى قطع سكنية وبيعها. 

وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية المستغلة في العراق اليوم 18 مليون دونم من أصل 32 مليون دونم كانت تستغل زراعيا جميعها قبل 2003 – حسب تصريحات سابقة لوزير الزراعة السابق محمد كريم الخفاجي.

ووفقا لوزير الموارد المائية عون ذياب، فإن مساحات كبيرة من البساتين في بغداد وعدد من المحافظات، تعرضت إلى تجريف كامل، وتحوّلت إلى مشاريع تجارية، واصفا الأمر في حديث صحفي بأنه “جريمة بيئية يحاسب عليها القانون”.

قانون يجرّم التجريف

رئيس الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية التعاونية في العراق، حسن التميمي، يطالب في حديث صحفي بمنع تجريف البساتين بشكل قطعي، مشيرا إلى أن “هذه الظاهرة أثرت سلباً على البلاد، وصارت تنتشر بشكل واسع في عموم المحافظات”.

ويرى في حديث صحفي، أنه “من الأهمية أن تشرّع الحكومة قانوناً يُجرّم تجريف البساتين واقتلاع الأشجار. فإذا لم تتخذ إجراءات حاسمة ازاء هذه الظاهرة الخطيرة، ستتفاقم المشكلة أكثر”.

ويلفت التميمي إلى أن “هناك تناقضا واضحا في تصرفات الحكومة. فهي رصدت 5 مليارات دينار لإنشاء أحزمة خضراء حول المدن، في وقت يجري فيه تجريف البساتين والمناطق الزراعية لأغراض عقارية”!

جهات نافذة تجرّف البساتين!

شهدت السنوات الأخيرة تجاوزات كثيرة استهدفت أراضي زراعية وبساتين ومساحات عقود زراعية، وقسمتها وحوّلتها إلى أراض سكنية ومشاريع صناعية.

وفي هذا الصدد، يؤكد عضو اتحاد الجمعيات الفلاحية جعفر الموسوي، أن “جهات نافذة جرفت مساحات كبيرة من البساتين في مختلف المحافظات، لغرض استغلالها عقارياً وتجارياً”.

ويوضح في حديث صحفي أن “أكثر المحافظات تعرضاً للتجريف هي ديالى وبغداد وبابل والبصرة، وبعدها بقية المحافظات بحسب مساحاتها الزراعية، وقوة أصحاب النفوذ فيها”، مشيرا إلى أن “جهات نافذة في الدولة سيطرت على المشاريع الاستثمارية والمجمعات السكنية، واستحوذت على أراضٍ واسعة بخاصة في مناطق حزام بغداد التي شهدت عمليات تجريف كبيرة حرمت العاصمة من رئتها الطبيعية وبساتينها التي كانت عامرة”.

خسارة ملايين النخيل

وكانت البساتين تعتبر من الركائز المهمة للاقتصاد العراقي. أما اليوم فقد خسرت البلاد الملايين من أشجار النخيل والفاكهة جراء التجريف الذي يحصل في القرى والمناطق الزراعية منذ 2003.

ويؤكد الاختصاصي في الاقتصاد الزراعي علي العامري، أن “أشجار النخيل في العراق كانت تزيد على 30 مليون شجرة حتى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، بواقع إنتاجي يزيد على 500 ألف طن من التمور سنوياً. أما اليوم فقد انخفضت أعداد النخيل بسبب ضعف الاهتمام الحكومي وتوالي سنوات الجفاف والتوسع العمراني باستغلال المناطق الزراعية”.

ويوضح في حديث صحفي، أن “من أهم المناطق التي شهدت عمليات تجريف بساتين، هي: منطقة الدورة جنوبي بغداد التي فقدت قرابة 15 بستاناً، ومحافظة بابل التي فقدت 20 بستاناً، فضلا عن محافظة الديوانية التي شهدت تجريف نحو 33 دونما من البساتين، وكربلاء التي طاولت عمليات التجريف فيها عشرات البساتين، ولا يزال الحال مستمرا حتى اليوم”.

ويتابع العامري قوله أن “البصرة لم تسلم هي الأخرى من التجريف. إذ جرى الاستيلاء على أكثر من 400 بستان موزعة على ضفتي شط العرب وقضاء الزبير ومناطق متفرقة من المحافظة. فيما كان حال ديالى صعبا للغاية. فهي تتصدر قائمة المحافظات الأكثر عرضة لعمليات التجريف”. 

ويلفت إلى أن عدد البساتين التي جرفت في ديالى تجاوز 480 بستانا تضم أشجار رمان وبرتقال، مشيرا إلى أن “عمليات التجريف تسببت في تراجع الإنتاج الزراعي، وشكلت تهديدا واضحا للأمن الغذائي العراقي، الذي بات يعتمد على الاستيراد بفعل السياسات الخاطئة التي تنتهجها الدولة”.

النجف فقدت ألفي دونم

وكانت مديرية زراعة محافظة النجف قد كشفت في تصريح صحفي عن تجريف نحو ألفي دونم من بساتين النخيل في المحافظة.

ووفقا لمدير الزراعة منعم الفتلاوي، فإن “التجريف شمل بساتين الكوفة، وجزءاً من بساتين مركز المحافظة”، مبينا ان “العديد من اصحاب العقود الزراعية قاموا بتجريف بساتينهم وبيعها دون الاخذ بنظر الاعتبار ان هذه المساحات زراعية وتمثل غطاء نباتياً للمحافظة ومورداً اقتصادياً”.

وأكد ان “مديرية الزراعة رفعت دعاوى ضد اصحاب العقود الزراعية المخالفين، والآن هي امام المحاكم”، لافتا إلى أن “عدد الدعاوى بلغ نحو 1500 دعوى، وان القرار 154 الخاص بمعالجة التجاوزات على الاراضي الزراعية، ساري المفعول ومطبق في النجف”.

ويشدد القانون العراقي على حماية الأراضي الزراعية والحفاظ عليها وتحسين خواصها وعدم تجريفها، ومنها قانون الإصلاح الزراعي رقم 117 لسنة 1970 وقانون توحيد اصناف اراضي الدولة رقم 53 لسنة 1976 وقانون حماية وتنمية الانتاج الزراعي رقم 71 لسنة 1978، وبالرغم من ذلك لا يزال التجريف يتواصل ويستفحل!